لا يمكن فهم ظروف إقرار مجلس الأمن الدولى للقرار رقم 2334 بعيدا عن فهم ما دار خلف الأبواب المغلقة فى أربع مدن هى القاهرة وواشنطن والقدس وبالطبع نيويورك. وبداية جاء مشرع القرار كمبادرة من اللجنة الرباعية العربية وصاغه ديباجته الأولية فلسطين ثم كُلفت مصر بمراجعته وتعديله حسبما ترى بعثتها بنيويورك قبل تقديمه (مصر العضو العربى الوحيد بالمجلس) للتصويت عليه قبل عطلات أعياد الميلاد.
نيويورك (الأربعاء 21 ديسمبر)
عمل الوفد المصرى بمجلس الأمن على إعادة صياغة لغة القرار حتى يلقى قبولا من الدول الأعضاء خاصة الولايات المتحدة.
فوجئ الوفد المصرى بترحيب الوفد الأمريكى بصيغة القرار، وتم التأكيد الأمريكى من السفيرة سامنثا باور على عدم استخدام حق الفيتو إذا قُدم مشروع القرار على صيغته المقترحة.
سارع الوفد المصرى منتشيا بالموقف الأمريكى بإبلاغ القاهرة بما رآه انجازا دبلوماسيا مصريا.
وزارة الخارجية عرضت الأمر على الرئاسة ووافقت الرئاسة بصورة مبدئية على فكرة عرض الموضوع فى اليوم التالى للتصويت.
طالب الوفد المصرى يوم الأربعاء بحجز ساعة (إدخاله فى جدول أعمال مجلس الأمن) لمناقشة مشروع القرار يوم الخميس وربما التصويت عليه أيضا فى نفس اليوم.
بمجرد إدخال مشروع القرار على جدول الأعمال، يصنف باللون الأزرق، وهذا يعنى أنه متاح لجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة (من بينها إسرائيل) للاطلاع على نص القرار.
سارع الوفد الإسرائيلى بالأمم المتحدة فجر الخميس بإبلاغ بنيامين نتنياهو بالأمر، وطالبه بالتدخل لدى (السيسى وأوباما وترامب) لعرقلة مشروع القرار.
القدس (فجر الخميس 22 ديسمبر).
استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلى كل الكروت المتاحة للتأثير على القادة الثلاثة على النحو التالى:
o تحدث نتنياهو مع السيسى الذى أكد له أنه سينظر فى الأمر.
o تحدث نتنياهو مع فريق ترامب وتلقى وعدا بالتدخل للضغط على السيسى بمكالمة من ترامب.
o تلقى نتنياهو وعدا من ترامب بأنه سيحاول الضغط على أوباما عن منظمة أيباك وغيرها من منظمات اللوبى الإسرائيلى.
o تحدث نتنياهو لعدد من أهم أعضاء مجلس الشيوخ للضغط على أوباما.
واشنطن (صباح الخميس 22 ديسمبر)
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية (على نطاق ضيق للغاية) أن جون كيرى سيلقى خطابا مهما عن سياسية أوباما تجاه قضية سلام الشرق الأوسط عصر اليوم.. (مفترضا أن مصر ستطالب بالتصويت على مشروع القرار الخاص بالمستوطنات).
أكد وزير الخارجية جون كيرى لسامح شكرى فى مكالمة هاتفية لم يكشف عنها النقاب نية بلاده عدم عرقلة مشروع القرار المصرى.
تحدث ترامب شخصيا مع السيسى وحصل منه على وعد بسحب مشروع القرار، وعرقلة أى جهود لبحث عملية الاستيطان بمجلس الأمن حتى يتم تنصيب ترامب رسميا رئيسا فى العشرين من يناير.
أطلق دونالد ترامب تغريده تدعو لاستخدام الفيتو ضد مشروع القرار إذا تم طرحه للتصويت.
عبرت منظمات اللوبى الإسرائيلى عن قلقها من مشروع القرار المصرى المقدم لمجلس الأمن.
هاتف عدد من زعماء اللوبى الإسرائيلى وعدد من أعضاء الكونجرس فى واشنطن مسئولين مصريين بالقاهرة لحثهم على سحب القرار.
نيويورك (صباح الخميس 22 ديسمبر)
صدرت تعليمات مباشرة من الرئاسة المصرية لبعثة مصر بمجلس الأمن بسحب مشروع القرار وعرقلة أى جهود للنظر فى قضية المستوطنات فى الفترة المتبقية من حكم أوباما.
اعتذر الوفد المصرى لنظيره الأمريكى بمجلس الأمن عما آلت إليه الأمور... مبررا ذلك بضغوط إسرائيلية وأمريكية واسعة على القيادة المصرية دفعته لتغير الموقف كلية.
واشنطن (عصر الخميس 22 ديسمبر)
أعلن مكتب كيرى إلغاء الكلمة المقررة حول سياسة واشنطن تجاه عملية السلام.
دعا وزير الخارجية كيرى مندوبة أمريكا لدى مجلس الأمن للضغط على بقية الدول من غير الأعضاء الدائمين ممن يقبلون بتبنى صيغة المشروع الذى قدمته مصر، وطرحه للتصويت قبل بداية عطلة أعياد الميلاد التى تبدأ يوم السبت.
نجحت واشنطن فى دفع أربع دول لتبنى مشروع القرار:
o نيوزيلاندا ــ تنتهى عضويتها بنهاية هذا الشهر.. وليس هناك ما تخسره + كونها حليف أمريكى وتقدر الرئيس أوباما. وزارها جون كيرى الشهر الماضى لحثها على المساعدة فى ملف سلام الشرق الأوسط إذا ما استدعت الضرورة خلال تواجدها بمجلس الأمن.
o السنغال ــ دولة إسلامية تخضع للنفوذ السعودى!
o ماليزيا ــ دولة إسلامية تخضع لنفوذ سعودى! وتنتهى عضويتها بعد 6 أيام!
o فنزويلا ــ تاريخيا دائما ما تقف فى صف القضايا العربية، كذلك تنتهى عضويتها بعد 6 أيام.
نيويورك (صباح الجمعة 23 ديسمبر)
حاول الوفد المصرى على استحياء إثناء تلك الدول عن التقديم بمشروع القرار... وفشل.
أكد الوفد المصرى للرئاسة المصرية استحالة إيقاف مشروع القرار.. وطالب بتعليمات واضحة وسريعة فى كيفية التصويت عليه.
القاهرة (مساء الجمعة 23 ديسمبر)
صدمة وحيرة نتيجة فشل الضغط على الدول الأربع لإثنائهم عن تقديم مشروع القرار.
بُحثت بدائل يمكن تلخيصها على النحو التالى:
o يتم الامتناع عن التصويت ويتم إرضاء نتنياهو وترامب (رغم تمرير القرار).
o التصويت لصالح القرار خاصة بعدما أظهر السيسى حُسن النية وسحبه لمشروع القرار المقدم من جانب مصر، وإدراك ترامب ونتنياهو لقيمة الموقف المصرى.
وتم الانتهاء للتصويت لصالح القرار بعدما أدرك السيسى حتمية التراجع وتكلفة عدم التصويت للقرار من الدولة العربية الوحيدة بمجلس الأمن. خاصة مع صعوبة تبرير عدم التصويت لقرار ضد الاستيطان، وهو ما كان سيكون له تأثير سلبى كبير على شعبية السيسى والنظام المتآكلة.
نيويورك (عصر الجمعة 23 ديسمبر)
تم التصويت للقرار بتأييد 14 دولة وامتناع أمريكا عن التصويت.
مظاهر سوء التقدير المصرى:
1ــ الصدمة التى تلقاها الوفد المصرى نتيجة الوعد الأمريكى بعدم استخدام الفيتو.
2ــ عدم تقدير أهمية القضية لدى إدارة أوباما، خاصة بعدما تعهد ترامب بنقل السفارة للقدس.
3ــ عدم حساب قوة أمريكا فى الدفع بأربع دول لتبنى مشروع القرار بعد انسحاب مصر.
4ــ اعتقاد السيسى بإمكانية تأجيل مشروع القرار لما بعد وصول ترامب للحكم.