في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة في العمل العربي المشترك، دعت «الشروق» عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات «حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك.. شروط القيادة» تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر «الشروق».
طرحت الشروق حوارا حول الأحق بقيادة العمل العربي المرحلة القادمة، شارك فيه نخبة من رجال الفكر والقلم طرحت خلاله أطروحات وإن اختلفت لكنها أوضحت اهتمام النخبة بقضية العمل العربي المشترك ورغم ثراء الأطروحات إلا أنني أعتقد أننا تناولنا الموضوع من منظور غير صحيح من غير نقطة البداية الصائبة، وأعتقد قبل تناول الأحق بقيادة العمل العربي المشترك كان علينا أن نحدد الغرض منه وكيفية إدارته وتوجيهه فصرنا كمجموعة من البحارة يتصارعون على رصيف الميناء على من هم الأحق بأن يكون قبطانا لسفينة تخلو من بوصلة وخرائط ودفة ولا يعلمون وجهتها وغدونا كمن وضع العربة قبل الحصان.
لقد نشأت أجيال الخمسينات والستينات عندما كانت الوحدة العربية من المسلمات وكان مجرد التشكيك فيها ناهيك عن إنكارها بمثابة الكفر والخيانة، وكانت أهدافها واضحة ومحددة تحرير الأراضي من الاستعمار وتحرير فلسطين. اليوم أصبحت الدول التي تمثل غلاة الاستعمار هى الدول التي وقفنا نراقبها وهى تقذف ليبيا لتسقط القذافي وتقصف العراق لتسقط صدام ولم تعد إسرائيل هى الدولة التي نريد أن نحرر فلسطين منها لكنها الدولة التي يهرول إليها البعض لحمايتهم من إيران وبعد أن كنا ننادي بمقاطعة البضائع الأمريكية صرنا نلهث لرفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عنا.
***
لقد صور عبدالحليم حافظ في أحد أغانيه الوحدة بأنها راية مزينة بستة عشر نجمة، عدد الدول العربية وقتها، دون أن نفكر في كيفية تحقيق هذا الحلم هل سنسلك طريق ملك الشمس لويس الرابع عشر ونابليون وهتلر الذين سعوا إلى توحيد أوروبا بالسيف وعلى أسنة الرماح أم طريق الاتحاد الأوروبي الذي نجح في تحقيق الحلم بربط المصالح الاقتصادية وبالأسلوب السلمي. لدينا تجارب عربية في أسلوب تحقيق الوحدة، أسلوب صدام حسين الذي احتل الكويت بالقوة وأسلوب البعث السوري الذي ظل يرفض تبادل السفراء مع لبنان لأنه يرى أن لبنان جزء من سوريا وظل يمارس كل الضغوط العسكرية والاقتصادية والمخابراتية لتحقيق ذلك، لدينا أسلوب المسيرة الشعبية التي جربها القذافي وتصدى له السادات وجربتها المغرب في الصحراء فتصدت لإسبانيا. لدينا تجربتان في مصر تجربة مع السودان التي أخذناها كمسلمة بأننا القادة وهم التابعون فلم يمثل السودانيون في برلمان الملكة فلما توفر حق تقرير المصير اختاروا الانفصال. ولدينا تجربة سوريا التي ارتكبنا نفس الخطأ معها وأخذنا حقنا في القيادة كأمر مسلم وأرسلنا عبدالحكيم عامر لإدارة سوريا وكأنها خلت من الكفاءات وليته كان كفئًا ولكنه أفسد في الأرض وكان الانفصال هو النتيجة. ولدينا تجربة اليمن شماله وجنوبه اللذان توحدا سلما وانفصلا حربا ثم توحدا سلما ويسعيان للانفصال مرة أخرى حربا!.
وإذا نجحنا في توحيد الأمة من المحيط إلى الخليج فكيف نديرها؟ هل بالأسلوب القمعي الوحشي الذي اتبعه صدام في العراق والأسد في سوريا والقذافي في ليبيا أو بالنظام الطائفي والمحاصصة الذي اتبعه لبنان ويطبق في عراق ما بعد صدام أم بالأسلوب العنصري الذي اتبعه السودان وأدى إلى انفصال جنوبه والتهاب غربه وشرقه. واقتصاديا كيف يكون نظام الدولة هل تكون دولة الفوارق الشاسعة بين قلة متخمة يسخر من بزخها العقلاء وأغلبية لا تكاد تجد الكفاف أم اشتراكية تصادر أملاك الأثرياء، وبعضهم جمع ثروته بِكدّه الذي أفاد المجتمع، وتوزيعها على الفقراء أم اشتراكية مثل دول الشمال التي قاربت بين الطبقات بنظام ضريبي سويّ وإقامة دولة الرخاء التي أتاحت أساسيات الحياة من تعليم وصحة وإسكان ورعاية اجتماعية للجميع.
وأخيرا وليس آخرا ما هو الهدف من إقامة هذه الدولة الكبرى التي تمتد من المحيط إلى الخليج والتي يقطنها 420 مليون نسمة وفيها من الخيرات ما يجعلها مطمعا للكثيرين هل هو تحرير فلسطين من إسرائيل التي تصالحت معها أو محاربة الاستعمار الذي ما عدنا نحاربه أو إقامة الدولة التي تحدث حزب البعث عنها دولة عربية واحدة ذات رسالة خالدة دون أن يوضح قواعد هذه الدولة أو رسالتها الخالدة وهل يكون شعارها حرية اشتراكية وحدة كما قال الناصريون أو وحدة اشتراكية حرية كما قال البعث.
***
هناك كثير من الأمور التي لابد من تسويتها وتعريفها والاتفاق عليها قبل أن نتصارع على من له حق القيادة.