تحية إلى اسم المخرج أحمد بدر خان وهو أكثر من اهتم بتأريخ النصف الأول من القرن العشرين بأشخاصه وأحداثه ففى فيلم «الإيمان» 1952 أرَّخ لسنوات الأربعينيات، وفى فيلم «سيد درويش» 1966 اهتم بتأريخ مصر منذ عام 1892 وحتى وفاة الموسيقار الرائد سيد درويش ــ فى مثل هذه الأيام ــ، فى فيلم كتبه سامى داوود وكتب له السيناريو والحوار محمد مصطفى سامى الذى ظل مقيما بالصغر طوال حياته، وهو الذى يعرف أماكن الإسكندرية خاصة التى عاش فيها سيد درويش، وأهمية هذا الفيلم أنه تتبع حياة درويش منذ ميلاده حين جاء خبر لدرويش البحر وهو يصطاد على شاطئ البحر استبشر خيرا وبدأت مسيرة أهم موسيقار فى تاريخنا الحديث، وقد قام الطفل هانى شاكر بأداء شخصية سيد فى بداية حياته فهو يغنى فى المقاهى ويعتنى بأسرته، وفى أحد المشاهد فإنه يحضر مؤتمرا وطنيا يسمع فيه مصطفى كامل يخطب فى الناس ويردد: بلادى بلادى لك حبى وفؤادى.
اختار المخرج أكاديميا شابا درس فى إيطاليا وكان وجها جديدا هو كرم مطاوع الذى بدا أقرب فى ملامحه إلى المطرب، ومن بعد ذلك صار نجما متألقا، وفى بداية شبابه قدم لنا مواقف عديدة، منها قيامه بالغناء مع عمال البناء، ورحيله إلى سوريا، وإعجابه الشديد بسلامة حجازى وأيضا إعجابه الشديد ببعض الراقصات فى الإسكندرية وزواجه التقليدى من امرأة أنجبت له الأولاد ورحيله إلى القاهرة والبحث عن طرق عديدة للإبداع الموسيقى، وكعادة أحمد بدرخان فإنه قام بالتركيز على الجانب الوطنى والفنى لحياة سيد درويش، وأيضا عن علاقته بالمطربة جليلة أم الركب التى هام بها وجسدت الدور هند رستم، وقد ركز الفيلم الجانب الأسرى فى طليعة اهتمامته خاصة زوجته وأخته التى مات فى بيتها بالإسكندرية التى انتظر فيها المصريون زعيم ثروتهم سعد زغلول وحسب الفيلم فإن الإرهاق الشديد كان سببا فى رحيل درويش عن عالمنا وهو فى قمة العطاء الوطنى، ليس هناك رحيل أفضل من هذا، وهو الذى غنى للوطن وناشد الاستعمار بالرحيل، ومن حسنات الفيلم تلك الأغانى القوية التى غناها إسماعيل شبانة التى لا تزال ترن فى أذنى منذ أن شاهدت الفيلم فى عرضه الأول حتى الآن، لا أعرف لماذا لم تهتم السينما أو عالم الغناء كثيرا بتلك الموهبة الفذة المسماة رسماعيل شبانة، شقيق عبدالحليم حافظ الأكبر الذى يبدو أنه قد ابتعد عن الغناء حتى لا ينافس أخيه.
ظل سيد درويش هاجسا كبيرا لدى صناع الموسيقى المصرية يحاولون تقليده والسير على هداه وعلى رأسهم عبدالوهاب، وأكرر التحية باسم بدرخان الذى ليس له مثيل فى تقديم هذا النوع من الأفلام.
فيلم سيد درويش ينتمى إلى السينما الغنائية، رغم أننا لم نرَ المطرب الأصلى الذى غنى بلادى بلادى، وعزيز عينى أنا نفسى أروح بلدى، بالإضافة إلى أغنيات لا تزال خالدة منها طلعت يا محلا نورها، وزرونى كل سنة مرة، وأنا عشقت، يا عشاق النبى، وأنا هويت وانتهيت، البحر بيضحك ليه، هز الهلال يا سيد، خفيف الروح، ومن أشهر أوبريتاته، العشرة الطيبة، وشهرزاد، والباروكة، وراحت عليك، ولو، وغيرها من أوبريتات.
الجدير بالذكر أننا فقدنا سيد درويش وهو فى سن الحادية والثلاثين، إنه أحد شهداء الرحيل فى زمن الخصوبة الذين يفقدهم الوطن من وقت لآخر، يعمل فى سن مبكرة ويكافح عبر المدن والبلاد بحثا عن الجديد، ويتزوج مبكرا وتصير الأسرة هى أهم مسئولياته حتى يموت بشكل مفاجئ وهو فى انتظار الزعيم.