«سيد قطب».. كيف جسدته الدراما؟ - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«سيد قطب».. كيف جسدته الدراما؟

نشر فى : الجمعة 30 يونيو 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 30 يونيو 2017 - 9:30 م

لعل أهم ما يمكن أن يثيره عمل فنى هو أن يدعو متلقيه للبحث وطلب المعرفة وإعادة النظر مجددا فى موضوعات وقضايا فُرض عليها سياجٌ غير مبررٍ من الغموض الكثيف أو التهميش أو قصرها، دون أى مبرر أيضا، على فئات ودوائر بعينها. من أهم ما تقدمه الدراما التليفزيونية للمشاهد العادى، من بين أشياء كثيرة، إثارة فضوله المعرفى وحثه على طرح الأسئلة حول الموضوع أو الشخصية التاريخية التى يجسدها العمل الفنى، بل إنها تصل فى بعض الأحيان إلى معاودة النظر كليا حول ما يتعلق بهذه الشخصية وتفاصيلها وأدوارها من الألف إلى الياء.

فى ظنى، نجح مسلسل «الجماعة 2»، لوحيد حامد وشريف البندارى، فى تحقيق هذا الهدف بامتياز، وفتح الباب واسعا للمناقشة التى وصلت فى بعض الأحيان لاشتباك فكرى ولفظى عنيف حول سيرة وتاريخ سيد قطب (1906ــ1966)، وعن الكيفية التى تم تجسيده بها فى العمل، حتى لو اختلفنا فى تقديرنا لبعض الجوانب الفنية هنا أو هناك، ومهما كان من ملاحظات حول الكتابة أو التفاصيل التى تم جمعها وتوظيفها فى السياق المحدد والمخطط سلفا للمسلسل.

شخصية سيد قطب التى اجتهد فى تأديتها الفنان الشاب محمد فهيم، ظهرت باعتبارها شخصية رئيسية فى المسلسل، فهى الطرف المواجه لجمال عبدالناصر فى الصراع الذى أراد وحيد حامد تجسيده وإبرازه عبر حلقات «الجماعة 2» فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، ربما هى المرة الأولى التى تظهر فيها شخصية سيد قطب على الشاشة، فكل ما دار حول الرجل وأفكاره وسيرته لم يفارق دائرة الكتابات التوثيقية أو التاريخية أو التحليلية، من جانب، أو الكتابات التقديسية فى دوائر الجماعات الدعوية المتطرفة، على جانب آخر.

ورغم إغراء الشخصية بكل تناقضاتها وتحولاتها العاصفة منذ ظهورها على الساحة فى أربعينيات القرن الماضى وحتى إعدامها فى منتصف الستينيات، وما لعبته من دور جذرى فى مسيرة حركات الإسلام السياسى، فلم يقرب الأدب ولا الفن منها على الإطلاق، باستثناءات سنذكرها بعد قليل، ربما كان ذلك تحت وطأة الحصار المحكم والسياج المنيع والإرهاب الفكرى المضمر الذى فرضه كثيرون من المنتمين لتيارات الإسلام السياسى، على مدى عقود طويلة.

كان نجيب محفوظ الأكثر جرأة ووعيا واقترابا من هذه الشخصية التى كتب عنها فى روايته الشهيرة «المرايا» باسم عبدالوهاب إسماعيل، التى نشرت عام 1971 كما كتب عنها أيضا المرحوم سليمان فياض فى كتابه الممتع القيم «وجوه من الذاكرة»، وفى ما عدا هذين العملين، لا نجد ذكرا ولا تصويرا ولا تمثيلا لسيد قطب فى الأدب أو الرواية أو القصة ولا أى وسيط فنى آخر، فى حدود ما أعلم.

وهكذا صار مسلسل «الجماعة 2» العمل الفنى الأول الذى يتعرض لمعالجة شخصية سيد قطب على الأقل فى جانب منها، وعرض لها فى حدود المخطط العام لدراما المسلسل، بدءا من المشهد الذى يعود فيه سيد قطب من بعثته لأمريكا عام 1951 وختاما بإعدامه عام 1966. وبين التاريخين يركز المسلسل اهتمامه على عرض أفكار سيد قطب وتصوراته الذهنية عقب انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين ومفاهيمه المركزية (جاهلية المجتمع، الإيمان والكفر، الألوهية والربوبية، العصبة المؤمنة، الحاكمية، المفاصلة الشعورية، الله والطاغوت.. إلخ) وهى المفاهيم التى دشن بها مرحلة خطيرة وعنيفة فى تاريخ تيارات الإسلام السياسى.

وهذه هى نقطة الضعف الفنى الأبرز، من وجهة نظرى فى تجسيد هذه الشخصية، فلم يتم الالتفات إلى تناقضاتها الجذرية ولا دراميتها الغنية، ولم يتم فتح الملف النفسى والذهنى لسيد قطب وهى التى تساعد على صنع دراما قوية ومؤثرة، ففى جملة واحدة كان سيد قطب تجسيدا لـ«الرومانسى المغترب المتطرف الذى فشل فى التكيف مع عالمه فأراد صنع بل اختلاق العالم كيفما يريد، عالم المثال الذى اتخذ له مظلة الدين أو العقيدة، مع السعى لإجبار البشرية للتعايش وفق هذا المثال»، كان سيد قطب فى النهاية ابن ثقافة الأربعينيات العاصفة ونزوعها الرومانسى المتطرف. بدون هذه الفكرة المحورية، لا يمكن فهم ولا استيعاب تعقيدات هذه الشخصية ولا عنف أفكارها وأثرها بعيد المدى، وهو فى ظنى ما لم يكن واضحا تمام الوضوح فى أذهان القائمين على العمل.

ربما يعود هذا فى جانب منه إلى اعتماد صناع المسلسل فى فترة التحضير والبحث على الكتابات ذات الطابع الصحفى التوثيقى، الكتابات المعنية بالتوثيق والتأريخ أكثر من تلك المعنية بالدرس والتحليل والتعمق الرصين. غاب، مثلا، الالتفات إلى كتاب شريف يونس المهم «سيد قطب والأصولية الإسلامية» (من وجهة نظرى، ربما يكون هذا الكتاب تقريبا أهم ما كُتب فعلا عن سيد قطب، تأريخا وتحليلا).. وللحديث بقية.