تكامل الصميم والهوامش - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 31 أكتوبر 2025 5:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

تكامل الصميم والهوامش

نشر فى : الأربعاء 29 أكتوبر 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 29 أكتوبر 2025 - 7:45 م

ما الذى تحققه الإعادة والتكرار لجملة: «متى ستتوقفون عن ترديد نفس الشعارات والعيش فى أحلام الماضى؟« من قبل بعض الإخوة الأعزاء المعلّقين على المقالات الصحفية ومثيلاتها فى شتى وسائل التواصل الإلكترونى، التى لا تزال تنادى بشعارات وحلول وأهداف المشروع القومى العروبى النهضوى بمكوناته الستة؟

 


كان تفاعل ذلك الخطاب النهضوى ونقّاده سيكون مثمرًا لو أن هؤلاء الإخوة قدموا بدائل أفضل وأجدى وأكثر عصرنة لشعارات الوحدة العربية والديمقراطية والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى والقومى والتجديد الحضارى، التى ــ كما يقولون ــ لا يزال يلوكها القوميون العروبيون دون توقف أو مراجعة. كل ما يقوله المنتقدون هو المطالبة بالتجديد، دون أن يشيروا إلى نوعية ووسائل ذلك الجديد الذى يريدون، والذى سيحلّ محل القديم.
ومع ذلك، فبعضهم يشير إلى أهمية انتقال العرب إلى عوالم العلوم والتكنولوجيا، وبعضهم يشير إلى أهمية التركيز على قضايا محددة والعمل على حلّها مثل مكانة وحقوق المرأة، أو التدهور البيئى، أو الشقوق فى النظام الدولى.. إلخ. ويقفز البعض إلى المطالبة بتبنى أسس الحضارة الغربية برمتها، بينما يطالب البعض الآخر بالنكوص إلى الوراء التاريخى وتبنى الأسس والسلوكيات السلفية التراثية. إنها مناقشات لا تنتهى أشكالها ولا مناكفاتها.
لكن ألا يوافق هؤلاء الإخوة، المثقلون مثلنا بضرورة إخراج هذه الأمة من محنتها الحالية، على أن جميع تلك الشعارات والأهداف والنضالات التى يقترحون الاهتمام بها لا تتعارض فى أهدافها ولا فى النضال من أجلها مع مكونات المشروع النهضوى العربي؟ وإنما هو العكس، إذ تكمّلها؛ فكل تحقق فى مكونات المشروع النهضوى سيساعد ويسهّل الانتقال إلى كل الشعارات والأهداف الفرعية الكثيرة التى يريدون لها الهيمنة والأولوية. وكذلك العكس، فكل تحقق لأى من جديدهم سيساعد فى تسهيل تحقق المشروع النهضوى.
دعنا نتمعن، كمثال وبموضوعية واقعية، فى شعار الوحدة العربية النهضوى. ألم تثبت السنون فشل الكثير من أقطار الوطن العربى فى مجابهة الخارج، أو فى مجابهة أزماتها المالية أو الاقتصادية التى عصفت بها، أو فى دخول ساحات العلوم والتكنولوجيا بيسر ونجاح، أو غيرها من المحاولات، إما بسبب صغر حجمها الجغرافى، أو محدودية فوائضها المالية، أو قدراتها البشرية والعلمية؟ بل ألا يرون أمام أعينهم فى هذه اللحظة الجحيم الذى تعيشه أقطار مثل فلسطين أو السودان أو اليمن أو سوريا أو لبنان أو ليبيا ــ على سبيل المثال ــ بسبب اعتمادها على قدراتها وإمكانياتها القطرية الوطنية المحدودة أو المحاصرة، وذلك فى غياب القدرات والإمكانيات القومية التى أصبحت معطّلة لهذا السبب أو ذاك، والتى لو جُيّشت لساهمت فى حل أغلب أوضاع تلك الأقطار المأساوية والمأزومة؟
وإذن، فهل أننا ــ المنادون ليل نهار بشعار نوع من الوحدة العربية، ولو تدريجيا ــ الحالمين والمكررين بصورة مملة سنة بعد سنة لهذا الشعار؟ أم أن الحالمين والتائهين هم الذين يريدون استبدال أولوية ذلك الشعار القومى المفتاح بشعار فرعى مثل قضايا البيئة، أو امتلاك أعلى مبنى فى العالم، أو تقنية العقل الآلى، أو كرة القدم، على أهميتها بالطبع؟
لو كانت الروح الوحدوية، والمؤسسات الوحدوية التنسيقية التضامنية، موجودة، هل كنا سنرى ما نراه الآن من انغماس بعض الأقطار العربية فى زعزعة استقرار أو أمن أقطار عربية أخرى، دون أن تمنعها ــ وبدون استثناء ــ الأقطار ذات الروح الأخوية الوحدوية من ارتكاب تلك الشناعات؟ هل نحتاج أن نسمى ما فعله البعض عبر العقدين الماضيين بإخوة لهم، بسبب المماحكات المذهبية الدينية أو الصراعات الشخصية أو الحزازات التاريخية البليدة، أو الرغبة فى إسقاط رأس هذا النظام أو ذاك؟ أو... أو...
ذاك فقط مثل واحد عن شعار نهضوى واحد. فترى ماذا كان سيحدث فى الحياة العربية، عبر الوطن العربى كله، لو أن كل الشعارات الست قد فُعّلت فى الواقع العربى لصالح الجميع، ولإخراج الجميع من الوضع المزرى بأشكاله المختلفة الذى يعيشه الجميع حاليا؟
الإجابة قد سُطرت فى مئات الكتب من قبل مئات المفكرين الكبار، والذين جميعهم ــ عبر قرنين من الزمن أو أكثر ــ قد أكدوا ما نردده المرة تلو المرة، من أن المشروع النهضوى العربى ليس مشروعاً تجارياً ليتلاعب به أو يُبدَّل كل حين، وإنما هو مشروع وجودى، به ستعيش الأمة وبدونه سيواريها الأعداء ــ وما أكثرهم ــ فى غياهب الجحيم.
هذا مصير يجب ألا تسمح أجيال الشابات والشباب فى المستقبل بالوصول إليه، مهما كان ذلك من تضحيات ودموع ودماء. ومن أجل تجنب هذا المصير سنرفع ليل نهار شعارات المشروع النهضوى العربى الست كأولوية قصوى وكطريق لكل الشعارات والأهداف الأخرى.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات