معضلة الجنسية بالميلاد والانتخابات الأمريكية - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معضلة الجنسية بالميلاد والانتخابات الأمريكية

نشر فى : الجمعة 29 مايو 2015 - 9:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 29 مايو 2015 - 9:20 ص

تتعالى أصوات فى أنحاء عدة من الولايات المتحدة مطالبة بإلغاء التعديل الدستورى رقم 14، والذى يقضى بمنح الجنسية الأمريكية تلقائيا لأى طفل يولد داخل الحدود الأمريكية.

وطبقا للدستور الأمريكى، من حق أى طفل يولد على الأراضى الأمريكية أن يحصل على الجنسية الأمريكية بغض النظر عن جنسية والديه باستثناء حالة أعضاء البعثات الدبلوماسية الأجنبية.

ويثير هذا الحق (الحصول على الجنسية بالميلاد) تباينا وجدلا بين الأمريكيين، حيث يجوز من خلال هذا الحق أن يحصل ابن أو ابنة لأسرة مقيمة بصورة غير شرعية فى الولايات المتحدة على الجنسية، فى الوقت الذى لا يستطيع الوالدان الحصول على أى أوراق أو وثائق حكومية مثل رخصة القيادة أو بطاقة هوية. لكن الطفل فى هذه الحالة يحصل على شهادة ميلاد رسمية من الحكومة الأمريكية، ويستطيع أن يستخرج أهله له جواز سفر أمريكى، ويحق لهذا الطفل بعد بلوغه السن القانونية (18 عاما) أن يطلب حق الإقامة ومن بعده التجنس (بعد مرور 3ــ5 سنوات) لوالديه وإخوته.

وينطبق نفس السيناريو على زوار الولايات المتحدة من السائحين أو الطلاب، وتزايدت خلال السنوات القليلة الماضية أعداد القادمين من أغنياء دول العالم الثالث لولادة أبنائهم فى الأراضى الأمريكى، دون أن تكون هناك أى رابطة حقيقية تربطهم بأمريكا. ومن ثم يتزايد عدد الأمريكيين ممن ليس لهم علاقة طبيعية مع وطنهم، رغم تمتعهم بكل الحقوق، دون قيامهم بأى واجبات وبدون دفع أى ضرائب.

ووعد السيناتور الجمهورى من ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسى جراهام، بتقديم«مشروع قرار لتعديل الدستور الأمريكى بما يغير المادة رقم 14»، وذلك رغم علمه بالصعوبة الشديدة التى يواجهها مثل هذا المقترح. وأشار زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب الأمريكى جون بوينر من ولاية أوهايو إلى أن مثل هذا الاقتراح «يستحق أخذه فى الحسبان».

ويرجع تاريخ حق منح من يولد على الأراضى الأمريكية الجنسية حتى وإن ولد لأبوين لا يحملان الجنسية الأمريكية إلى عام 1898 بقرار من المحكمة العليا. وقد أقر الكونجرس هذا الحق فى التعديل رقم 14 من الدستور. ومنذ ذلك الوقت تشهد الساحة السياسية الأمريكية بين الحين والآخر محاولات لإعادة النظر فى هذا التعديل لكنها باءت جميعا بالفشل.

•••

وقضية منح الجنسية لمن يولد داخل أمريكا تبرز الآن على الساحة السياسية فى خضم جدال أوسع حول قضية إصلاح الهجرة فى صورتها الكبيرة، خاصة مع بدء الحملات الانتخابية الرئاسية لعام 2016. ويشتعل الجدل حول قضية الهجرة بصفة عامة مع اقتراب موعد الانتخابات سواء كانت المتعلقة بالكونجرس أو البيت الأبيض.

وبدأ فى وسط هذا الجدل حول قانون الهجرة، ظهور أصوات بين الجمهوريين تطالب بإعادة النظر فى الدستور الأمريكى، وتعديل البند الذى يمنح الجنسية لكل من يولد داخل الأراضى الأمريكية. إلا أن الرئيس أوباما من جانبه يتبنى سياسية هجومية تدعو لمنح الإقامة الشرعية وربما الجنسية الأمريكية لملايين الاشخاص ممن دخلوا الولايات المتحدة بصورة غير شرعية ويقدر عددهم بـ 14 مليون شخص أغلبهم من دول أمريكيا اللاتينية. وتنعكس هذه السياسة التى يتبناها الديمقراطيون ويعارضها الجمهوريون على نمط تصويت الأمريكيين الهيسبانيك والذين يقدر عددهم بما يقرب من 50 مليون شخص ويميل نمط تصويت غالبيتهم للحزب الديمقراطى.

وتتعرض جهود الحزب الجمهورى للظفر بأصوات الناخبين الهيسبانيك، الذين يمثلون أكبر الأقليات فى الولايات المتحدة وأسرعها نموا، لضربات قاتلة بسبب الدعوات التى لا تصب فى صالح المهاجرين من كبار سياسيه ومرشحيه. وفى حين يرى الرئيس أوباما والمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون ضرورة القيام بإصلاح شامل يتضمن بنودا عديدة منها الوسائل الكفيلة بدمج الـ 14 مليون مهاجر غير شرعى بصورة قانونية، يحاول الجمهوريون تشديد اجراءات الهجرة وتأمين الحدود ويطالبون بضرورة ترحيل المهاجريين غير الشرعيين.

•••

إلا أن جديد انتخابات 2016 يتمثل فى عزم سيناتور ولاية فلوريدا ماركو روبيو المرشح الجمهورى المحافظ، والإبن لمهاجرين كوبيين والذى يتقن اللغة الإسبانية، خوض الانتخابات الرئاسية. ويأمل الجمهوريون أن يكون فى ترشح روبيو رسالة تساعد على تحسن سجل الحزب وسط الناخبين الهيسبانيك من ذوى أصول تعود لدول وسط وجنوب أمريكا. وفى الانتخابات الرئاسية الأخيرة حصل الديمقراطى باراك أوباما على اصوات 71% من الهيسبانيك مقابل 27% فقط للمرشح الجمهورى ميت رومنى. إلا أن خلفية روبيو وحدها لا تساعده بالقدر المتوقع، فالمؤسسة الجمهورية تحاول أن تختلف عن الرئيس أوباما فيما يتعلق بتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين حتى لا يحصل هو والديمقراطيون على ثناء ورضاء الناخبين الهيسبانيك.

فى الوقت نفسه تعنى معارضتهم لمبادرات إصلاح نظام الهجرة وتقنين أوضاع المخالفين استمرار فقدانهم أصوات المهاجرين المجنسين. وهكذا يقع الجمهوريون بين فكى كماشة قضية الهجرة التى لا يوجد لديهم سيناريو مفضل وهذا ما يضيف صعوبات تصعب من حظوظهم فى الفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.

•••

ووسط استمرار الجدل الداخلى حول قضية الهجرة، يعبر الحدود الأمريكية سنويا ما يقرب من مليون مهاجر غير شرعى من الحدود الجنوبية مع المكسيك، فى الوقت الذى ترحل فيه السلطات الفيدرالية ما يقرب من 350 ألف مهاجر غير شرعى أغلبهم من المكسيك. وهكذا تستمر الهجرة التى تأسست عليها فكرة الدولة الأمريكية أهم وأعقد قضية انتخابية ومجتمعية لكن بدون أن يؤثر ذلك على دخول ما يقرب من 900 ألف مهاجر شرعى سنويا، وهو ما يحفظ لأمريكا شبابها وحيويتها وقوتها.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات