لماذا كان الرئيس شديد الغضب والانفعال، وهو يتحدث عن استمرار التعديات على الأرض الزراعية، ومخالفات البناء عليها وعلى أراضى الدولة، يوم السبت الماضى، أثناء افتتاح بعض المشروعات القومية بمحافظة الإسكندرية؟!
الإجابة: لأن التعديات لاتزال مستمرة، رغم العديد من الإجراءات واللجان والتنبيهات والتحذيرات من الرئيس شخصيا، طوال السنوات الثلاث الماضية.
السؤال الثانى: هل غضب الرئيس كان موجها للمخالفين، أم للمسئولين المهملين أم للطرفين معا؟
تصعب الإجابة الدقيقة، وإن كنت أظن أن الغضب الأكبر كان موجها للمسئولين، حيث طالبهم بأن يكونوا «رجالا» أو يتركوا مناصبهم.
السؤال الثالث: هل استمرار هذه التعديات يمثل مفاجأة، رغم أن الرئيس شخصيا هو من يتصدى لهذه القضية؟!
الإجابة هى: لا، والسبب أن تحالف أو لوبى الفساد بين المخالفين وغالبية مسئولى المحليات، وصل إلى درجة من التغول، بحيث إنه يسخر كل إمكانياته، لإجهاض تطبيق القانون.
هذا المعنى كتبت عنه، يوم الأحد ١٩ يوليو الماضى تحت عنوان: «كيف سيتعامل السيسى مع مافيا المحليات؟!
يومها قلت بوضوح إنه من سوء الحظ أن وحش الفساد خصوصا فى قطاع المحليات قد ترسخ وتعملق، وسألت يومها: كيف سيتمكن الرئيس السيسى من ترويض هذا الوحش؟!
قلت أيضا إن علينا توقع مقاومة شديدة من لوبى كبير سيتضرر من الحملة، والسبب أنه لا يمكن تصور وجود مخالفين فى أى مكان، من دون وجود مسئولين سهلوا لهم ارتكاب هذه المخالفات.
ومن الواضح أن محاولات الفاسدين مقاومة تطبيق القانون، تزداد شراسة، والدليل هو اللغة الغاضبة التى تحدث بها الرئيس، ووصلت إلى حد قوله: «ما يحدث من تعديات خراب للدولة.. أنا مش عارف اعمل إيه، إسكان وعملنا وهنعمل. لكن لن أسمح أبدا إننا نهد بلدا ونضيعها كده. لو لزم الأمر هخلى الجيش ينزل على قرى مصر. ويا نوقف التعديات ونبقى دولة مضبوط، يا إما أسيب مكانى وأمشى من هنا، لحد تانى يضيعها أو يخربها، أو نستفتى إننا نسيب الكلام ده. لو مش عايزنى معنديش مشكلة.. لكن مستحيل أقعد من غير إصلاح».
عمليا فإنه حينما تطلب الحكومة من مواطنيها التزام القانون، فلابد أن تهيئ لهم ظروفا، لا تجعلهم يضطرون لمخالفة القانون. فحينما تمنع مواطنا من ركن سيارته فى مكان ممنوع، فالمنطقى أن تكون هناك أماكن قانونية كافية، وإذا طالبتهم بعدم البناء على الأرض الزراعية، فلابد أن تكون المناطق الأخرى الصحراوية مهيأة ومرفقة، أو يكون هناك فائض من المساكن فى أماكن قابلة للحياة والعمل. لا يكفى فقط أن نبنى مدينة سكنية فى منطقة صحراوية، وأقول للناس اذهبوا واسكنوا فيها من دون وجود مظاهر الحياة من مدارس ومستشفيات وطرق ومصانع يعمل فيها الناس.
حينما يحدث ذلك يحق للدولة أن تعاقب المخالفين بأقصى قدر من الصرامة، والدولة تقول إنها وفرت العديد من المدن والطرق الجديدة، وبالتالى فلا عذر للمخالفين للتعدى على أراضى الدولة أو البناء العشوائى.
لكن من الواضح أن المشكلة الحقيقية تتمثل فى أن بعض المخالفين يعتقدون أن المخالفة صارت حقا مكتسبا، اضافة إلى أن عددا كبيرا من المسئولين الذين يفترض أنهم يطبقون القانون ويمنعون المخالفات، هم السبب الرئيسى فى حدوث هذه المخالفات.
فى اعتقادى أن واحدة من أخطر الأمراض التى هاجمت الجسد المصرى منذ عام ١٩٧٤، هى شيوع ثقافة الفساد والإفساد. المسئول صار يبرر لنفسه الفساد بحجج مختلفة، والمواطن يبرر ذلك حتى يقضى مصالحه بسرعة.
ومن «تصبيحة بجنيه» إلى رشوة بملايين الجنيهات، صارت المسألة ثقافة عامة للأسف، ويندر أن ينجو منها مواطن أو مسئول إلا من رحم ربى.
السؤال: هل لكى نحل المشكلة، نقوم بإنهاء خدمات كل المسئولين الفاسدين أو سجنهم أو حتى إعدامهم؟!
الإجابة صعبة؛ لأن المشكلة الحقيقية ليست فى المسئولين الحاليين، بل فى الثقافة العامة التى تعيد إنتاج هذا الفساد، فالقوانين موجودة، لكن المشكلة فى طرق الثغرات والتحايل والالتفاف عليها. نحتاج لتغيير كبير فى المنظومة القيمية بأكملها، بحيث يصل للجميع أن أى مخالف للقانون لن ينجو من العقاب ولكى يتحقق ذلك فإن القوة وحدها لا تكفى حتى لو نزل الجيش لكل القرى كما هدد الرئيس. نحتاج أن يمارس مجلس النواب دوره الحقيقى، ونحتاج التوسع فى الإنتاج والتنمية وإعلاء قيم الشفافية والمحاسبة والمتابعة للجميع وفى مقدمتهم كل أعضاء الحكومة، حتى يشعر المواطن بأن القانون يطبق على الجميع.