ـ خبراء دوليون اعتبروا في أحاديث للأناضول أن الخطة تهدف إلى حشر الفلسطينيين في منطقة مغلقة ما يعد تتويجا لسياسة الإبادة الجماعية في غزة
ـ جون كويغلي الخبير بالقانون الدولي: إجبار الفلسطينيين على التمركز في منطقة معينة يعد خرقا خطيرا لحقوق الإنسان
ـ نمر سلطاني، عضو كلية الحقوق في جامعة سواس بلندن: إسرائيل تنوي حصر الفلسطينيين في مساحة تقل عن 20 بالمئة من القطاع
ـ المتحدث السابق لوكالة الأونروا كريستوفر غانيس: إذا لم يقرر الناس المغادرة فإن إسرائيل ستقتلهم جوعا
حذر خبراء دوليون من أن معسكر الاحتجاز الذي تنوي إسرائيل تنفيذه في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة تحت اسم "المدينة الإنسانية"، خطة لتهجير الفلسطينيين قسرا، وقتل من يرفض المغادرة منهم جوعا أو بالرصاص.
وأكد هؤلاء الخبراء في أحاديث للأناضول، أن هذه الخطة تمثل خرقا سافرا للقانون الدولي، وهي "ذروة الإبادة الجماعية" التي تواصل إسرائيل ارتكابها في حق الفلسطينيين منذ أكتوبر 2023.
والأسبوع الماضي، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن ملامح خطة جديدة لإقامة معسكر احتجاز سماه "مدينة إنسانية" مكونة من خيام على أنقاض رفح، تتضمن نقل 600 ألف فلسطيني إليها في مرحلة أولى بعد خضوعهم لفحص أمني صارم، على ألا يُسمح لهم لاحقا بمغادرتها.
ويأتي المقترح في وقت تواصل فيه إسرائيل حصار غزة وإغلاق المعابر، ولا تسمح إلا بدخول كميات شحيحة جدا من المساعدات، لا تتناسب مع احتياجات الفلسطينيين.
كما لعبت مؤخرا، دورا مشبوها، من خلال تعاملها مع "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تبين أنها تنصب "مصائد موت" للمجوّعين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل خلال اصطفافهم بطوابير، ما دفع حركة حماس إلى حظر المؤسسة ومنع التعامل معها.
** انتهاك جسيم للقانون الدولي
البروفيسور جون كويغلي، الخبير بالقانون الدولي والأستاذ المتقاعد من جامعة ولاية أوهايو الأمريكية، قال إن الخطة الإسرائيلية تتعارض مع القانون الإنساني الدولي.
وأضاف كويغلي أن هذه الخطة تعد انتهاكا جديدا لواجبات إسرائيل بوصفها قوة احتلال في قطاع غزة.
وتابع: "القوة المحتلة ملزمة بحماية الحياة المدنية، ومحاولة إجبار السكان على التمركز في منطقة معينة تعد خرقا خطيرا لهذا الالتزام".
وانتقد تقديم إسرائيل خطتها على أنها "طوعية"، قائلا إن "الطريقة التي تصف بها إسرائيل هذا الوضع تعني ضمنا أن هؤلاء الناس سيقبلون طوعا ذلك المصير، لكن الأمر يشبه انتزاع إجابة طوعية من شخص يتعرض للتعذيب".
وشدد على أنه "لا يمكنك أن تدخل بلدا وتدمره ثم تسأل سكانه إن كانوا يرغبون طوعا في مغادرته".
ودعا كويغلي المجتمع الدولي وخاصة منظمة الأمم المتحدة، إلى التحرك لوقف هذا المخطط الإسرائيلي.
** تعريف حرفي لمعسكر الاعتقال
من جهته، قال الدكتور نمر سلطاني عضو كلية الحقوق في جامعة "سواس" بلندن، إن تصريحات إسرائيل تظهر نيتها الواضحة في "نقل من نجا من المجازر والمجاعة قسرا إلى منطقة صغيرة وإبقائهم فيها ومنعهم من الخروج".
واعتبر أن الخيار غير متاح للمدنيين، وسيجري وضعهم في سجن أو "غيتو" خاضع لسيطرة إسرائيل، وهذا بالضبط هو التعريف الحرفي لمعسكر الاعتقال.
ومعسكر الاحتجاز المزمع إنشاؤه برفح يعيد إلى الأذهان معسكرات الاعتقال النازية سيئة الصيت في أربعينيات القرن الماضي، وتسعى تل أبيب من خلاله لاحتجاز الفلسطينيين وتجويعهم لإجبارهم على الهجرة إلى الخارج، وفق مراقبين دوليين ووسائل إعلام عبرية، بينها صحيفة "هآرتس".
وأضاف الخبير الحقوقي أن إسرائيل تنوي حصر الفلسطينيين في مساحة تقل عن 20 بالمئة من مساحة قطاع غزة البالغة نحو 360 كيلومترا مربعا.
وتابع سلطاني: "هذا المعسكر يعد تتويجا لسياسة الإبادة الجماعية التي تشهدها غزة منذ أكتوبر 2023".
وأردف: "إسرائيل لم تترك للفلسطينيين في غزة مكانا آمنا للهرب، وفرضت ظروفا تؤدي إلى التدمير الجسدي لهم. الأدلة على ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية واضحة".
ومنذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 198 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.
** "الهجرة الطوعية" خدعة قديمة
وأشار سلطاني، وهو أيضا عضو مركز دراسات فلسطين في المملكة المتحدة، إلى أن عبارة "الهجرة الطوعية" لطالما جرى استخدامها في الأدبيات الصهيونية.
وأوضح: "تُستعمل هذه العبارة غطاء لطرد الشعب الفلسطيني من وطنه، من خلال إيجاد ظروف قهرية تدفع السكان للمغادرة".
وتابع: "أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري لعام 2024 هذه البيئة القهرية التي تحدثها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية".
وزاد: "الوزراء الإسرائيليون لطالما هددوا الفلسطينيين بنكبة جديدة حتى قبل تنفيذ المجازر. لا مفر من نتائج نية الإبادة الجماعية التي تحاول إسرائيل إخفاءها بكلمة (طوعي)".
** إسرائيل تقتل الفلسطينيين جوعا
وفي تقييمه للموقف، قال المتحدث السابق لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" كريستوفر غانيس، إنه لا يمكن الحديث عن "انتقال طوعي" في غزة.
وأوضح: "حين يُقصف الناس وتُدمر منازلهم ويفقدون القدرة على الوصول إلى المياه والمدارس والمستشفيات، لا يمكن الحديث عن انتقال طوعي إلى دولة أخرى. المكان الذي هم فيه سيتحول إلى معسكر اعتقال، وربما يكون قد أصبح كذلك بالفعل".
وأضاف المسؤول الأممي السابق أنه إذا لم يقرر الفلسطينيون المغادرة "فإن إسرائيل ستقتلهم جوعا. هناك أدلة كثيرة تشير إلى أن هذا ما يحدث بالفعل".
وأكمل: "من يبقى (في غزة) فإنه سيموت جوعا أو بسبب انعدام المياه النظيفة والمرافق الطبية والمأوى والملابس، كما هو الحال في معسكرات الاعتقال".
وأكد أن ما يحدث امتداد لخطة بدأت منذ 1948، قائلًا: "نكبة الفلسطينيين مستمرة، ومحكمة العدل الدولية أكدت أن الوجود الإسرائيلي في غزة المحتلة غير قانوني، لأنه ينتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويجب إنهاؤه بأقرب وقت".
** "إبادة جماعية نازية"
وتابع غانيس: "الدولة التي تمثل الشعب اليهودي، أي إسرائيل، تنفذ في غزة مجازر بأساليب نازية، وتقتل الناس جوعا، وتحرمهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء. ما نشهده هو إبادة جماعية على الطراز النازي ينفذها ضحايا الهولوكوست ضد الفلسطينيين".
وختم بالقول: "من المخزي أن تشارك دول مثل ألمانيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا في هذا الجُرم، لكن الشريك الأكبر يظلّ الولايات المتحدة. يجب على الأفراد والمنظمات والمؤسسات الرسمية أداء واجباتهم القانونية بموجب القانون الدولي".
** رفض أممي
ويواجه هذا المخطط رفضا أمميا، إذ قال المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني: "بحسب تصريحات لمسؤولين إسرائيليين هناك نية لتنفيذ عملية نزوح قسري واسعة النطاق جديدة للفلسطينيين في غزة باتجاه رفح".
وتابع المفوض العام لوكالة الأونروا، في منشور على منصة إكس، الأربعاء: "لا يمكننا الصمت والتواطؤ مع هذا النزوح القسري واسع النطاق".
كما قالت مديرة العلاقات الخارجية والإعلام في الأونروا تمارا الرفاعي، في تصريحات صحفية الخميس، إن تسمية هذا المكان "المدينة الإنسانية" تعد "إهانة لمبدأ الإنسانية لأنه لا يوجد أي جانب إنساني في ذلك، وهذه المدينة (المزعومة) لا تمت للإنسانية بصلة".
واعتبرت أن "حشر" 600 ألف فلسطيني بغزة في ذلك المكان خلال المرحلة الأولى، ثم جميع سكان القطاع (البالغ عددهم مليونين و114 ألفا) داخل مساحة ضيقة تخضع لرقابة مشددة من القوات الإسرائيلية، "سيحول غزة التي كانت تعرف قبل ذلك بأنها أكبر سجن مفتوح في العالم إلى السجن المفتوح الأكثر اكتظاظا ورقابة في العالم".