أوائل الشهر الماضى، وقّعت وزارتا الإسكان والقوى العاملة بروتوكولا لتدريب الشباب على مهن التشييد والبناء، بهدف رفع كفاءة العاملين الشباب وإكسابهم المهارات التى تمكنهم من المنافسة فى سوق العمل داخليا وخارجيا.
وبحسب البروتوكول، فإن هذه المراكز ستمنح شهادات معتمدة للمتدربين، والأهم أنها ستؤهلهم للعمل فى نحو 100 حرفة فى هذا القطاع.
وأتصور انه مع النجاح المبهر للمؤتمر الاقتصادى، والتعاقدات التى جاوزت 60 مليار دولار، فإن تعاملنا مع هذا النمط من إعادة التدريب والتأهيل لابد ان يختلف، سواء من جانب الحكومة أو من الشباب أنفسهم.
لم يعد مقبولا اعتبار هذه الاتفاقات كلاما للاستهلاك المحلى، او مناسبة يحصل منها موظفون على بدلات ومكافآت دون أن يكون لها أثر ملموس على الأرض، كما أنه ليس مقبولا من الشباب الإعراض عن هذه النوعية من البرامج باعتبار أنهم حصلوا على ما يكفيهم من العلم فى الجامعة، مع أنك تعلم، وأنا أيضا، ما لحق بالتعليم الجامعى وما قبله من تدهور، وما صار إليه حال الخريجين من حملة المؤهلات العليا، بل وحملة الماجستير والدكتوراه !
بعبارة مختصرة، ما كان مقبولا قبل المؤتمر الاقتصادى لن يكون مقبولا بعده.
هذا ليس كلام إنشاء، مصر الآن على المحك، امامها فرصة حقيقية للانطلاق نحو المستقبل قد لا تتكرر، علينا ان نكون مستعدين لها على أحسن ما يكون.
سأبسّط لك المسألة...
هناك شركات أجنبية عديدة ستبدأ العمل خلال أسابيع وفقا لما تم الاتفاق عليه فى شرم الشيخ، هذه الشركات ستحتاج إلى عاملين لتنفيذ مشروعاتها سواء فى مجالات الإسكان أو الطاقة أو الاتصالات أو غيرها.
ستعلن هذه الشركات عن حاجتها من العاملين فى جميع القطاعات وفق شروط معينة، تضمن لها تحقيق اهدافها على الوجه الأكمل.
ولأنها رءوس أموال ضخمة تدار بعقلية احترافية، فإنها ستضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، أى أن معايير الكفاءة والإنضباط والملائمة، هى التى ستحدد الفائزين بالوظائف، فلا مجال للواسطة والرشوة والمحسوبية.
هذا يعنى ايضا، ان الشركات ستوظّف من تحتاجه بصرف النظر عن جنسيته كى تضمن لمشروعها النجاح، وهو ما يعنى أن المصريين لن تكون لهم أولوية إلا بقدر ما يثبتونه من مهارة وتميّز عن نظرائهم من الجنسيات الأخرى، ونحن نعرف ــ للأسف ــ أن شركات عديدة عاملة فى مصر توظّف عمالة أجنبية، لأنها أكثر انضباطا وحرفية وكفاءة.
هذا نوع من الحقائق علينا أن نواجهه بحسم وشجاعة، إن كنّا نريد أن نغيّر بلادنا بالفعل، بالعمل لا بالشعارات، بالبناء والإنجاز على الأرض، لا بالسفسطة والهرى على فيس بوك.
نحتاج إلى معسكرات تدريب مكثفة فى كل القطاعات، فى الزراعة والصناعة والتعدين والاتصالات والطاقة والخدمات، كى نؤهل شبابنا بسرعة لسوق عمل ضخ مستثمرون فيه عشرات المليارات وستبدأ عجلته فى الدوران خلال أسابيع، ولا نريد أن تديره أياد أجنبية، بشرط أن نكون نحن الأكثر مهارة وحرفية وانضباطا.
هذا بالضبط ما يعنيه أن مصر لن تبنيها سوى سواعد أبنائها.
قولا واحدا..
لن يتقدم هذا البلد وينتقل إلى حال أفضل، ما لم يزد عدد المجيدين بين العاملين فيه على عدد «المطلسقاتية»، ما لم تترسخ قيم الإتقان والاستقامة والرغبة فى بلوغ الكمال، بديلا عن الفهلوة والحداقة ولعب التلات ورقات.