- إيان لوستيك: النظام الإسرائيلي خارج عن القانون يتظاهر بأنه ديمقراطي ليبرالي
وصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، إيان لوستيك، النظام السياسي الإسرائيلي بأنه نظام خارج عن القانون يتظاهر بأنه ديمقراطي ليبرالي، مشيرا إلى ارتكاب هذا النظام إبادة جماعية في غزة بجانب اضطهاده للفلسطينيين في الضفة الغربية عبر نظام فصل عنصري ورفضه على مدى أكثر من 75 عاما تقديم أي خطة للسلام، طارحا تساؤل عما إذا كان هذا النظام لا يزال يستحق البقاء، مستعرضا مسارات لتحولات عميقة لازمة لظهور نظام جديد في إسرائيل.
** الإبادة في غزة والاضطهاد والفصل العنصري في الضفة
واستهل لوستيك مقاله المنشور على الموقع الإلكتروني لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية بالقول إن بعض الأشخاص حول العالم، بمن فيهم يهود كانوا تقليديا داعمين لإسرائيل، يسألون أو يتلقون أسئلة عما إذا كانت إسرائيل ما زال لها حق في الوجود.
وأوضح لوستيك أن "شيوع هذه النقاشات الخاصة والعامة نتيجة حرب غزة وما رافقها من مستويات إبادة جماعية من العنف والدمار، إضافة إلى هجوم إسرائيل على إيران وتوسعها في سوريا، ورفضها تقديم أي خطة للسلام مع جيرانها، فضلا عن اضطهادها للفلسطينيين في الضفة الغربية عبر نظام فصل عنصري شبيه بنظام جيم كرو"، في إشارة إلى نظام للفصل العنصري والفصل بين الأعراق في الولايات المتحدة، خاصةً في الجنوب، استمر من أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.
وتابع لوستيك أن إجابته عن هذا السؤال تتمثل في أن "إسرائيل لها حق في الوجود، لكن نظام الامتياز الصهيوني-اليهودي القائم في إسرائيل قد لا يكون له هذا الحق"، على حد تعبيره.
وأكد أستاذ العلوم السياسية الأمريكي المتخصص في شئون الشرق الأوسط ضرورة التمييز بين الدولة والنظام والحكومة، معتبرا أن هذا التمييز يمكننا من فهم مصير الدول التي حولتها سياساتها إلى منبوذة دوليا.
** استبدال أنظمة دول المحور بعد الحرب العالمية الثانية
وعاد الأكاديمي الأمريكي المرموق إلى التاريخ متحدثا عن مصير دول المحور، خاصة ألمانيا، قائلا إنه مصير يُبرز الفرق بين موقف المجتمع الدولي تجاه حق الدولة في الوجود وحق النظام الحاكم داخلها في الاستمرار.
وأشار إلى أنه دول الحلفاء احتلت ألمانيا وإيطاليا واليابان، ثم سُمح للدول الثلاثة لاحقا بالانضمام إلى الأمم المتحدة كدول شرعية، ولكن فقط بعد استبدال الأنظمة النازية والفاشية والإمبراطورية التي دفعت تلك الدول إلى الحرب.
ونوه لوستيك بأن خطة مورجنثاو عام 1944 (مقترح وضعته الولايات المتحدة لإضعاف ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية) توضح إلى أي مدى كان هناك تحفظ شديد تجاه إعلان أي دولة بلا حق في الوجود وإنهاء كيانها بالكامل.
وأشار إلى أنه يمكن استبدال الأنظمة من دون إنهاء وجود الدول التي تحكمها، فاليوم، تعيش أوروبا الوسطى مع دولة ألمانية واحدة، كبيرة، مزدهرة وقوية عسكريا، دولة لا يشكك أحد في حقها بالوجود، وحكوماتها تحظى باحترام دولي لأنها نتاج نظام شرعي.
** عشرات اللوائح التمييزية ضد عرب 48 في إسرائيل
تطرق أستاذ العلوم السياسية الأمريكي إلى وضع إسرائيل، قائلا إنها دولة أنشأتها الحركة الصهيونية، واعترفت بها دول العالم عام 1948. وقد أصبحت المؤسسات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الصهيونية آنذاك هي النظام الأول والوحيد حتى الآن في إسرائيل.
وأشار لوستيك إلى أنه نظام قانوني وأيديولوجي يقوم على التظاهر بكونه ديمقراطية ليبرالية، لكنه مكرس قبل كل شيء لخدمة اليهود وتعزيز وجودهم ونفوذهم، موضحا أنه منذ عام 1948 وحتى عام 1966، كان المواطنون العرب في إسرائيل يخضعون لحكم عسكري ساعد في مصادرة معظم أراضيهم.
وبعد إلغاء الحكم العسكري عام 1966، واصلت الوزارات المختلفة، عبر أقسام خاصة بـ "الشئون العربية" وتنسيق أمني، تنفيذ سياسات قائمة على التمييز والتبعية والتقسيم ضد العرب.
ونوه بأنه منذ عام 1967، يعيش أكثر من 5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت احتلال عسكري بأشكال متعددة، مع نهب متزايد لمواردهم المائية وأراضيهم من قبل إسرائيل والمستوطنين الإسرائيليين، كما أنهم يواجهون إفقارا منهجيا ويتعرضون لعنف من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين يتراوح بين الإذلال اليومي إلى الإبادة الجماعية.
وأشار أستاذ العلوم السياسية الأمريكي إلى أنه حتى المليوني عربي الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية (عرب 48) يواجهون عشرات القوانين واللوائح التمييزية ضد غير اليهود -وبخاصة العرب- في إسرائيل إما بشكل صريح أو ضمني.
ففي عام 2018، سنّ الكنيست الإسرائيلي أقرب ما يكون إلى بيان دستوري لطبيعة نظامه السياسي، وهو "قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي".
وأكد هذا القانون أن حق تقرير المصير في البلاد هو لليهود فقط، واعتبر الاستيطان اليهودي "قيمة وطنية"، كما جرّد اللغة العربية من مكانتها كلغة رسمية.
وأوضح القائمون على هذا القانون نواياهم من خلال رفض التعديلات التي أشارت إلى مساواة جميع المواطنين.
ورأى الأكاديمي الأمريكي أنه "على الرغم من أن النظام الإسرائيلي نجح في إنشاء مؤسسات فعالة واقتصاد ديناميكي وجيش قوي، فإنه فشل في إنتاج حكومات قادرة على تحقيق السلام مع جيرانها على أساس حلول عادلة، ولو بالحد الأدنى، للكارثة الفلسطينية التي رافقت تأسيس إسرائيل وتوسعها".
وتابع: "هنا تكمن المعضلة الحقيقية. فحكومة إسرائيل ترفض إنهاء حربها التي تبدو تارة وسيلة لحماية المسار السياسي لرئيسها (بنيامين نتنياهو)، وتارة انتفاضة غضب انتقامية غير مجدية، وأحيانا حملة تطهير عرقي متصاعدة بشكل واضح.
وأكد لوستيك أن أخبار الأطفال الجائعين الذين يُقتلون برصاص الجنود الإسرائيليين أثناء محاولتهم البحث بيأس عن الطعام تثير تساؤلات عما إذا كان على الأفراد أو المجتمع الدولي أن يواصلوا التعامل مع النظام الإسرائيلي بوصفه نظاما شرعيا، وهو النظام الذي أنتج الحكومة التي تُبيد المجتمع الإنساني في غزة.
** إسرائيل جعلت حل الدولتين مجرد سراب
ورأي لوستيك أن السؤال الحقيقي، الذي يستحق اهتماما ونقاشا من اليهود وغير اليهود على حد سواء، هو ما إذا كان النظام، الذي حكم الدولة منذ نشأتها، قد فقد حقه في الوجود، أي أنه لم يعد قادرا على المطالبة باحترام وامتثال الآخرين لقرارات حكوماته.
وأشار إلى أن انجراف إسرائيل نحو اليمين القومي المتشدد واليمين الديني، والتوسع الكبير في الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، والانهيار شبه الكامل لحركة السلام الإسرائيلية، جعل حل الدولتين مجرد سراب.
ونوه بأنه لمدة ثلاثة أرباع قرن، أظهر النظام الإسرائيلي عجزه عن الاندماج مع الفلسطينيين أو الوصول إلى سلام متحضر معهم، ومن هنا يصبح مشروعا طرح السؤال عما إذا كان هذا النظام لا يزال يستحق البقاء.
ورأى أستاذ العلوم السياسية الأمريكي أن "طرح هذا السؤال أو حتى التوصل إلى إجابة سلبية لا يعني اعتبار القومية اليهودية فكرة غير شرعية أو إقصائية بطبيعتها؛ فمثل كل الحركات القومية، فإن القومية اليهودية، وحتى الصهيونية باعتبارها أحد أشكالها، هي نسيج متنوع ومعقد"، على حد قوله.
واعتبر لوستيك أن التحولات العميقة اللازمة لظهور نظام جديد في إسرائيل يمكن أن تأتي من هزيمة عسكرية، أو ثورة اجتماعية، أو انتفاضة داخلية وهي السيناريو الأكثر ترجيحا نتيجة تعبئة شعبية تدريجية ولكن عميقة الأثر، خاصة إذا حظيت بدعم المجتمع الدولي المستعد لقطع علاقاته مع النظام الإسرائيلي الخارج عن القانون.