كتب الخبير الاقتصادى محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة أليانز وعضو لجنتها التنفيذية الدولية. ورئيس مجلس الرئيس باراك أوباما للتنمية العالمية، مقالا نشر بجريدة الجارديان البريطانية ، يتحدث فيه عن تحقيق المكسيك لمراكز مالية آمنة وقوية، وقيامها بترتيب أوضاعها المالية، وفتح اقتصادها على العالم تحت رئاسة انريكى بينيا نييتو.
استهل العريان المقال بالإشارة الى انه بعد أقل من عامين تحت رئاسة بينيا نييتو، تقوم المكسيك بتنفيذ حزمة طموحة للإصلاح الهيكلى، تهدف إلى رفع اقتصادها للخروج من فخ معدل النمو المنخفض لعشرات السنوات، وخلق فرص جديدة لمواطنيها. وتشمل الإصلاحات إعادة هيكلة قطاعات اقتصادية كان لا يمكن المساس بها لأسباب سياسية، وتدعمها تعديلات دستورية وأجندة تشريعية جريئة.
ولا شك أنه بفضل «ميثاق المكسيك»، يحظى جانب كبير من هذه الأجندة بدعم ليس فقط من جانب حكومة بينيا نييتو ولكن أيضا من حزبى المعارضة الرئيسيين. وسيتم اختبار هذا الترتيب الفريد قريبا مع بدء ظهور تأثير الإصلاحات، وقد يكون للنتائج عواقب مهمة ودائمة على الجهود الرامية إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية فى أماكن أخرى حول العالم.
ويرى العريان أن بدء مثل هذه الإصلاحات لن يكون سهلا أبدا وعادة ما يكون إكمالها صعبا. ولكن السياسيين يدعون إليها عندما يكونون فى المعارضة، ولكن نادرا ما يتبنونها ويحافظون عليها عندما يصبحون فى الحكم؛ لسبب بسيط: أن الإصلاحات الهيكلية محفوفة بالمخاطر سياسيا.
وأضاف العريان، غالبا ما تجد الحكومات التى تشرع فى الإصلاح الهيكلى، أنه من المحبط انتظار تشكيل «الكتلة الحرجة» من القطاعات التى تم تنشيطها؛ ويجد الاقتصاديون أنه من الصعب جدا التنبؤ بتوقيت بدء ارتفاع معدل النمو الذى سيلى ذلك، وحجمه. ومما يزى الأمور تعقيدا، حتمية التطورات غير المتوقعة، سواء كانت محلية أو خارجية الأصل، وهو ما يعنى ضرورة إجراء تصحيح مسار فى كثير من الأحيان.
ونتيجة لذلك، لا يوجد سوى عدد قليل من الأمثلة التاريخية الجيدة ــ بما فى ذلك الصين وبولندا وكوريا الجنوبية ــ ذات الإصلاحات الهيكلية الناجحة. ويتجاهل الكثيرون البلدان التى تنجح بصورة خاصة أو فريدة من نوعها ــ وبالتالى لا تمثل قيمة تذكر كنموذج تحتذيه البلدان الأخرى. وعلى هذه الخلفية، من المثير مراقبة ما يجرى فى المكسيك. ويمكن وينبغى أن يكون للتساؤلات عن جهود الإصلاح الهيكلى الطموحة فى البلاد (لماذا، وكيف، وماذا ) تأثيرات هامة موحية فى جميع أنحاء العالم.
•••
وأوضح العريان أن المسئولين المكسيكيين كانوا أول من أشاروا إلى الضعف النسبى فى الأداء الاقتصادى لبلادهم على مدى السنوات الـ 33 الماضية. حيث بلغ متوسط النمو السنوى 2.4٪ فقط، بما يقل كثيرا عن المطلوب والممكن بالنسبة لبلد يمتلك مثل هذه الثروات الطبيعية والبشرية الهائلة، وموقعا متميزا على ملاصقا لأمريكا، واحتمالات كبيرة للحاق بالركب. وعلاوة على ذلك، يقل سجل النمو فى المكسيك كثيرا عنه فى بعض البلدان الأخرى التى بدأت من مستوى أقل بكثير، وتجاوزتها حتى الآن (واقتصادات أمريكا اللاتينية الأخرى).
ويرى أنه يمكن بسهولة أن يتفادى صناع القرار تحمل مسؤولية الأداء المكسيكى، عبر التستر وراء العديد من الأزمات فى الأسواق الناشئة، و»العقد الضائع» فى أمريكا اللاتينية، وتأثير الأزمة المالية العالمية فى 2008 و«الركود الكبير» الذى تلاها. ولكن المسؤولين فى المكسيك لا يبحثون عن أعذار. وبدلا من ذلك، يبرزون المؤشرات المحلية التى تظهر ضعف الإنتاجية والقدرة التنافسية، سواء على مر الزمن، أو بالنسبة إلى بلدان أخرى. وأشاروا أيضا إلى أن الإنجازات الرائعة فى المكسيك من حيث استقرار الاقتصاد الكلى، غير أنها لم تكن كافية لإطلاق العنان لإمكانات النمو فى البلاد.
•••
ويقول العريان، صحيح أن المكسيك حققت مراكز مالية آمنة محلية وأجنبية، وقامت بترتيب أوضاعها المالية، وفتحت اقتصادها على العالم، وأبرمت العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، بقيادة اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. ولكن الآن، حان الوقت للبناء على هذا التقدم من خلال إصلاح خمسة قطاعات كبيرة ومؤثرة، فى وقت واحد: التعليم، والطاقة، والتمويل، والاتصالات، والعمل. وعملت حكومة بينيا نيتو بجدية ونجاح ــ فى الأشهر الأخيرة لاعتماد التعديلات الدستورية اللازمة وسن التشريعات الأولية. وظلت ثلاثة على الأقل من هذه المجالات ــ التعليم، والطاقة، وسوق العمل ــ لفترة طويلة لا يمكن المساس بها يقرب من ذلك.
ويشير العريان الى تجربته الخاصة فى المكسيك فى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، عندما كان ضمن فريق صندوق النقد الدولى للعمل مع المسؤولين هناك فى المساعدة على تعافى البلاد من أزمة الديون فى أمريكا اللاتينية. وكان أى ذكر للإصلاحات فى مجال الطاقة، يواجه بالرفض فورا، بما فى ذلك الإشارة إلى السيادة الوطنية وسبل حماية الدستور.
•••
ويستطرد العريان قائلا، اليوم تسعى المكسيك إلى جذب المستثمرين الأجانب، لمدة طويل؛ من أجل دعم جهود إصلاح طموحة وشاملة، مع المشاركة الأجنبية ذات الأهمية خاصة لاستثمارات البنية التحتية فى شبكات الاتصالات والطرق التى تحصل رسوم عل المرور فيها، وخطوط أنابيب الغاز، وقطاع البترول فى آخر الطريق. ويرتكز كل هذا على تفويض سياسى واضح، فضلا عن التزام شخصى من بينيا نييتو بالتغلب على ثلاثة عقود من عدم كفاية النمو وعجز الإنتاجية. ونظرا لاحتمال ظهور رد فعل سياسى محلى، والتعقيدات الكامنة فى تنفيذ حزمة الإصلاح متعددة الأبعاد، والرياح المعاكسة الدورية التى ينطوى عليها النمو الذى لا يزال بطيئا فى الولايات المتحدة (التى تشكل ما يقارب 80٪ من الصادرات)، سوف تحتاج المكسيك إلى كل من المرتكزين إذا كانت تريد المحافظة على زخم الإصلاح. ولحسن الحظ، لدى الحكومة سياسة مواجهة التقلبات الدورية، واستجابت بالفعل بتقديم سياسات مالية ونقدية أكثر ملاءمة.
•••
ويختتم العريان مقاله بقوله «أن المكسيك لديها فرصة جيدة لتحقيق جدول الأعمال الحافل للإصلاح الهيكلى. وسوف يؤدى ذلك إلى تقديم مثال مهم لبقية العالم عن كيفية تصميم هذه البرامج وتنفيذها على المدى الطويل، وبالتالى تمكين كتلة حرجة من القطاعات القوية ــ وبالتالى تحقيق النمو بشكل أسرع والمزيد من الازدهار ــ وذلك تحقيق التطلعات المشروعة للمواطنين».