حسن أفلاطون.. فن الريادة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حسن أفلاطون.. فن الريادة

نشر فى : السبت 30 يونيو 2018 - 9:55 م | آخر تحديث : السبت 30 يونيو 2018 - 9:55 م

منذ فترة ليست بالبعيدة كنت أستقل تاكسيا قرب نادي الصيد وكان التاكسي يمر بشارع يسمى ميشيل باخوم، فسألت سائق التاكسي إن كان يعرف ميشيل باخوم فأجاب بالنفي، قلت له إنه قد قام بأشياء عظيمة، فسألني عنها وكان ردي "معرفش بس طالما فيه شارع على اسمه يبقى أكيد عمل حاجات عظيمة" وأخذنا نضحك على تلك "الألشة" لأني كنت أعرف عن الدكتور ميشيل باخوم أستاذ واستشاري الإنشاءات الهندسية العظيم لكن "القافية حكمت" كما يقولون!

نمر على شوارع كثيرة بأسماء ناس عظيمة ولكن لا نعرف عنهم شيئا، طبعا ليس كل من سمي شارع باسمه عظيم ولكن في الأغلب أسماء الشوارع تحكي بعض العلامات المضيئة من تاريخنا، إذا كنت من ساكني مصر الجديدة فهناك إحتمال أنك مررت بشارع حسن أفلاطون الذي يصل شارع النزهة بعمر بن الخطاب، حسن أفلاطون هو عالمنا وشخصيتنا اليوم والذي يعد من الرعيل الأول الذي درَس ودرّس علوم الحشرات في مصر.

ولد العالم الكبير في 24 نوفمبر سنة 1893، تلقى المراحل الأولى من تعليمه في سويسرا ثم توجه إلى إنجلترا وتحديدا جامعة كامبردج لدراسة علم الحشرات، توجه بعد ذلك سنة 1916 إلى الكلية الملكية الزراعية بمدينة جلوسستر (Gloucester) حيث حصل على دبلوم في علم الحشرات ثم ذهب إلى كلية واي الزراعية (Wye College) بمقاطعة كنت في إنجلترا ليحصل على دبلوم آخر في علم الحشرات، ونرى هنا تنقل هذا العالم الكبير بين الجامعات ليتعلم من أحسن الأساتذة آنذاك خاصة أن وسائل الاتصال لم تكن موجودة مثل أيامنا هذه ما استلزم السفر الكثير لتلقي العلم ممن برعوا فيه وعدم الاكتفاء بأستاذ واحد.

عاد العالم الشاب إلى مصر سنة 1919 ليعين في مدرسة الطب (القصر العيني) لتدريس علم الأحياء ثم انتقل لوزارة الزراعة سنة 1923 أولا وكيلا لقسم الحشرات ثم مديرا له وأثناء ذلك طور القسم وجعله أول قسم بحثي لعلوم الحشرات في مصر.. نرى هنا الريادة في اختيار التخصص والريادة في نقل هذا العلم الجديد لمصر.

انتقل حسن أفلاطون إلى كلية العلوم بجامعة القاهرة سنة 1928 على درجة أستاذ مساعد بقسم علم الحيوان الذي كان يقوم بتدريس علوم الحشرات ضمن مقرراته في ذلك الوقت، ثم رقي العالم كبير إلى أستاذ كرسي علم الحشرات كأول أستاذ كرسي لهذا العلم سنة 1930.

وإذا نظرنا إلى الريادة العلمية في علم الحشرات في مصر سنجد ما فعله العالم الكبير هو فعلا التطبيق العملي لمعنى الريادة فإليه يرجع الفضل في إنشاء أكبر مجموعة حشرية في مصر وقد جمع العينات من مناطق مختلفة في مصر خلال رحلات قام بها بنفسه في الصحراء الغربية والشرقية وغيرها من المناطق وقام بإنشاء متحف للحشرات بالكلية (وقد صممت قاعته على غرار إحدى قاعات متحف اللوفر بفرنسا) وإنشاء أول درجة بكالوريوس في علم الحشرات بكلية العلوم ويوجد بمكتبة القسم جزء خاص هو مكتبة حسن أفلاطون وتخرج على يديه الرعيل الأول من طلبة الدراسات العليا في هذا التخصص ناهيك عن عدد كبير من الأبحاث الرائدة رفيعة القيمة العلمية.. ونتيجة لذلك حصل على جائزة الدولة سنة 1950.

على المستوى الإداري عين عالمنا الكبير وكيلا لكلية العلوم ثم عميدا لها سنة 1950 وحتى 1953 ويعتبر ثاني عميد مصري لكلية العلوم بعد الدكتور علي مصطفي مشرفة (والذي كان عميداً من 1936 وحتى 1950).

توجد معلومة طريفة عن لقب العائلة: أفلاطون وترجع لأيام محمد علي باشا الكبير حيث كان يراجع أسماء طلبة المدرسة العسكرية فاستوقفه اسم "حسن إسماعيل عبد الله الكاشف" (الجد الأكبر لعائلة عالمنا الكبير) الذي كان بجانبه كلمة أفلاطون بين قوسين، وعندما تسائل محمد علي باشا الكبير عن ذلك قيل له أنه لقب أطلقه عليه زملائه لكثرة أسئلته ومناقشاته حيث كان من الطلاب النابهين الذين تم اختيارهم ضمن المبعوثين المتفوقين الذين أرسلهم محمد علي في بعثة تعليمية إلى فرنسا، فرد محمد علي أنه لا بأس أن يكون عندنا أفلاطون.. فأصبح اللقب رسميا!

جدير بالذكر أن حسن أفلاطون قد رزق من زيجته الأولى من البنات ثلاثة منهم الفنانة التشكيلية الكبيرة إنجي أفلاطون (ولها باع كبير في الفن التشكيلي والنضال اليساري والمعتقلات أيضا!) وشقيقتها جلبري أفلاطون وشقيقتهما الفنانة التشكيلية زهرة أفلاطون.

رحم الله العالم الكبير حسن شاكر أفلاطون الذي رحل عن دنيانا في 16 مايو 1957.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات