فرص وآفاق مفاوضات الملف النووى بين واشنطن وطهران - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
السبت 19 أبريل 2025 4:25 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

فرص وآفاق مفاوضات الملف النووى بين واشنطن وطهران

نشر فى : الأربعاء 16 أبريل 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 أبريل 2025 - 7:05 م

رحبت غالبية بلدان المنطقة والعالم بانطلاق مسار تفاوضى بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، باستضافة عمانية، منذ أيام قليلة، بشأن ما بات يطلق عليه منذ سنوات على ساحة العلاقات الدولية «الملف النووى الإيرانى»، باعتبار ذلك الحدث فى حد ذاته قد يساهم فى تخفيف درجة الاحتقان وحدة التوتر، المتصفتين بالارتفاع الشديد، خاصة منذ الربع الأخير من عام 2023، فى منطقة الشرق الأوسط والخليج.

 


إلا أن هذا الترحيب لا يتعين ترجمته على أنه يعنى التفاؤل بنتائج تلك المفاوضات أو ضمان نجاحها، بل إن هذا الترحيب كان مشوبًا بالحذر والحرص على عدم استباق النتائج من قبل معظم من عبر عنه، بل التركيز، فى هذه المرحلة المبكرة على الأقل، على تحقيق الاستمرارية للعملية التفاوضية والسعى لتجنب أى عوامل أو اعتبارات من شأنها أن تؤدى إلى إخفاقها، سواء بالانهيار التام أو بالتعطل، قبل وصولها إلى مرحلة متقدمة من النضج والقدرة على الاستدامة، على أمل التوصل فى نهاية الأمر إلى تسوية نهائية لهذا الملف المعقد والعالق على أجندة العلاقات الدولية منذ عدة عقود.
كما أن البيئتين الدولية والإقليمية المحيطتين بعملية التفاوض لا تبدوان مشجعتين، بالنسبة للجانب الإيرانى، على حدوث تقدم حقيقى وسريع على هذا المسار لعدد من الأسباب، أحدها أن التوترات الناتجة عن المواجهات الأمريكية والإسرائيلية، المباشرة وغير المباشرة، مع إيران على مدار الشهور الماضية، وخاصة منذ اندلاع الحرب فى غزة فى أكتوبر 2023، لا تزال تلقى بظلالها الكثيفة على الأجواء، وتوجد لدى الجانب الإيرانى تقديرًا عامًا بعدم الثقة فى نوايا الطرف الآخر، بالإضافة إلى أن هناك أطرافًا إقليمية قد لا تكون راغبة فى نجاح تلك المفاوضات وترغب فى إفشالها لدفع الإدارة الأمريكية الحالية أو إقناعها بتبنى خيارات أكثر صدامية وعدائية، قد لا يستبعد منها الخيار العسكرى، للتعامل مع الملف النووى الإيرانى، وكذلك لكون المشهد الإقليمى يمر بعدد من التطورات التى قد لا تكون فى صالح الجانب الإيرانى خلال العملية التفاوضية، وهى تغيير نظام الحكم فى سوريا وسقوط نظام الأسد الحليف لطهران، وتعرض كل من حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى غزة الحليفتين لإيران لضربات عسكرية بدت مؤثرة وفعالة من جانب إسرائيل أطاحت بقيادات التنظيمين ودمرت جزءًا هامًا من بنيتهما التحتية، والصورة العامة التى تركتها تصرفات الإدارة الأمريكية خلال الفترة القصيرة المنقضية منذ تولى الرئيس الأمريكى الجمهورى «دونالد ترامب» مقاليد السلطة فى بلاده والتى توحى بأنه من الصعب التنبؤ بخطواتها التالية أو مسارها المستقبلى فى أى ملف تتناوله.
وعلى الجانب الآخر، فإن عوامل أخرى تبدو دافعة للعمل على نجاح المسار التفاوضى الذى بدأ فى سلطنة عمان بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووى الإيرانى، ومنها أن الإدارة الأمريكية، وعلى كل ما وجه لها من انتقادات على الصعيدين الداخلى فى الولايات المتحدة والخارجى من مختلف أرجاء العالم، فقد أثبتت أنها تتصف بعقلية تتشابه فى بعض جوانبها مع عقلية «البازار» المعروفة فى إيران وفى منطقة الشرق الأوسط، أى أنه بغض النظر عما تعلنه من مواقف تبدو مبالغًا فيها فى بداية التعامل مع أى ملف فإنها تبدو مستعدة للجلوس وللتفاوض مع الطرف الآخر للوصول إلى حلول تكون أقل مما أعلنته تلك الإدارة كهدف لها فى البداية، كما أن التوترات التى طفت على السطح فى الآونة الأخيرة بين إسرائيل وتركيا بسبب التواجد العسكرى التركى فى سوريا واعتبار إسرائيل استمراره وإمكانية تمدده تهديدًا لها وكذلك عبارات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الحادة تجاه إسرائيل بشأن مسئوليتها عن تردى الأوضاع الإنسانية فى غزة، يضيف ملفًا ملتهبًا جديدًا فى الشرق الأوسط ويستدعى إظهار كل الأطراف قدرًا من المرونة لمحاولة إيجاد تسوية مقبولة من الأطراف المعنية لمسألة الملف النووى الإيرانى، ويضاف إلى ذلك وجود سابقة التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووى الإيرانى فى عام 2015 خلال ولاية الرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما»، ومن الصحيح أن الرئيس ترامب هو من انسحب من هذا الاتفاق خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، ولكنه قد يود أن ينسب إليه وإلى إدارته الفضل فى التوصل إلى اتفاق أكثر ديمومة يمكن أن يتم التوصل إليه خلال المفاوضات الجارية فى سلطنة عمان.
ومن المستبعد أن تخلو المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووى الإيرانى من التعرض لموضوعات أخرى، وتحديدًا مما قد يثيره الجانب الأمريكى الذى أعلن عن ذلك فى أكثر من مناسبة، بعضها يتصل بسياسات إيرانية والبعض الآخر يتصل بقضايا إقليمية، والأولى تضم إمكانية إثارة الجانب الأمريكى لتهم معتاد على توجيهها لإيران منذ سنوات طويلة، مثل مواصلة طهران تعزيز وتطوير عملية قدرات عسكرية نوعية متفوقة تراها واشنطن تهديدًا لحلفائها فى المنطقة، والثانية تضم المسعى الأمريكى المستمر على مدار إدارات متعاقبة للضغط على إيران إما لفك ارتباطها مع عدد من حلفائها فى المنطقة المتهمين من قبل واشنطن بالإرهاب أو بالضغط على هؤلاء الحلفاء لتبنى مواقف تعتبرها الإدارة الأمريكية «معتدلة» و«مقبولة»، وتضم قائمة هؤلاء الحلفاء حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى الأراضى الفلسطينية وجماعة الحوثيين فى اليمن وعدد من الفصائل الشيعية المسلحة فى العراق.
ويبقى التساؤل الذى يطرح نفسه هنا هو هل سيكون الجانب الإيرانى من جانبه أيضًا مستعدًا لوضع مطالب على مائدة المفاوضات لا تكتفى برفع العقوبات الأمريكية عليه ولكن تمتد لموضوعات إقليمية مثل المطالبة بدور إيرانى فى إعادة ترتيب الأوضاع فى سوريا أو الإقرار الأمريكى بالدور الإيرانى فى أى مسارات مستقبلية لتسوية القضية الفلسطينية على المدى الطويل أو تجاه تصورات الأوضاع فى غزة فى فترة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية هناك على المدى القصير.
ومن المؤكد أن الطرف الإسرائيلى سوف يكون الغائب الحاضر فى المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووى الإيرانى، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ انتصار الثورة الإيرانية فى فبراير 1979 قد دأبت على اتهام إيران باستهداف تدمير إسرائيل، وسعت دومًا فى أى اتصالات، علنية أو سرية، مباشرة أو غير مباشرة، مع الجانب الإيرانى إلى ضمان إيقاف عداء وتهديد إيران لإسرائيل، بل إن البعض يتوقع هذه المرة أنه من الممكن أن تذهب إدارة الرئيس ترامب إلى حد مطالبة إيران بالانضمام إلى ما يسمى بـ «اتفاقيات السلام الإبراهيمية» التى حققتها إدارة ترامب فى فترة ولايته الرئاسية الأولى بين إسرائيل وأربع دول عربية وهى الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وإن كان ذلك الأمر يبدو مستبعدًا إذا أخذنا فى الاعتبار جميع المعطيات فى الوقت الراهن، سواء الإقليمية أو الداخلية فى إيران.
ويبقى كل طرف له مصلحة فى نجاح المفاوضات الراهنة، فالجانب الأمريكى ينظر إلى فك فتيل أزمة يراها إقليمية ودولية، ويتطلع أنه من وراء تلك المفاوضات ينجح فى تسوية ليس فقط الملف النووى الإيرانى بل و"المسألة الإيرانية" الموجودة كشاغل وهاجس لواشنطن منذ عام 1979 بشكل كلى وإما تعديل مواقف إيران الإقليمية والدولية أو على أقل تقدير تحييدها. وعلى الجانب الآخر، فإيران تود تجنب أى مواجهات عسكرية مباشرة أو بالوكالة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما تسعى لالتقاط الأنفاس بعد ما لحق بمكانتها فى المنطقة من خسائر إقليمية مؤخرًا وتسعى لأن تتاح لها فرصة التركيز على أوضاع الداخل الإيرانى واستخدام نجاح المفاوضات الجارية لضخ دماء جديدة فى عجلة الاقتصاد الإيرانى الذى يعانى من بعض المشكلات الهيكلية، التى هى فى جزء لا يستهان به منها، نتاج العقوبات وفرض الحظر أو القيود المشددة على توريد سلع وتكنولوجيا إليها.
مفكر وكاتب مصرى

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات