«قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية..
باسم الأمة.. باسم الأمة
رئيس الجمهورية..
مادة ١: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليا على إداراتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون فى بورصة الأوراق المالية بباريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام تسلم الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة».
كانت تلك هى المادة الأهم من خطاب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ضمن احتفالات مصر بالذكرى الخامسة لثورة 23 يوليو.
•••
«قررت بعد الاطلاع على الدستور:
• إعلان حالة الطوارئ فى نطاق محافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية لمدة ثلاثين يوما اعتبارا من بعد منتصف هذه الليلة.
• يحظر التجوال فى نطاق محافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية طوال مدة إعلان حالة الطوارئ من الساعة التاسعة مساء وحتى السادسة من صباح اليوم التالى».
كان ذلك أهم ما ذكرة الرئيس محمد مرسى فى خطابه المهم والذى جاء خلال أسبوع الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير.
•••
فور انتهاء الرئيس عبدالناصر من خطابه، خرج الملايين من الشعب المصرى ممن كانوا يستمعون للخطاب عبر أثير الراديو فى الشوارع مهللين ومؤيدين للرئيس ولقراره التاريخى.
وردا على هذا القرار، قررت الحكومة البريطانية تجميد الأرصدة المالية لمصر فى بنوك بريطانيا فى أعقاب تأميم القناة عقابا لمصر على قرار عبدالناصر. وبعد عده أسابيع، وتحديدا يوم 29 أكتوبر 1956، بدأت القوات الإسرائيلية مهاجمة الحدود المصرية، ثم أنذرت فرنسا وبريطانيا كلا من مصر وإسرائيل بضرورة وقف القتال، على أن تبعد قوات كل منهما 10 كيلو مترات من جانبى قناة السويس. ولما رفضت مصر الإنذار هاجمت القوات البريطانية والفرنسية منطقة القناة، وتقدم الجيش الإسرائيلى واحتل كل سيناء.
شعر الرئيس الأمريكى داويت أيزنهاور بخداع فرنسى بريطانى له حين إندلع القتال دون علمه. وكان من رأى أيزنهاور أنه رغم أن قناة السويس هى ممر ملاحى دولى مهم، فإنه يصعب تحدى حق مصر فى تأميم شركة قناة السويس. وسارع لاتخاذ سلسلة من الخطوات الرامية إلى إنهاء الحرب بسرعة، وساوره القلق من أن الحرب قد تدفع الدول العربية نحو الاعتماد بصورة أكبر على الاتحاد السوفييتى. وحصل على قرار لوقف إطلاق النار من الأمم المتحدة، ونظم قوة طوارئ دولية للفصل بين الدول المتحاربة. ومارس أيزنهاور ضغوطا سياسية ومالية على الأطراف المتحاربة لقبول اتفاق لوقف إطلاق النار الذى صدر عن الأمم المتحدة فى السادس من نوفمبر وأصبح سارى المفعول فى اليوم التالى. وتقف أزمة السويس كنقطة تحول فى تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، وإيذانا ببدء فصل جديد من صراع القوى الكبرى، حل فيه نفوذ واشنطن محل نفوذ باريس ولندن مجتمعتين.
•••
بمجرد انتهاء خطاب الرئيس مرسى مساء الأحد الماضى خرج الألاف من أبناء محافظات القناة الثلاث ليعبروا عن رفضهم وغضبهم على ما قرره الرئيس المصرى. واستمرت المسيرات الحاشدة عقب موعد حظر التجول لإعلان رفضهم له، وحمل المتظاهرون لافتات تطالب بإسقاط النظام.
ندد المتظاهرون بقرار حظر التجول وحالة الطوارئ، التى فرضها الرئيس محمد مرسى، وقد ردد المتظاهرون هتافات معادية للرئيس وطالبوه بالرحيل، كما وجهوا سبابا شديدا لجماعة الإخوان المسلمين ومرشدها العام وإخوان بورسعيد وإخوان السويس وإخوان الإسماعيلية.
ودفع الجيش المصرى بمدرعاته ودباباته للمناطق الحيوية فى محافظات القناة الثلاث. وتم اتخاذ خطوات عملية لعودة الحياة لطبيعتها من السادسة صباحا وحتى التاسعة ليلا. ووقع ما يزيد على خمسين قتيلا من سكان مدن القناة، إضافة لمئات المصابين.
•••
لم يستطع أيزنهاور أن يجد لواشنطن موطئ قدم فى مصر، إلا أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية دشنت لعلاقات خاصة تلعب فيها قناة السويس دورا مهما فى علاقات القاهرة بواشنطن. ورغم أن القناة تعد أحد أهم المجارى الملاحية فى العالم بتحكمها فيما يقترب من 7% من حجم التجارة البحرية العالمية. فإن دور القناة كممر عسكرى قد يتفوق على أهميتها التجارية. وتمنح العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية واشنطن مزايا لوجستيكية كبيرة مثل استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس للسفن والبوارج الحربية الأمريكية حتى تلك التى تحمل أسلحة نووية. وخلال فترة حرب العراق 2003 منحت مصر تصريحات على وجه السرعة لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال نفس الفترة، وقامت بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج. كذلك لا تلتزم السفن الأمريكية التى تحمل أسلحة نووية، سواء كانت سفنا أو غواصات، بإبلاغ السلطات المصرية 30 يوما مقدما بمرورها.
•••
قناة السويس، ومحافظاتها الثلاث، هى مفتاح الأمن القومى المصرى منذ حفرت القناة بسواعد وأيادى عمال مصريين فقد منهم 120 ألفا حياتهم أثناء عمليات الحفر التى بدأت عام 1859 واستمرت لعشر سنوات كاملة.
فراغ السلطة فى سيناء، الذى ظهر بصورة أكثر وضوحا حتى قبل الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسنى مبارك، قد سارع وملأه متطرفون من داخل مصر وخارجها ممن انضموا إلى البدو المحليين الذين يشعر الكثير منهم بالظلم من طريقة معاملة الحكومة المركزية فى القاهرة لأبنائهم.
ويطرح الآن سؤال يعبر عن قلق كبير من المهتمين بقضايا الأمن القومى المصرى، وهو: هل يكرر الرئيس مرسى مع محافظات القناة الثلاث أخطاء الرئيس مبارك مع شبه جزيرة سيناء؟ وهل سينتج عن ذلك أيضا زيادة المنطقة الرخوة من الأمن القومى المصرى؟ وهل سيعمق ما أقدم عليه مرسى من تعمق آلام علاقة الأطراف الاستراتيجية للدولة المصرية بالعاصمة الحاكمة بغض النظر عن هوية من يسكن القصر الجمهورى.