امرأة.. قائدًا أعلى للقوات المسلحة الأمريكية - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

امرأة.. قائدًا أعلى للقوات المسلحة الأمريكية

نشر فى : الخميس 27 أكتوبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 27 أكتوبر 2016 - 9:30 م
تأخرت أمريكا عن الكثير من دول العالم فى إيصال امرأة لأهم منصب سياسى فى منظومة حكمها، وسبقتها عشرات الدول حيث قادت نساء دولهن فى مختلف قارات العالم، من مارجريت تاتشر فى بريطانيا، إلى أنديرا غاندى فى الهند، ومن بنازير بوتو فى باكستان إلى أنجيلا ميركل فى ألمانيا وعشرات غيرهن. إلا أن حالة وصول هيلارى كلينتون للمكتب البيضاوى تختلف عما سبقها لأسباب مختلفة. ويعد وصول كلينتون حدثا فريدا على أصعدة عدة تطغى على سوابق وصول نساء للحكم، ومن بين أهم تبعات وصولها لقمة منظومة الحكم الأمريكية تبوؤها المباشر لمنصب «القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية». وبسبب حجم وطبيعة القوات المسلحة وانتشارها، وبسبب أهمية ومكانة وخطورة الولايات المتحدة، يعد ترؤس امرأة لأقوى دولة وأقوى جيش فى العالم حدثا فريدا يستدعى النظر إليه.

***

الجيش الأمريكى هو الأقوى فى العالم بلا منازع، ولا يعنى هذا بالضرورة انتصاره فى كل الحروب التى يدخلها. ولأسباب لا تتعلق بقوته أو تجهيزاته لم ينتصر الجيش الأمريكى فى حروبه سواء فى فيتنام أو أفغانستان أو العراق. ميزانية الجيش الأمريكى هى الأكبر، وتقدر بنحو ثلث ميزانيات كل جيوش العالم مجتمعة، وتخطت ميزانيته 598 مليار دولار العام الماضى، وهو ما يزيد على مجموع نظيراتها فى الدول السبع التالية مجتمعة وهى (الصين، السعودية، روسيا، بريطانيا، الهند، فرنسا، اليابان). ويبلغ تعداد القوات الأمريكية ما يقرب من مليونين من العسكريين ما بين قوات نظامية وقوات احتياط. وتمثل نسبة النساء اليوم ما يقرب من 15% (ما يقرب من 300 ألف مقاتلة) فى كل التشكيلات العسكرية الأمريكية. ولأمريكا مئات القواعد العسكرية حول العالم، ولها مئات الآلاف من الجنود فى دول عدة. وخلال تاريخ أمريكا القصير شاركت وحدات نسائية متطوعة فى كل الحروب التى خاضتها منذ تأسيس الدولة فى نهاية القرن الثامن عشر. وبعد انتهاء حرب فيتنام عام 1973، انتهت الخدمة الإلزامية للرجال فى الجيش الأمريكى، وأصبحت كل القوات المسلحة الأمريكية تتشكل من المتطوعين سواء كانوا من الرجال أو النساء. وسُمح للسيدات بالوصول إلى أعلى الرتب وتتلقى نفس راتب الرجال، مع وجود استثناء واحد هو عدم مشاركتها فى عمليات قتال مباشرة. وقبل عام واحد، وفى ديسمبر الماضى، أقرت إدارة أوباما تشريعات جديدة اعتبرها البعض ثورية سمحت للمرأة بالمشاركة فى جميع الأدوار القتالية العسكرية بما فيها من قيادة الدبابات والمدرعات والطائرات وصولا لإسقاط وتجسس خلف خطوط العدو، وبهذا لم يعد هناك أى حظر أو حدود على المهام القتالية للنساء.

حال انتخاب الرئيسة هيلارى كلينتون ستكون بحكم منصبها قائدا أعلى للقوات المسلحة الأمريكية ويخولها ذلك سلطات عسكرية وتنفيذية مختلفة من أهمها اختيار وإقالة وزير للدفاع ذى خلفية مدنية، وتعيين رئيس عسكرى لقيادة هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، واختيار وزراء لقطاعات الجيش الأساسية (وزيرا للقوات البرية وآخر للبحرية، وهكذا). ومن القرارات الخطيرة التى قد تتخذها كلينتون ما يتعلق بالحروب ومشاركة القوات الأمريكية فى عمليات عسكرية بالخارج. وعلى الرغم مما نشهده خلال سباق الرئاسة من عرض وفضح ما قد يهز صورة كلينتون كرئيسة، وهى فضائح ممتدة لم تبدأ مع طريقة إدارتها لأزمة بنغازى والتى راح ضحيتها السفير الأمريكى فى ليبيا وآخرون، ولن تنتهى مع طريقة تعاملها السيئ مع بريدها الإلكترونى أثناء خدمتها كوزيرة للخارجية فى فترة حكم أوباما الأولى، مرورا بفضائح وفساد يتعلق بمؤسسة كلينتون وعلاقاتها بجماعات مصالح وول ستريت. إلا أن ذلك كله لن يؤثر على خضوع الجميع لسلطتها حالة انتخابها رئيسة قادمة للبلاد.

***

قد يطرح البعض سؤالا مفاده، هل ينزعج كبار العسكريين الأمريكيين من كون قائدهم الأعلى امرأة؟ وليس هذا فقط، بل امرأة تحاط بها فضائح سياسية وتهم بالإهمال والفساد؟... الإجابة هى لا... كل الضباط ملتزمون بطاعة أوامر وقرارات هيلارى كلينتون بما فيها تلك المتعلقة بالحرب والهجمات العسكرية أو غيرها. لا ينتظر أن تكون القائدة كلينتون أقل خشونة أو أكثر نعومة ممن سبقوها من قادة رجال على رأس القوات المسلحة الأمريكية. ويدلل التاريخ القريب أن النساء يأخذن بلادهن لحروب مثلهن مثل الحكام الرجال. رئيسة الوزراء الهندية السابقة أنديرا غاندى حين أمرت الجيش الهندى بدعم استقلال بنجلاديش عن باكستان عسكريا، ومارجريت تاتشر أمرت بغزو جزر فوكلاند والحرب مع الأرجنتين، وقادت جولدا مائير إسرائيل أثناء حرب أكتوبر. ولن يخضع وينصاع العسكريون لكلينتون نظرا لقوتها وشخصيتها وتاريخها، بل سيخضعون لها لأنها الرئيس المنتخب.

ومن الجدير بالذكر أن وزارة الدفاع لا تعبر عن تفضيلها لمرشح على آخر، وسيخضع البنتاجون للرئيسة كلينتون أو للرئيس ترامب (إذا ما فاز.. وهو أمر مستبعد). يشارك العسكريون الأمريكيون فى الانتخابات ويدلون بأصواتهم بحرية تماما كأى مواطن آخر، ويمكن لهم كذلك العمل بالسياسة والسعى للوصول لأى منصب سياسى فقط بعد الاستقالة من وظيفتهم العسكرية أو بعد التقاعد من الخدمة العسكرية.

***

فى الأعراف الديمقراطية الأمريكية، وغير الأمريكية، تخضع وزارة الدفاع للقرارات الصادر من القيادة السياسية المنتخبة، وتخضع كذلك لإمرة الرئيس والكونجرس طبقا لما حدده الدستور من فصل واضح للسلطات. ويعكس خضوع البنتاجون للرئيسة هيلارى كلينتون أو لغيرها جوهر العلاقات المدنية العسكرية فى أمريكا حيث يؤدى العسكريون القسم للحفاظ على حدود الدولة وصيانة دستورها. وفى القضايا المتعلقة بعمليات عسكرية محدود كانت أو واسعة، سيقوم كبار العسكريين الأمريكيين بتقديم نصائحهم إلى الرئيسة كلينتون.. ثم ينفذون ما تتخذه من قرارات. وكما ستملك الرئيسة كلينتون السلطة، ستمتلك أيضا المسئولية المباشرة لقرارها، وسيترك الحساب للشعب الأمريكى فى الانتخابات بعد القادمة عام 2020.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات