للمجالس الثقافية تاريخ منذ الأزمنة البعيدة، وعلى امتدادها عاشت المجتمعات هذه الحالة كلما دعت إليها الحاجة، وقد ظهرت الصالونات الثقافية فى مجتمعنا كإحدى المظاهر المرتبطة بتزايد الوعى والحاجة إلى التنفيس وتبادل الأحاديث بين المثقفين، وهى ناتجة عن مخاض ثقافى وحراك مستمر يمر به المجتمع.
جاءت الحاجة إليها كتنظيمات خاضعة للمجهود الفردى فى ظل ضعف الأداء والتنظيم من قبل العمل المؤسسى الذى كان من المفترض أن يكون وسيطا خدميا لترجمتها على الواقع كمجهودات ذات قيمة لا تبقى حبيسة المجالس الخاصة ولتنعكس فوائدها على الحياة العامة، وبالرغم من وجود العمل المؤسسى الثقافى فى إطاره الضيق ظهرت الأندية الأدبية كمؤسسات تنظيمية فاقدة للتطوير، بل أساءت للثقافة من خلال احتكارها لمفهومها العام وتحديد مجالها الواسع فى زاوية الأدب الضيقة، وهذا لا يعنى الاستهانة بالأدب والأدباء لأن للأدب فائدة فى نمو ثقافة المجتمع ورقيه وهو بحاجة للتطوير والإثراء، ولكن من الخطأ التعبير بمحدودية جانبه عن الوجه الثقافى العام.
للثقافة والعلم أوجه وجوانب متعددة بتعدد مسارات الحياة، وهناك الكثير من المثقفين ذوى الإدراك والمعرفة فى كل جانب من جوانبها، ونجد أن تعميق أبعادها فى الوعى الاجتماعى من خلال التجمعات يشكل ضرورة ملحة للتعلم غير الممنهج القائم على قيمته الذاتية، كونها بيئة مثالية تجمع ذوى الاهتمامات المشتركة وتسمح لهم بالتشارك والتعبير عن رؤاهم والحوار حولها فى أجواء مفعمة بالانسجام والأريحية.
لا ينبغى لهذه المجالس والنوادى أن تبقى حكرا للرجال، وإنما يجب أن يتاح العمل بالتشارك بين الجنسين فى إرساء ثقافة عامة قائمة على الوعى وإدراك دور كل منهما ليكمل الآخر فى تنمية البيئة الثقافية، فضلا عن ضرورة إنشاء المجالس النسائية التى تعنى بشئون النساء التى قد تتسع إلى مجال المشاركة فى الندوات والمؤتمرات المنظمة التى من المفترض أن تأتى كامتداد لها.
لابد أن تكون الاستفادة من تفعيل دور هذه المجالس بدعم استمرارها لتنعكس بالنفع على المجتمع ولترتقى بالمستوى الفكرى والثقافى والتعليمى، لا سيما دعم الحركة التعليمية بطرق التعلم غير الممنهج لإثراء أفكار الشباب ومنحهم الفرص لتوسعة مداركهم وإشباع حاجاتهم وتساؤلاتهم فى تلقى المعلومة والمشاركة بها مع الغير، وسيكون فى ذلك فرصة يجد فيها الشباب حاجتهم لإثبات قدراتهم المعرفية والعلمية واستصناعهم ليكونوا أكثر فاعلية لخدمة أنفسهم ومجتمعاتهم.