رفعت عينى للسما.. رحلة الفيلم التى تبدأ الآن - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 1:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رفعت عينى للسما.. رحلة الفيلم التى تبدأ الآن

نشر فى : الثلاثاء 28 مايو 2024 - 8:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 مايو 2024 - 8:15 م

بعد ساعات من فوز فيلم (رفعت عينى للسما) بجائزة العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقى فى مهرجان كان السينمائى أتيحت لى فرصة الحوار مع أيمن الأمير وندى رياض صانعى الفيلم، واكتشفتُ خلال الحوار قدرَ ما يتمتعان به من حساسية ووعى، بما يؤكد أن لا شىء يأتى بالصدفة وأدركت أن صناعة فيلم بالمواصفات التى تغرى لجنة تحكيم فى (كان) مسألة تحتاج إلى صبر وإتقان نادرين.
لم يتحدث مخرجا العمل عن عبقرية الفيلم ولا عن عملهما الاستثنائى الفذ وإنما تركا المساحة الرئيسية فى الحوار للتأكيد على جملة من الأمور، أولها اعتزازهما بالعمل مع فرقة بنات البرشا المسرحية التى كانت تقدم عروضها بجرأة وحرية تعبير وتطرح الأفكار النسوية بجدية، وتستطيع كذلك أن تجد الحلول الدرامية التى تمكنها من تحقيق مكاسب اجتماعية،
وتأمل الأمير ورياض طوال خمس سنوات عمل فرقة البرشا وانتميا تماما لكيانها، وأصبحا على معرفة تامة بشبكة العلاقات الاجتماعية داخل القرية، وأصبحا ضمن هذا النسيج الاجتماعى الفريد، لذلك لم يقدما الفيلم بعين استشراقية تتأمل العالم من الخارج دون النفاذ إلى العمق.
الأمر الثانى يتعلق بإيمانهما بأن الفائدة الرئيسية من فوز الفيلم بجائزة (مهرجان كان) ترتبط بمدى قدرته فى المستقبل على تسليط الضوء على نشاط الفرق الفنية المستقلة فى الصعيد؛ حيث صعوبات العمل فى بيئة تعانى من كل صور التهميش، كذلك تم التأكيد على  الخصوبة الإبداعية لتراث الحياة اليومية هناك سواء تمثل فى التراث المادى واللا مادى، فجانب كبير من حيوية العمل داخل الفيلم ارتبط برهان فرقة بنات البرشا الذكى على فاعلية الحكايات الشعبية والأغانى الفلكلورية ودورها فى جذب الجمهور وليس الصدام معه.   
تأكد لى خلال الحوار أهمية الجهود التى تبذلها جمعيات ثقافية وتنموية مستقلة عملت فى المنيا قبل أكثر من ربع قرن، وقد أثمرت تلك الجهود أخيرا ولم تذهب هباء، وعلى الرغم من استمرار النزاعات الطائفية وتنامى خطابها لأسباب لا تخفى على أحد، إلا أن أمورا كثيرة تمضى إلى الأفضل. 
أتذكر كيف سافرت قبل سنوات طويلة إلى ملوى بصحبة فرقة الورشة المسرحية ومخرجها الصديق حسن الجريتلى لمتابعة عمل الفرقة هناك، وكيف أبهرتنى التجربة التى مكنتنى من متابعة كورال جمعية الصعيد للتنمية والانتباه إلى قيمه الفنية الرائعة والتى تستحق أن تبعث من جديد.
والشىء المؤكد أن الطفرة الإبداعية التى تزامنت مع ثورة يناير 2011  هى التى  حفزت فرقة بانوراما بنات البرشا على العمل بصبر ومواجهة كل أشكال التصلب الاجتماعى وساعدت أخيرا فى وصول مشروع الفرقة التى أسستها يوستينا سمير إلى (كان) وقبل ذلك مواجهة مجتمع كامل يعانى من ضيق الأفق.
سمع الناس للمرة الأولى عن البرشا بعد أن نجحت أم ماريو العضو فى الفرقة فى لعب بطولة فيلم (ريش) لعمر الزهيرى والذى أثار ضجة كبيرة ونجحت أم ماريو فى لفتت نظر الجميع بالأداء المتفرد والصادق لكن لم يغامر أحد بمتابعة نشاط الفرقة أو التفكير فى البيئة الاجتماعية التى تعمل داخلها وهى بيئة مغلقة.
قال لى أيمن الأمير إن الفيلم يطرح كذلك أسئلة مهمة منها: ما الذى نقصده ونحن نعرف الفن؟ وهل يحتاج الفن إلى فنانين على قدر من الاحتراف لكى تصل رسالته؟ فالفن كما تعلمناه مع سيدات وفتيات البرشا ليس ابنا للرفاهية لكنه استجابة لتحديات يفرضها الواقع البائس وإذا كان البعض يشكك فى مدى استحقاق هؤلاء لصفة فنان فأنا بدورى أسأل: إذا لم يستحق هؤلاء هذا الوصف فمن يمكن وصفه بهذا اللقب؟! 
المؤكد أن نجاح الفيلم قد يساهم أيضا فى فتح ملفات السينما المستقلة فى مصر وتناول مشكلاتها التى تفاقمت بعد إلغاء الدعم الذى كانت تقدمه وزارة الثقافة وتعثر المنح الإنتاجية التى كانت مخصصة لهذا الغرض قبل عدة سنوات، والشىء المؤكد أن هيئات كثيرة ستقفز فوق نجاح الفيلم وتعتبر فوزه فى (كان) دليل على كفاءة عملها، وهى كذبة كبيرة ينبغى التنبيه إلى مخاطرها من الآن، فالقاصى والدانى على علم بالشروط المتعسفة التى يعمل فى ظلها صناع هذه الأفلام المتهمة تاريخيا بكل صور الأساءة، كما نعلم أيضا أن هناك محاولات مستمرة لكسر فكرة الاستقلالية وتشويه معانيها.
لذلك فإن المطلب الرئيس الذى ينبغى التركيز عليه هو ضرورة عرض الفيلم فى دور السينما لكى يراه الناس فكل مشهد داخله هو مجال لطرح الأسئلة، وبالتالى فإن رحلته تبدأ الآن.