دعت نقابة الأطباء لجمعية عمومية طارئة فى الثالث من شهر يناير الغرض منها إعلان جموع الأطباء فى مصر رفضهم لمشروع قانون المساءلة الطبية وحماية المريض الذى تضمن بندا يقضى بحبس الطبيب فى القضايا المهنية احتياطيا لحين صدور قرار اللجنة العليا إما ببراءته أو إدانته التى قد تصل عقوبتها إلى السجن فى حالة الإهمال الجسيم أو الخطأ المقصود.
إذا انسحبت كل الصور من ذاكرتى المهنية يظل المشهد الكارثى لحجرة القسطرة فى معهد القلب القومى وقد تم تدميرها بالكامل من قبل أهل مريض نقل إلى المعهد فى حالة متردية تماما يعانى من جلطة بالشرايين التاجية وهو تحت تأثير خليط من المخدرات وقد كان مدمنا بشهادة من حملوه إلى الاستقبال من أهله. أسرع إليه الطبيب المناوب لإسعافه رغم كل الظواهر التى كانت تشير إلى أنه ملاق حتفه دون شك وبدأ فى إجراء قسطرة قلبية لكن يد الله كانت أسبق.
رغم كل ما أحاط المشهد من وضوح رؤية لأهل المريض ومرافقيهم الذين اقتحموا حجرة القسطرة فى لحظات ليحيلوها إلى ساحة معركة مع الأجهزة فيها حتى إن زوجة المريض الحامل فى شهرها التاسع انتزعت «المونيتور» من مكانه لتقذف به فى عنف ليتناثر قطعا معدنية فى الأنحاء.
لست من أنصار المؤامرة ولا دعاة الفتنة على الإطلاق لكنى كزملائى جميعهم كنا ننتظر هذا القانون لينظم العلاقة بين طرفى المعادلة الأهم والتى ترتبط ارتباطا وثيقا مباشرا بالسلام الاجتماعى أكثر القيم الإنسانية أهمية للإنسان فى وطنه.
أقر مجلس الشيوخ مشروع القانون يأتى الدور الآن على مجلس النواب الذى سيبدأ مناقشته فهل ينصف نواب الشعب مقدمى الخدمة الطبية لا أقول على الإطلاق فى مواجهة المرضى أو متلقى الخدمة فالواقع أنهما معا فى جانب واحد على أرض واقع واحد فى وطن واحد.
أتمنى لو تريثنا قبل أن يتحول المشروع لقانون نافذ فأجدنا التحضير للمناقشات واستعرضنا تجارب العالم المماثلة التى تطبق قوانينها فى سهولة ويسر وعدالة ناجزة تمنح الحق كاملا لأصحابه ولا تعطى أى فرصة للخطأ فى الحكم ولا تزج طبيبا فى السجن لأنه أدى واجبه كاملا فى حدود ما تيسر له من إمكانات فى مستشفاه أو تدريب تلقاه!
مناقشة مشروع القرار ليأخذ الصورة التنفيذية كقانون تحتاج إلى تحضير أكثر شمولية أدق فى المعلومات يلزم المؤسسات الطبية بالكثير من الشروط الواجب توافرها لحماية الطبيب والمريض معا من أخطاء ممارسة المهنة الواردة فى كل كتب الطب ومن أخطار المضاعفات التى قد تنشأ لاحقا بعد أى تدخل طبى أو جراحى ولا دخل لمهارة الطبيب بها.
قبل أن يصدر القانون ملزما للجميع يجب مراجعة سياق المنظومة الطبية بالكامل:
- التأسيس لنظام تأمين ضد أخطار وأخطاء المهنة أسوة بما يحدث فى كل بلاد العالم ونظمها الصحية.
- إعادة النظر فى برامج إعداد وتأهيل شباب الأطباء للعمل فى مراكز متخصصة والاهتمام بوظيفة طبيب الأسرة الذى يجب أن يلجأ إليه المرضى فى الأمور العامة والذى يتولى تحويل المريض للإخصائى.
- إعادة النظر فى كل الورقيات التى تسجل حالة المريض وما يتعلق بتاريخه المرضى ومعاناته من أى حساسية للأزمة واعتمادها بصورة رسمية من هيئة طبية متخصصة والتأكيد على ضرورة وجودها فى سجلات مرضى كل المستشفيات.
- تكليف كليات الحقوق بالاهتمام بمراجعة كل ما يختص بالعلاقة بين مؤسسات الخدمة الصحية ومتلقى الخدمة وتكليف محامين مؤهلين للدراسة والتخصص يمكن اللجؤء إليهم عن طريق نقابة المحامين.
الأمر بلا شك يحتاج إلى المزيد من الدراسات والتأنى قبل إصدار قانون.. الدعوة مفتوحة لعقلاء هذه الأمة.. احذروا نذر الفتنة.. كان الله معنا جميعا.. ولنا فى عبور هذا المضيق سالمين بإذنه.