نظرة على المستقبل - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نظرة على المستقبل

نشر فى : السبت 30 سبتمبر 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 30 سبتمبر 2017 - 9:30 م
كنت أقرأ كتاب "العالم عام 2050" للمفكر الكبير الدكتور جلال أمين والذي أعشق منطقه العقلاني في تحليل الكثير من الأمور، هذا الكتاب دفعني إلى التفكير فيما سيكون عليه حال التعليم في المستقبل البعيد وكذلك حال التكنولوجيا.

محاولة استشراف المستقبل قد تبوء بالفشل في كثير من الأحيان فمثلاً شركة ماكينزي الاستشارية العملاقة وهي من أكبر الشركات الاستشارية في العالم أخطأت خطأ كبيرا عندما أشارت على شركة AT&T بأنه على سنة 2000 لن يزيد عدد مستخدمي التليفون المحمول عن تسعمائة ألف، الفارق بين نبوءة شركة ماكنزي والحقيقية 108 مليون شخص!!

توماس إيديسون قال سنة 1889 إن "استخدام التيار المتردد مضيعة للوقت ولن يستخدمه أحد"، والآن نحن لا نستخدم إلا التيار الكهربي المتردد، عندما توصل أي جهاز كهربي في "فيشة الكهرباء" فما تستقبله هو التيار الكهربي المتردد (اكتشاف العالِم والمخترع العبقري نيكولا تسلا)!
"أعتقد أن العالم قد يحتاج ربما إلى خمسة أجهزة كمبيوتر"، قالها سنة 1943 توماس واطسون مؤسس شركة IBM!

"لا أعتقد أن شركة آبل ستنجح في بيع تليفون الآيفون للكثير من الناس"، هي مقولة ستيف بالمر المدير التنفيذي الأسبق لشركة مايكروسوفت سنة 2007! 

كل هذه الأمثلة تدل على مدى صعوبة التنبوء بما ستكون عليه التكنولوجيا في المستقبل البعيد حتى من المخترعين والمفكرين الكبار لأن تطور التكنولوجيا يعتمد على عناصر كثيرة مثل التطور العلمي والحالة الإقتصادية والحالة السياسية ومن الصعب جدا الإلمام بكل التفاصيل وتفاعلها مع بعضها ولكننا في هذا المقال سنحاول النظر إلى ما نظن ستكون عليه التكنولوجيا وتأثيرها على التعليم وإذا كانت نظرتنا خاطئة فلسنا أفضل ممن ذكرنا!

نحن في عصر الذكاء الصناعي والكمية الضخمة من المعلومات (Big Data) فتقريبا كل ما نستخدمه من أجهزة إلكترونية من تليفون وتابلت ولابتوب وحتى ساعة اليد والتليفزيون تجمع عنك كل تفصيلة من نشاطك وتغذي بها أجهزة كمبيوتر عملاقة تحللها ثم تعطيك من الإعلانات والخدمات ما يلائم طبيعتك (وطبعا لهذه المعلومات استخدامات أخرى!)، سيستمر هذا النمط ويتطور لأن الأجهزة ستزداد ذكاء وستكثر المعلومات التي تجمعها عنك وسيكون التعامل مع أجهزة الكمبيوتر أكثر طبيعية (بالصوت والصورة وكذا الحركة)، واتصال أجهزة الكمبيوتر العملاقة والصغيرة على حد سواء ببعضها سيجعلها أشبه بكميوتر واحد عملاق يشمل الكرة الأرضية وشديد الذكاء، لا نريد أن نشطح ونقول مثلما تقول أفلام الخيال العلمي (بل وبعض كبار العلماء ورجال الصناعة مثل إيلون ماسك) بأن أجهزة الكمبيوتر ستتفوق على الذكاء البشري وتتحكم في كوكب الأرض وتحتله فذلك لن يحدث لأسباب عدة مكانها مقال آخر فللذكاء البشري قدراته التي لن تصل إليها أجهزة الكمبيوتر.

نتيجة لهذا التطور فستختفي الكثير من المهن التي تحتاج إلى مجهود عضلي بالإضافة إلى بعض المهن التي تحتاج إلى ذكاء متوسط أو بسيط وهذا معناه أن الجيل الجديد سيحتاج تعليما متقدما وإلا لن يجد عملا. فماهو تأثير التكنولوجيا على مجال التعليم؟ وكيف سيتطور التعليم؟

لكل طالب طريقته في التعلم ولكل طالب طريقة في استمالته للتعلم، لذلك استخدام الطريقة الواحدة من وجود أستاذ يشرح في قاعة محاضرات أمام العديد من الطلاب وبطريقة واحدة ليست هي أفضل الطرق للتعليم، قلنا إن أجهزة الكمبيوتر تجمع عنك تقريبا كل شئ لتعطيك سلع وخدمات تلائمك، استخدام هذه الخاصية نفسها ستجعل أجهزة الكمبيوتر تعطي الطالب المادة العلمية بطريقة تلائمه وتلائم طريقته في التعاطي مع العلم كأن لكل طالب مدرس خصوصي لا يكل ولا يمل ويتكلم معك بطريقتك وعقليتك، وهذا سيحتاج الكثير من المجهود ليس فقط في التكنولوجيا نفسها ولكن في وضع المناهج وطرق الامتحانات، أعتقد أنه في المستقبل ستزول الحواجز بين المواد المختلفة وسيرى الطالب كيف أن كل شئ مرتبط ببعضه وهذا سيؤدي إلى إزالة الحواجز بين الأقسام الجامعية، إذا كان نيوتن حيا بيننا ففي أى قسم في الجامعة سيكون: الرياضيات أم الفيزياء أم الميكانيكا؟

ستكون مهمة الأستاذة هي البحث العلمي والمناقشة مع الطلاب في أبحاث الماجستير والدكتوراه لأن أجهزة الكمبيوتر ستتمكن من وضع الامتحانات بنفسها، قد تظن أن هذا ضربا من الخيال ولكن هل تعلم أنه بإمكان الكمبيوتر الآن تأليف مقطوعة موسيقية ورسم لوحة فنية؟

التأثير السلبي الأساسي لكل ذلك هو تراجع الحياة الاجتماعية والعائلية، أصلا من الآن إذا وجدت اجتماعا عائليا ستجد أن كل فرد من العائلة مشغول بالنظر في شاشة تليفونه المحمول ومع ازدياد قوة وتأثير أجهزة الكمبيوتر فالتعامل بين الناس سيقل. كما قال الدكتور جلال أمين في كتابه الذي أشرنا إليه أن التقدم في فرع من فروع الحياة سيوازيه تأخر في فرع آخر.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات