زلزال زهران ممدانى فى نيويورك! - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الإثنين 30 يونيو 2025 4:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

زلزال زهران ممدانى فى نيويورك!

نشر فى : الأحد 29 يونيو 2025 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 29 يونيو 2025 - 9:45 م

«هذه ليلتنا.. إننا نصنع التاريخ».

كان ذلك تعبيرا دراماتيكيا فى لحظة أمريكية قلقة بشأن ما يحمله المستقبل من تحديات وتساؤلات بلا أجوبة. هكذا لخص الشاب الثلاثينى «زهران ممدانى» المشاعر العامة، التى اجتاحت مناصريه من الشبان، عند إعلان فوزه بترشيح الحزب الديمقراطى لمنصب عمدة نيويورك.

كادت هيستريا الصراخ أن تصم الآذان.

الحدث برسائله ودلالاته أقرب إلى زلزال ينبئ بانقلابات محتملة فى بنية السياسات الأمريكية، إذا لم يكن غدا فبعد غد.

إنه جيل أمريكى جديد يولد بغضبه ورسائله للمستقبل فى ذروة «الحقبة الترامبية».

إنه نفس الجيل، الذى تظاهر واحتج إثر حربى الإبادة والتجويع فى غزة المحاصرة، وحاربته المؤسسة الأمريكية بجناحيها الجمهورى والديمقراطى قمعا وترهيبا.

فى ذاكرة نيويورك مشاهد اقتحام قوات شرطتها لحرم جامعة كولومبيا العريقة فضا لاعتصام طلابى يتضامن مع غزة وقضيتها العادلة.

خضع رؤساء جامعات لتحقيق علنى فى مجلس النواب بزعم تساهلهم مع الاحتجاجات الطلابية، التى امتد إلهامها من جامعة كولومبيا إلى كل جامعات النخبة الأمريكية والأوروبية.

أخذ القمع مداه فى ولاية «دونالد ترامب» الثانية باستهداف الطلاب الأجانب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية والتضييق المالى على أية جامعة تسمح بحرية التضامن الإنسانى مع الضحايا.

دعا الطلاب الغاضبون إلى وقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل وسحب الاستثمارات من الشركات، التى تزودها بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية.

تبنى الهجوم المضاد فرضية لم تثبت، ولا كان عليها دليل، أن هناك روحا تسرى فى الاعتصامات معادية للسامية.

لم تحل الخريطة السياسية لنيويورك من صعود «ممدانى» حيث يعيش (1.7) مليون يهودى فيها، ينتمون فى أغلبيتهم الساحقة إلى الحزب الديمقراطى.

لم ينتخب كمسلم بقدر ما انتخب لبرنامجه وحساسية جيل جديد، لكن الإسلاموفوبيا سوف تعبأ ضده فى معركة كسر العظم المقبلة.

والده أكاديمى متخصص فى الدراسات الإفريقية، ينتمى إلى تيار التحرر الوطنى، الذى وصل ذروته ستينيات القرن الماضى، بقيادة «جمال عبدالناصر».

لم تكن مصادفة أن يطلق على ابنه اسما مزدوجا «زهران كوامى» نسبة إلى الزعيم الغانى «كوامى نكروما»، أحد أبطال حركة التحرر الإفريقية ولا أن تربطه صلة حوار وثيقة بالمفكر الفلسطينى الراحل الدكتور «إدوارد سعيد».

إنهما قضيتان متلازمتان، التحرر الأفريقى والحرية لفلسطين.

إذا لم تحدث مفاجأة كبيرة، فـ«ممدانى» هو عمدة نيويورك عند إجراء الانتخابات العامة نوفمبر المقبل.

تقليديا.. يتمتع الديمقراطيون بأغلبية مريحة فى أية انتخابات عامة تجرى بالولاية الأمريكية الأهم، لكن هذه المرة سوف تتآلف قوى متناقضة لمنع صعوده إلى ذلك المنصب تضم الجمهوريين والرئيس الأمريكى نفسه والعناصر المحافظة التقليدية داخل حزب الديمقراطى وحيتان المال والأعمال، الذين أزعجتهم برامجه وتوجهاته اليسارية.

بتكوينه الفكرى والسياسى فهو ينتمى إلى التيار اليسارى فى الحزب الديمقراطى، الذى يقوده السيناتور «بيرنى ساندرز».

قوته فى دعوته لـ«خفض تمويل الشرطة» وزيادة الضرائب، ووضوح شعاراته وبساطتها كـ«تجميد رفع الإيجارات»، «حافلات مجانية»، «مدينة يمكنك تحمل تكلفتها».

بخلفيته الدينية والقومية، فهو مسلم من أصول هندية ولد فى أوغندا واكتسب جنسيته الأمريكية عام (2018).

إنه رمز جديد للمهاجرين من أصول آسيوية وأفريقية ولاتينية، الذين يناصبهم «ترامب» العداء السافر، رغم أن عائلته هو نفسه نزحت من ألمانيا.
إنها تفرقة عنصرية فى مجتمع مهاجرين بالأساس.

بتعبير «ممدانى»: «هذه فاشية».

«لقد فزنا لأن سكان نيويورك دافعوا عن المدينة، التى يعيشون فيها وأبدوا استعدادا لدفع أية تكاليف حتى نمنع عملاء دائرة الهجرة والجمارك الملثمين من التنكيل بالمهاجرين من مواطنى دول الجوار».

كان ذلك تحديا صاخبا لسياسات «ترامب» فى منع الهجرة إلى الولايات المتحدة وحمل المهاجرين بالقوة على العودة إلى بلدانهم الأصلية.

عندما سئل فى برنامج تلفزيونى عما إذا كان مستعدا كعمدة لنيويورك أن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» بدت إجابته صارمة على غير المعتاد فى الخطاب العام الأمريكى: «لن يحدث ذلك، بل سأعتقله بموجب صلاحياتى»، رغم أن الولايات المتحدة لم توقع على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية.

«قيم المدينة تتماشى مع القانون الدولى، وضرورة احترام ما أصدرته الجنائية الدولية من مذكرة توقيف بحقه كمجرم حرب».

إنها تفاعلات وأجواء جديدة تتبدى فى الحياة السياسية الأمريكية.

لم يتردد «ترامب» فى دخول حرب مفتوحة مع السياسى الشاب فهو «شيوعى مهووس بنسبة مائة فى المائة».

أفلتت العبارات إلى الشتم المباشر: «ليس ذكيا، مظهره بشع وصوته مزعج».

إذا ما شاهدت مقاطع من فيديوهاته فإنه يتمتع بحضور قوى ومؤثر وقدراته الخطابية تلهم أنصاره.

نيويورك ليست ولاية عادية، أنها مركز النخبة الأمريكية الليبرالية التقليدية.

الصراع عليها يؤشر إلى المستقبل.

كان اكتساح التيار اليسارى للانتخابات التمهيدية تعبيرا عن توجه قوى فى الحزب الديمقراطى لتغيير التوجهات والوجوه معا.

بتوصيف أحد المخططين الاستراتيجيين فى العملية الانتخابية الأمريكية.. فإن «ممدانى» يمزج بين السيناتور «بيرنى ساندرز» فى لغته الغاضبة والرئيس الأسبق «باراك أوباما» فى روحه المقاتلة.

بأثر الزلزال السياسى الذى فاجأ الجميع توشك نيويورك، والولايات المتحدة كلها، أن تدخل حربا ضارية عنوانها المباشر: «انتخاب عمدة جديد لنيويورك»..
وسؤالها الحقيقى: «إلى أين تتجه أمريكا؟»، أو إذا ما كانت غضبة الأجيال الجديدة سوف تهز بنية السياسات الأمريكية الراسخة.