النهاية الحقيقية لجمهورية 1952 - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النهاية الحقيقية لجمهورية 1952

نشر فى : الأحد 25 ديسمبر 2011 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأحد 25 ديسمبر 2011 - 9:35 ص

«اشتباكات فى قلب العاصمة القاهرة، على الهواء مباشرة، بين آلاف المواطنين المتظاهرين من ناحية، وبين جنود وضباط من الجيش المصرى من ناحية أخرى». كان هذا هو نص مانشيتات العديد من الصحف المصرية والعالمية خلال أيام الأسبوع الماضى. واقترنت هذه المانشيتات بصور ملونة لأفراد من الجيش المصرى يعتدون على فتاة مصرية شبه عارية.

 

وبعيدا عن تفاصيل أحداث مجلس الوزراء المشينة، وما آلت إليه من وقوع ضحايا أبرياء من الشباب، تبقى هذه الأحداث علامة تاريخية فارقة انتهت معها عمليا الجمهورية المصرية الأولى، والتى بدأت مع نجاح حركة الضباط الشباب، التى عرفت بحركة الضباط الأحرار عام 1952.

 

ظن البعض أن الجمهورية التى أسست لها حركة 1952 سقطت يوم 11 فبراير، يوم تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك. إلا أن استمرار استئثار المؤسسة العسكرية، ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالسلطة خلال الشهور الماضية جعلنى أتردد فى طرح فكرة انتهاء الجمهورية الأولى قبل الآن، فما زال المجلس يستند فى جوهره على شرعية حركة يوليو.

 

نعم كانت حركة يوليو حدثا كبيرا ليس فقط فى تاريخ مصر، بل فى تاريخ العالم كله، فقد مكنت مصر من قيادة حركة التحرر من الاستعمار الأوروبى فى العالم الثالث‏، غير أنه فى الوقت نفسه، عجزت حركة يوليو عن تلبية أحد أهم مبادئها الأساسية، وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

 

أختار الرئيس عبدالناصر أن يوقف التطور الليبرالى الذى شهدته مصر قبل 1952، رغم التحفظ الكبير على ممارسات تلك الفترة. واختار ناصر والسادات ومبارك أن يحكموا مستخدمين نظام الحزب الواحد مع تجميل الحياة السياسية بالسماح بليبرالية شكلية وديمقراطية مقيدة، ومنافسة حزبية صورية.

 

اعتمدت شرعية الجمهورية الأولى فى جوهرها على وضعية حساسة وشديدة الخصوصية للقوات المسلحة فى المجتمع المصرى. وسمحت هذه الوضعية الخاصة باستمرار سيطرة شبه مطلقة للمؤسسات الأمنية، ممثلة فى القوات المسلحة ووزارة الداخلية، على مختلف مراكز الحياة السياسية المهمة. ولم تتغير نسب تمثيل هذه المؤسسات الأمنية فى أرقى مناصب الدولة خلال عقود حكم الرئيس جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك. فقد ترأس رجال الجيش والشرطة شركات القطاع العام، وتولوا مناصب المحافظين، والوزراء وأعضاء المجالس المتخصصة، ومؤسسات الرئاسة وأجهزة المخابرات، هذا بالإضافة للتمثيل الواسع فى مجلسى الشعب والشورى عن طريق اللواءات والعمداء السابقين.

 

ولعل أكثر مظاهر «عسكرة» الجمهورية الأولى وضوحا تمثل فى مجىء رؤساء مصر الأربعة من المؤسسة العسكرية معتمدين بالدرجة الأولى فى شرعيتهم على شرعية حركة 1952، لا على شرعية ديمقراطية دستورية حقيقية أرسوها خلال عقود حكمهم.

 

كان أهم ما توارثه رؤساء جمهورية 1952 هو «الديكتاتورية الأمنية» التى بنيت على خديعة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، مما أدى للفشل فى التأسيس لأحد أهم مبادئ حركة يوليو، والمتمثل فى «إقامة حياة ديمقراطية سليمة». وإذا كان الرئيس عبدالناصر رغم تجاهله للديمقراطية قد حاز على شعبية كبيرة نتيجة تركيزه على مبدأ «تحقيق العدالة الاجتماعية»، إلا أن الرئيسين السابقين السادات ومبارك، قد تجاهلا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية معا.

 

شاهد ملايين الشعب المصرى الأسبوع الماضى، وللمرة الأولى فى تاريخه الحديث، اعتداء الجيش على مواطنين مصريين. تابع المصريون بالبث المباشر صورا لجنود وضباط مصريين يتبادلون إلقاء الحجارة مع المواطنين، وسقط 17 مواطنا قتلى بالرصاص الحى.

 

أسقطت أحداث الأسبوع الماضى الشرعية الرومانسية للجمهورية الأولى التى كان عمادها جيش قاد حركة تحرير التراب الوطنى من الاستعمار الأجنبى، كما أسقطت الغلالة الرقيقة التى كانت تفصل بين السلطة السياسية المدنية فى ظاهرها، والقيادة العسكرية التى سيطرت على مفاتيح الحياة السياسية فى مصر.

 

لا مكان للرومانسية فى الحياة السياسية للجمهورية الثانية. شرعية الجمهورية الثانية شرعية واقعية. خرج الشعب يوم 25 يناير يطالب بعيش وحرية وعدالة اجتماعية. واستمر الشعب فى الخروج ليسقط وزارات وينبذ وثائق ويصحح مسار المرحلة الانتقالية. ثم خرج يوم 23 ديسمبر ليحدد المعلم الأخير لشرعية جمهورية 25 يناير ويقرر سقوط حكم العسكر. إذًا فشرعية الجمهورية الثانية هى شرعية مصدرها الأول الشعب، وأسسها هى العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية وشكلها مدنى بلا عسكرية سياسية.

 

سيعقد مجلس الشعب أولى جلساته يوم 23 يناير 2012 مستبقا الذكرى الأولى لثورة 25 يناير بيومين. فليكن إعلان يوم 25 يناير العيد القومى الرسمى لمصر أول قرار يتخذه مجلس الشعب المنتخب فى أول انتخابات حرة فى تاريخ مصر. هذا القرار قد يبدو بسيطا مقارنة بالمهام الجسيمة التى تنتظر المجلس إلا أن دلالاته لا تقل جسامة: أمارة على استقلال المجلس واحترامه للشعب مصدر الشرعية، إكرام للشهداء والجرحى وعزاء لذويهم، شهادة ميلاد للجمهورية الثانية.

 

تغيير اليوم الوطنى لمصر لا يمثل أى إهانة أو تقليل من شأن ذكرى 23 يوليو، بل يمثل فهما واعترافا بواقع جديد يعترف عمليا وبصدق بالثورة وبنجاحها.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات