الناتو رفاهية لا تحتاجها أمريكا الآن - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الناتو رفاهية لا تحتاجها أمريكا الآن

نشر فى : الأربعاء 27 يوليه 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 27 يوليه 2022 - 7:40 م

نشرت صحيفة فورين بوليسي مقالا بتاريخ 23 يوليو للكاتب جاستين لوجان تناول فيه تمكن الولايات المتحدة من السيطرة علي العالم من خلال الناتو، وفي ذات الوقت، ناقش ما يشكله الناتو والاعتماد الأوروبي علي أمريكا من عبء عليها... نعرض من المقال ما يلي.

كان الاعتقاد السائد للسياسة الخارجية لواشنطن هو أن الناتو ذو قيمة كبرى للولايات المتحدة لفترة من الزمن. وظهر هذا الاعتقاد جليا في مذاكرات الدبلوماسي الأمريكي السابق ويليام بيرنز، التي تشير إلى الارتباط الوثيق بين المصالح الأمريكية وأهداف الناتو.
إضافة إلي مذاكرات بيرنز، قدمت الكاتبة كاثلين جيه ماكينيس لقراء فورين بوليسي حُجة مفادها أن الأمريكيين ما زالوا بحاجة إلى الناتو. حيث أشارت إلي أن الناتو هو أصل "الازدهار الاقتصادي الهائل والحرية" التي يتمتع بها الأمريكيون. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما وفر أيضا الأمن للأوروبيين. مهد الناتو كذلك الطريق أمام الولايات المتحدة لوضع أجندة الأمن الدولي، وعزز مصداقية الولايات المتحدة في آسيا، وساعد في تسهيل عمليات واشنطن العسكرية بعد أحداث 11 سبتمبر، والتعامل مع قضايا الصين وتغير المناخ إضافة إلى مواجهة الوباء والهجرة والإرهاب.
خلاف ذلك، يري البعض بأن استمرار نيران العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر أمر سئ، لأنها أدت إلي إهدار الولايات المتحدة 8 تريليونات دولار، وإزهاق آلاف الأرواح. ولا ننسي أيضا عملياتها العسكرية في العراق وأفغانستان التي استمرت قرابة عقدين من الزمن وما ترتب عليها من خسائر.
وعلي صعيد آخر، أشار جاستين، كاتب المقال، إلي قضية بالغة الأهمية، ألا وهي ضعف قدرة الاستجابة لدى الناتو لحل قضايا مثل: الوباء أو مكافحة القرصنة. لأنه يفتقر القدرات والسلطة لحل تلك النوعية من القضايا. الناتو هو تحالف عسكري قديم الطراز، وبالتالي لن يستطيع التحالف التعامل بفاعلية مع مشكلات تزعزع استقرار بعض الدول مثل الهجرة أو انتشار المعلومات المضللة، لأنه لم يصمم في الأساس للتعامل مع تلك النوعية من المشاكل.
• • •
إذا أمعنا النظر إلى أصول نشأة الناتو كحلف عسكري يهدف إلى ردع العدوان السوفيتي، يجب أن نسأل أنفسنا: مع خروج السوفيت وإسقاط النازية، لماذا كافحت الولايات المتحدة بشدة لبقاء الحلف بعد الحرب الباردة؟ الجواب بسيط: الناتو هو، وكان دائمًا، وسيلة لبقاء الولايات المتحدة كلاعب أمني مهيمن في أوروبا. وبالتالي ظهرت نقاشات عديدة في الخمسينيات إزاء فكرة بقاء الناتو، إنما اليوم أثار البعض تساؤلات حيال غروب شمس الجدال حول هذا الموضوع في أمريكا.
وعلي هذا الصعيد، أشار تقرير مركز Rand Corp الذي استشهدت به ماكينيس، بأن قادة الولايات المتحدة تبنوا مفهوم الناتو على مضض فقط خوفًا من أن «حلفاء الولايات المتحدة كانوا أضعف من أن يحتووا الاتحاد السوفيتي بمفردهم». كما يلاحظ ذلك التقرير، أن الفرق العسكرية الأربع التي وافق الكونجرس على إرسالها إلى ألمانيا في عام 1950 "لم يكن من المفترض أن تبقى هناك إلى أجل غير مسمى؛ وبدلاً من ذلك، كان من المقرر سحب القوات الأمريكية عندما تعافت أوروبا الغربية بما يكفي لبناء سلاح الدرع" الخاص بها.
وبالفعل تعافت أوروبا الغربية بما فيه الكفاية لتستخدم سلاح الردع الخاص بها بعد أقل من عقد من الزمان.
بحلول عام 1959، أشارت مذكرة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور إلى أنه يأسف إزاء "محاولة الأوروبيون اعتبار هذا الانتشار العسكري الأمريكي التزامًا دائمًا ومحددًا"، مضيفا "نحن نتحمل عمليا الوزن الكامل لقوة الردع الاستراتيجية، ونقوم أيضًا بأنشطة فضائية، وبرامج ذرية. لقد دفعنا ثمن معظم البنية التحتية، ونحتفظ بقوات جوية وبحرية كبيرة بالإضافة إلى ستة فرق". واستكمل دوايت كلامه مشيرا إلي نهاية عصر المساعدات الأمريكية للقارة العجوز دون قيود.
ويتساءل الكاتب، هل تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تظل الراعي الرئيسي للأمن في أوروبا إلى الأبد؟ تشير التطورات الأخيرة في أوروبا، التي حفزها الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى أنها لا تفعل ذلك حاليا. لم تلغ برلين خط أنابيب نورد ستريم 2 (كان المحللون قلقين من أنه قد لا تفعل ذلك) فحسب، بل أنشأت أيضًا صندوقًا بقيمة 100 مليار يورو (107 مليار دولار) لتعزيز دفاعها والتزمت بعد ذلك بإنفاق 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وتعهدت بولندا والعديد من الدول الأخرى بزيادة الإنفاق.
ولكن أشار عالم السياسة باري بوزن في لجنة معهد كاتو الأمريكي، إلي ظهور علامات القلق لدى البعض حيال عدم تحقق تلك التعهدات. مما دفع الولايات المتحدة لإرسال قوات أمريكية إضافية إلى أوروبا لطمأنة حلفائها. الجانب السلبي لتلك الطمأنينة هو أنه عندما تطمئن بما فيه الكفاية، فمن المرجح أن يصدقك حلفاؤك وقد لا يتقدمون لفعل المزيد من أجل دفاعهم. يبدو من المرجح أن الأوروبيين، الواثقين من درع كابتن أمريكا، سيعودون إلى العمل كالمعتاد في أوروبا. في هذه الحالة، قدم الغزو الروسي لأوكرانيا علاجًا بالصدمة للأوروبيين لإعادة تقييم وضعهم الأمني. حيث أشار باري إلي أن استعادة الولايات المتحدة دورها كالحامي الرئيسي للقارة العجوز سيؤدي إلى استعادة شعور اللامبالاة والتواكل عند الأوروبيين.
في عام 2022، لم يكن حلفاء الولايات المتحدة أضعف من أن يحتووا روسيا بمفردهم. إنهم ببساطة يرفضون القيام بذلك من منطلق الاعتقاد الراسخ بأن الولايات المتحدة ستفعل ذلك من أجلهم، وبالتالي سيستفيد شعبهم من إنفاق أموال الضرائب الخاصة بهم على الأولويات المحلية.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على دورها كحجر الزاوية للأمن الأوروبي للأبد، بينما تتنافس مع التمدد الصيني. حيث أن قاعدة الإتكال التي تتبناها أوروبا تدمر تحالفات أمريكا في آسيا.
• • •
لا يزال المدح للمجتمع عبر الأطلسي رائجا في واشنطن لأنه يُنظر إليه على أنه حل زهيد لحل المشاكل ولكنه ليس كذلك. بدأت الموارد في التضاؤل، ميزانية الدفاع التي تضخمت بالفعل عند 847 مليار دولار، لن تتجه إلى تريليون دولار وما فوق في أي وقت قريب. إن الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على المشهد الأمني الأوروبي هو سلعة فاخرة لا تحتاجها الولايات المتحدة في عام 2022. خاضت الولايات المتحدة حربين لمنع ظهور هيمنة قوى معادية علي القارة العجوز في القرن العشرين. لا توجد هيمنة أوروبية محتملة في الأفق أو حتى في الوقت الحاضر.
لهذه الأسباب، من المحتمل أن يبدأ دعاة الناتو كحلف دائم في التفكير في الخطة ب، ألا وهي عدم الإعلان عن الحلف كعلاج لكل المشاكل. أوروبا غنية وقوية بما يكفي للدفاع عن نفسها. لكن الأوروبيين لن يفعلوا ذلك ما لم تتوقف الولايات المتحدة عن فعل ذلك من أجلهم.

ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر

النص الاصلي
 

التعليقات