الحديد والصلب المصرية.. مشهد النهاية 3 - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 1:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحديد والصلب المصرية.. مشهد النهاية 3

نشر فى : الإثنين 28 يونيو 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 28 يونيو 2021 - 7:35 م
فى هذا المقال نستعرض أبرز ملامح مسار تطوير وتحديث المرافق وخطوط الإنتاج، والتى مرت قبل العام 2018 بعدد من المحطات. ففى العام 2014 قامت شركة الحديد والصلب المصرية بتكليف شركة تاتا ستيل الإنجليزية بإعداد دراسة للمساعدة فى وضع خطة لإعادة تأهيل مصنع الحديد والصلب بالتبّين، وكان هدف الدراسة هو: «تحديد متطلبات زيادة الإنتاج السنوى من المستويات المنخفضة التى تقل عن 300 ألف طن سنويًا من المنتج النهائى، إلى القدرة التصميمية الأصلية البالغة 1,2 مليون طن سنويا». وقد أسفرت الدراسة عن عدد من سيناريوهات التطوير بتكاليف استثمارية (رؤى حينها) أنها تزيد عن التكلفة التقديرية المتوقعة. ومن ثم تم اللجوء فى مطلع عام 2017 إلى شركة MCI لعمل دراسة جدوى فنية/مالية تأسست فى كثير من جوانبها على عناصر التطوير التى أوصت بها شركة تاتا، والتى نشأت بدورها على حالة المرافق والخطوط التى رصدتها فى تقريرها المقدّم فى يوليو من عام 2014.
بناء على دراسة شركة MCI المقدّمة فى نهاية 2017 والتى اشتملت على شقّين: أحدهما يتصل بتأهيل المصنع القائم، والآخر يقضى بإنشاء مصنع جديد بتكنولوجيا القوص الكهربائى، تم الدعوة إلى المناقصة رقم 16607 لسنة 2017 بتاريخ 21ــ23 أبريل 2017 بغرض تأهيل وتطوير شركة الحديد والصلب المصرية، وبتكلفة تقديرية إجمالية قدرها 330 مليون جم (130 مليونا لتأهيل المصنع القائم و200 مليون لإنشاء مصنع جديد لحديد التسليح).
***
طال أمد المناقصة ولم تتحدد مصادر تمويلها وضماناته ــ خاصة مع تردّى الوضع المالى للشركة، ثم تأجلت بناءً على توجيهات وزير قطاع الأعمال السابق لمدة ثلاثة أشهر بغرض مزيد من الدراسة لإعادة تقييم حجم الأعمال المطلوبة. وبتكليف من وزير قطاع الأعمال السابق عهد إلى شركة تاتا ستيل مرة أخرى بتحديث الدراسة التى أجرتها عام 2014 حتى يتم حسم القرار بخصوص حجم وطبيعة تطوير شركة الحديد والصلب المصرية بصفة عامة، وبخصوص أعمال المناقصة (قيد البت) بصفة خاصة، وذلك فى مطلع عام 2018. بنهاية يوليو 2018 أصدرت شركة تاتا تقريرا أوليا قوامه 268 صفحة أسفر عن عدد من الملاحظات والنتائج أهمها:
* ظهور واقع جديد للشركة مختلف عن نظيره فى عام 2014 على أثر التوقفات المستمرة للإنتاج، التى أثّرت سلبا على حالة الماكينات والأفران، فضلا عن ظهور سياق عالمى جديد فقدت فيه شركة الحديد والصلب أهم مزاياها النسبية المتمثلة فى حصولها على خام الحديد بتكلفة منخفضة من مناجمها فى الواحات البحرية، خاصة مع تراجع أسعار الخام عالميا وتدهور تركيز أكسيد الحديد فى مناجم الشركة.
* أبرز أسباب التوقفات هى نقص إمدادات الكوك وتقادم التكنولوجيا والمعدات عن مستوياتها فى 2014 بشكل ملحوظ، مما انعكس على زيادة استهلاكات المدخلات والطاقة وزيادة التكاليف ونقص الإنتاج بشكل كبير.
* تدهور مواصفات أكسيد الحديد (الخام) مما يزيد من الفاقد والهدر ويزيد من استهلاك المواد الأولية والطاقة والأكسجين ويؤدى إلى تراكم الخردة عوضا عن الإنتاج تام الصنع.
* التشغيل غير الاقتصادى للشركة فى ظل التحديات السابقة فضلا عمّا هو معلوم من انخفاض إنتاجية العامل مع زيادة حجم العمالة ونقص العمالة المدرّبة والماهرة، وتفاقم المديونيات وتجاوز مجمّع الخسائر لما يقرب من ضعف رأس المالى السوقى للشركة، يعزز من توقّع وصول الإنتاج إلى الصفر بحلول عام 2020 إذا استمر تدهور الأوضاع.
وقد وضعت الشركة الإنجليزية خطة من ثلاث مراحل تبدأ بمرحلة تسمى الاستقرار المبدئى initial stabilization تقوم على الإجراءات التالية:
• التشغيل بالحد الأدنى من التكاليف التشغيلية، وبدون ضخ أى استثمارات جديدة لفترة زمنية تتراوح بين 3 و 4 أشهر، ما يعنى تأجيل أو إلغاء المناقصة القائمة حينها فى أقرب وقت.
• الاعتماد فى إمدادات الكوك على الشحنة المتعاقد عليها بالفعل والمسدد ثمنها والتى تصل بنهاية أغسطس 2018 بقيمة 12 مليون دولار مع استكمال احتياجات الشركة من الكوك من شركة النصر للكوك (الجارى تطوير إحدى بطارياتها).
• الاكتفاء بتشغيل فرنى 3 و4 لإنتاج ما يصل إلى 420 ألف طن سنويا من المسطحات والمربعات، مع تشغيل غلايتين جارٍ الانتهاء من إحداهما فى نهاية شهر أغسطس.
• التخلص من جميع خطوط الإنتاج غير الاقتصادية، عبر وقفها وتخريدها وبيعها.
• الاستفادة من محفظة الأراضى غير المستغلة المسجّلة باسم الشركة لتمويل رأس مال عامل والمساعدة فى سداد المديونيات وتأهيل العمالة.
• الاستفادة من رصيد الخردة المتراكمة للمساعدة أيضا فى استمرار التشغيل مع توفير إمدادات الكوك، وسداد مديونيات الكهرباء والغاز الجارى تقليص استهلاكاتها الدورية إلى أدنى مستوياتها (تم بالفعل تخفيض الفاتورة الشهرية للغاز من 65 مليون جنيه إلى نحو 25 مليون).
• العمل على زيادة تركيز أكسيد الحديد فى الخامات المستخرجة من المناجم عبر تكنولوجيات مختلفة ومنها التركيز الجاف بالفصل المغناطيسى.
وفقا لتقديرات شركة تاتا فإن تلك الإجراءات تقلّص الخسائر السنوية إلى 24 مليون دولار، وتجدر الإشارة إلى أن التكلفة الرأسمالية (لمرحلة ما بعد الاستقرار فى الإنتاج) وهى 523 مليون دولار، تكفى بالكاد لتحقيق صافى إيرادات بيعية لا تزيد على 37 مليون دولار سنويا. لكن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بنجاح مرحلة الاستقرار المبدئى فى الإنتاج، والتى حشدت لها الشركة القابضة كل الإمكانيات: من رأسمال عامل، وشحنات إضافية مستوردة من فحم الكوك، مع الوضع فى الاعتبار أن فرن 4 وحده القادر على العمل فى مرحلة الاستقرار نظرا لعدم قدرة المحوّلات المتاحة على تشغيل فرنين، وتم الاتفاق مع فريق تاتا ستيل على ذلك.
***
تضاربت المعلومات حول احتياجات الشركة من الفحم للتشغيل بالطاقة القصوى، حيث كان من المخطط توفير 800 طن كوك خشن يوميا (كان من الممكن تدبيرها من شركة النصر للكوك فقط) واتضح لاحقا أن المطلوب يقترب من 1100 طن/يوم! خاصة مع تأخر موعد التشغيل أكثر من مرة وتزايد إهدار الفحم فى التوقفات وتراجع الناتج من الزهر. كانت المتابعة لظروف التشغيل (منى شخصيا) تتم بصورة عبر يومية اعتبارا من منتصف نوفمبر 2018 سواء المتعلقة بالسيولة، أو بوفرة فحم الكوك أو استيراد شحنات إضافية ومعالجة عيوب مناقصات الاستيراد فنيا وبيئيا، أو تشغيل الغلاية مع استخدام غلاية 3 و2 احتياطيا، ومع ذلك لم يعمل الفرن رقم 4 والغلاية (المحول رقم 1) بدون توقفات وفقا للتقرير الذى أعده رئيس قطاع إنتاج الحديد.
أسفرت المتابعة لمسار التشغيل عن الوقوف بدقة على عدد كبير من تحديات العمل بشركة الحديد والصلب، والتى لا تقتصر على التحديات الفنية وإنما تمتد لتشمل العنصر البشرى بصورة كشفت عن ندرة فى المعلومات الدقيقة، وتضارب ما هو متاح من بيانات وتقارير موثقة وموقّعة من بعض المسئولين، الأمر الذى استلزم تدخّل الشركة القابضة بتغيير فى الإدارة العليا للشركة.
خلال الفترة من 15 نوفمبر وحتى 10 ديسمبر 2018 بلغ إجمالى ساعات التوقف حوالى 117 ساعة أى ما يقرب من 20% من فترة التشغيل، علما بأن المعدل العالمى للتوقف السنوى بلغ 4%. كما بلغ معدل استهلاك فحم الكوك مستوى قياسيا (608 كجم للطن من الزهر) وهو ما يهدر ملايين الدولارات سواءً المنفقة على استيراد الفحم أو فى صورة فرصة بديلة لتصديره من خلال شركة الكوك والتى سددت لها الشركة القابضة 4 ملايين دولار تحت حساب استيراد شحنة فحم حجرى، حتى تتمكن من وضع كامل إنتاجها من الكوك الخشن رهن تصرف شركة الحديد والصلب، وباتفاق ثنائى للتسوية الأسبوعية المنتظمة للتعاملات تحت رعاية القابضة، دون جدوى اقتصادية للتشغيل كما أفاد تقرير رئيس الشركة وتقرير رئيس قطاع الإنتاج المرفقين. ثم أضاف رئيس مجلس إدارة شركة الحديد والصلب المصرية فى تقريره إلى الشكوك الفنية فى جدوى التشغيل شكوكا تشغيلية وعوامل بشرية تطعن فى قدرة الشركة على وضع حلول جذرية لأزماتها تحت الظروف الراهنة.
وبناءً على تجارب التشغيل، أفادت شركة تاتا بأنها لن تستطيع الوقوف على حالة المصنع لتحديد احتياجات التطوير، وكان لابد من توفير بدائل للحركة خارج نطاق المحددات السابقة، والتشغيل الاقتصادى للشركة بشراكة جادة رأيت أن تأخذ شكل اتفاقية تحديث وإدارة مموّلة عبر البيع المسبق للمنتج النهائى preــpaid funding offــtaking revamping and management agreement استنادا إلى عدد من الدراسات والمقابلات.
كانت الدعوة للمشاركة قاصرة على الشركات المتقدمة فى المناقصة الملغاة، وتضمنت عددا من الشروط وضعتها الوزارة واستقبلتها الشركات فى الاجتماع التمهيدى بشىء من القبول (باستثناء الشركة الأوكرانية صاحبة العرض الأحدث للتطوير) لكن لم يتقدم بأوراقه سوى شركة واحدة (روسية) ورأت لجنة البت أنها لم تستوفِ شروط المشاركة الموضوعة. عندئذ تشكّلت بطلب من السيد الوزير لجنة عليا لدراسة الموقف برئاسة السيد المهندس شريف اسماعيل... وللحديث بقية.
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات