أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه حملة المشير السيسى الرئاسية، هو الركون إلى اعتبار أن المعركة محسومة، وأن فرص حمدين صباحى فى الفوز بالسباق معدومة.
أعرف أن شعبية السيسى جارفة، وأن ملايين المصريين ـ وأنا منهم ـ يعقدون عليه آمالا كبارا فى العبور بالبلاد من هذا النفق المظلم، لكن الأوراق التى يملكها صباحى كمنافس وحيد حتى الآن، أكثر من تلك التى يملكها السيسى بعكس ما يتصور كثيرون.
يعرف حمدين أن فرصه فى الفوز بالرئاسة ضئيلة، ومن ثم فليس لديه ما يخسره.
بوسعه إذن أن يسرف فى الوعود، بإمكانه أن يرفع ما يشاء من شعارات، وأن يتبنى ما يشاء من برامج حتى لو كان يعرف مسبقا انها غير قابلة للتطبيق، لأن أحدا لن يطالبه بتطبيقها، لأنه ببساطة لن يفوز بالرئاسة.
بوسعه أن يعد الناخبين بالقضاء على الفقر والبطالة وإصلاح حال التعليم والصحة والإسكان ومضاعفة الدخول، دون أن يكون مطالبا بتقديم أى أساس واقعى لتجاوز هذه المشكلات، بعكس السيسى، الذى سيحاسبه الناخبون على وعوده، وسيطالبونه بجداول زمنية لتحقيقها، وهو ما يحد من قدرته على الإسراف فيها، لأنه سيفكر مرات فى الكيفية التى تمكنه من الوفاء بها، وسيبقى سؤال الموارد ضاغطا ولحوحا قبل أى خطوة فى هذا الاتجاه.
هذا يعنى أن قدرة حمدين على تبنى خطاب شعبوى جاذب للناخبين ستكون أكبر، بما فى ذلك إعلانه الاستعداد لقطع العلاقات مع إسرائيل وإلغاء اتفاقية السلام، وغيرها من العناوين التى «تأكل» مع الناس، فتزيد من شعبية صاحبها دون كلفة حقيقية، مادام سيبقى فى مقاعد المتفرجين.
سيكون السيسى مطالبا بمصارحة الشعب بالحقائق مهما كانت مؤلمة، وخصوصا الأوضاع الاقتصادية، وهو أمر سيقترن دوما بضرورة مضاعفة الجهد والعمل والانتاج، فيما يمكن لصباحى أن يكتفى بالحديث عن الفساد وموارد الدولة المهدرة والأغنياء الذين يمصمصون عظام الفقراء، وهو خطاب ينطوى على أمور صحيحة ولاريب، إلا أنه لايعكس سوى جانب واحد من الصورة.
سيركز حمدين طوال الوقت على أنه مرشح الثورة المدنى، وهما صفتان لعب عليهما قبله مندوب الإخوان فى الاتحادية محمد مرسى، الذى لم يترك مناسبة إلا وذّكّرنا فيها بهاتين الميزتين، ولا أقصد هنا المقارنة بين حمدين ومرسى فشتّان بينهما، لكننى فقط أؤكد أن الزّى أيا كان، ليس دليلا على تبنى أهداف الثورة، كما أحذّر من أن المغالاة فى هذا الادعاء، قد تقود إلى تبنى أنصار حمدين هذا الشعار البذىء الذى سبقهم إليه الإخوان «يسقط حكم العسكر».
يعرف حمدين أن كونه منافسا وحيدا يمنحه «دلالا» من نوع خاص، وأن وجوده فى السباق الرئاسى هو مايمنحه مشروعية الانتخاب، وعليه، فإن حملته ستبقى سيف الانسحاب مسلطا على رقاب المنافس طوال الوقت، للحصول على نصيب أكبر فى التغطية الإعلامية ومتابعة أنشطة مرشحها فى أقاليم مصر، وهو أمر لن يكون متاحا للسيسى الذى لن تتضمن حملته جولات واسعة فى المحافظات.
وقد لايمنع ذلك كله حمدين من الانسحاب فى أى مرحلة من مراحل السباق، بزعم غياب الحياد أو عدم اطمئنانه لإجراءات النزاهة والشفافية، بعد أن يكون قد حقق المكاسب «الشعبوية» التى يتصورها، وهو احتمال لايمكن استبعاده.