الاحتلال مريح أكثر بالنسبة إلى «أمة الشركات الناشئة» مما هو بالنسبة إلى الإسرائيليين الذين لا ينتمون إليها، ويتحملون العبء الاقتصادى لهذا الاحتلال بصورة أساسية. والسبب الأساسى لذلك هو أن العبء الاقتصادى يتحمله بصورة أساسية الإسرائيليون الذين لا ينتمون إلى «أمة الشركات الناشئة».
يتركز النقاش بشأن الاحتلال عموما على مشكلات سياسية وعسكرية وقانونية وأخلاقية، أما انعكاسات المواجهة الدائرة داخل الخط الأخضر على مستوى الحياة، وعلى المناطق الواقعة فى المركز وفى الأطراف، وعلى عدم المساواة، وعلى الفقر، فإنها تُبحث فى أوقات متباعدة. وفى أغلب الأحيان يدور الخطاب العام كما لو أنه ليست هناك علاقة فعلية بين الاحتلال وما يجرى داخل المجتمع الإسرائيلى.
وهذا بالطبع غير منطقى، فصيانة الاحتلال عملية مكلفة، وأى انتفاضة فلسطينية كبيرة تلحق الضرر بالنمو: لقد تسببت الانتفاضة الثانية بعامين من النمو السلبى فى الناتج العام الإجمالى، وثلاث سنوات من النمو السلبى فى الناتج العام الفردى، وهذا معناه انخفاض فى المستوى المعيشى.
وتعتبر شركات الائتمان العالمى عدم الاستقرار السياسى والأمنى عائقا فى وجه رفع كبير لدرجة التصنيف الائتمانى للاقتصاد الإسرائيلى، الأمر الذى من شأنه أن يحول دون تخفيض سعر القروض التى تأخذها الحكومة، وأن يتيح استثمارات أوسع لتطوير المناطق الواقعة فى الأطراف، وتوسيع التعليم ورفع مستوى القوة العاملة.
إن الانفاق العسكرى كبير وثمنه يُدفع من الميزانيات الاجتماعية. إن قمع المقاومة الفلسطينية يشكل منذ وقت طويل الشغل الأساسى للجيش الإسرائيلى. فالجيش يستخدم بصورة دائمة فرقتين من فرقه النظامية، كما يستخدم بصورة دورية جميع وحدات سلاح المشاة. ووفقا لتقرير نشره معهد مولاد [مركز تجديد الديمقراطية الإسرائيلية] يحتفظ الجيش الإسرائيلى بنحو نصف، وأحيانا ثلث، قواته المقاتلة لهذا الغرض. بالإضافة إلى ذلك، وفى أعقاب موجة الهجمات داخل الخط الأخضر، تحول قمع المقاومة الفلسطينية إلى العمل الأساسى لوزارة الأمن الداخلى التى ازدادت ميزانيتها ما بين عامى 1994 و2015 بنسبة 350%.
إن الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للمواجهات هى أحيانا بعيدة المدى. ونموذج بارز على ذلك هو التقليصات الكثيفة التى جرت خلال العامين 2002ــ2003 فى ميزانيتى الموساد والضمان الوطنى من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية التى أثارتها الانتفاضة الثانية. فقد أدت هذه التقليصات إلى زيادة الفقر وإضعاف آليات دعم العاطلين عن العمل، والعاملات والعاملين من ذوى الأجر المنخفض، والعائلات المتعددة الأولاد. كما أدت إلى تقليص ميزانيات أخرى من بينها ميزانية الإسكان، ومساعدات متكافئة إلى السلطات المحلية الضعيفة. وعلى الرغم من التغييرات التى حدثت منذ تلك السنوات، فإن هذا كله يشكل اليوم جزءا من السياسة الاجتماعية.
لم تكن هذه التقليصات أمرا «لا مفر منه». فقد كان فى الإمكان تمويل الزيادات المطلوبة فى ميزانية الأمن بواسطة فرض ضرائب خاصة، أو بواسطة رفع الضرائب المباشرة. لكن الحكومة قررت تحديدا خفض الضرائب المباشرة بحجة أن هذا سيسرّع النمو، مع أنه كان واضحا أن النمو تضرر بسبب الانتفاضة. ومن بين الأسباب التى أدت إلى خفض الضرائب الحئول دون هرب الدجاجات الإسرائيلية التى تبيض ذهبا إلى الخارج، أى صناعة التكنولوجيا المتقدمة. لقد أشار رئيس اللجنة التى أوصت بخفض الضرائب، يائير رابينوفيتس، إلى أن أحد الأهداف الأساسية لخفض الضرائب هو «المحافظة على رأس المال البشرى داخل إسرائيل».
وكانت النتيجة تفاقم عدم المساواة. وبينما تضرر أصحاب الدخل المحدود من تقليص دعم الدخل، وتقليص مخصصات الأولاد ومساعدات البطالة، استفاد أصحاب الدخل المرتفع من تخفيض الضرائب. بين السنوات 2003 (السنة التى بدأ فيها تخفيض الضرائب وتقليص المخصصات) و2010 (السنة التى طبقت خلالها معظم التخفيضات والتقليصات)، ازداد الدخل الأسرى لشريحة الـ10% الأغنى بنحو 26%. أما الدخل الأسرى للطبقات الدنيا فقد ازداد هو أيضا لكن بنسبة تقل عن 6% وحتى 8%.
ما علاقة هذا بالانتفاضة الثانية خصوصا والاحتلال عموما؟ ما يجرى فى النهاية هو عملية نيو ليبرالية كلاسيكية من النوع الذى عرفناه جيدا إبّان حكم رونالد ريجن ومارجريت تاتشر ومن حذا حذوهما. من المنطقى افتراض أنه لولا الصدمة التى لحقت بالقيادة السياسية [الإسرائيلية] خلال فترة الانتفاضة الثانية، لما كانت هذه القيادة اتخذت هذه الخطوات المتشددة، ولربما كانت اتخذتها بصورة أكثر تدريجية.
شلومو سفيرسكى
مدير مركز أدفا للمعلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية فى إسرائيل
ynet
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية