لا أعرف ما إذا كنت أحظى بشرف قراءة الرئيس لمقالاتى، ولا أظن أنه يجد وقتا بين مشاغله الكثيرة لعمل ذلك، كما لا أظن أن المحيطين به والذين تقع عليهم مسئولية نقل توجهات الإعلام له يهتمون بمقال نصف شهرى فى صحيفة هى فى رأيهم محدودة الانتشار، وإن كان قراؤها فى الغالب هم من المتابعين النشطين لمجريات السياسة فى مصر، وكاتب المقال إذا عرف عنه معاونو الرئيس هو فى رأيهم واحد من أساتذة الجامعات المشغولين بقراءة الكتب والدوريات العلمية، وكتابة أبحاث نظرية لا تفيد صانع القرار. ومع أن هذا التصور يهبط بكبريائى كثيرا، إلا أنى أود لو أبلغوا الرئيس عنى نصيحتين مخلصتين، أولاهما ألا يصدق ما ينقله له الإعلام المصرى العام والخاص شبه الرسمى عما يجرى فى مصر والعالم، وثانيتهما أن يكثر من اللقاءات التلفزيونية مع المخرجة ساندرا نشأت أو مع من يحذو حذوها فى إجراء المقابلات التلفزيونية معه.
***
سبب نصيحتى الأولى لأن أرجو الرئيس ألا يصدق ما ينقله إعلامنا الذى أصبح شبه رسمى، هو أن الصورة التى ينقلها عن الواقع هى ما يتصور أنه ما يرضى الرئيس، دون تقدير منه أن ما ينبغى أن يرضى الرئيس هو أن يعرف الواقع بدون رتوش، لأنه وهو يشارك مع حكومته فى وضع السياسات، وتحديد المواقف، يجب أن يعتمد على الحقائق كما هى وبلا تزويق. وقد أتيح لى ضرب بعض الأمثلة على سقطات خطيرة يدركها أى قارئ لبيب، مثل عنوان تصدر الصفحة الأولى لصحيفة يومية تحدث عن تدفق المصريين بالخارج بالملايين للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية وهو مستحيل عملا، أو ما يروج له بعضها من أن الانتخابات الأخيرة حظيت بمعدل مشاركة غير مسبوق فى مصر.
ماذا يهم الرئيس فى نتائج الانتخابات؟
ولذلك أتمنى من الرئيس وهو يطلع على النتائج النهائية للانتخابات أن يطلب من أحد معاونيه المشهود لهم بالدقة أن يوضح له الأمور التالية:
أولا: نسبة مشاركة الناخبين فى هذه الانتخابات بالمقارنة بانتخابات سابقة. المؤشرات الأولية توحى بأنها تدور فى حدود 42% من إجمالى الناخبين. وقد كانت النسبة فى الانتخابات الرئاسية فى 2014 هى 46%. كما تكشف المؤشرات الأولية أن عدد من صوتوا للرئيس فى هذه الانتخابات كان 21 مليونا بينما اقترب فى 2014 من 24 مليونا. نسبة المشاركة فى انتخابات الرئاسة فى 2012 كانت 52% وفى انتخابات مجلس الشعب فى 2011 نحو 63%.
انخفاض نسبة المشاركة وكذلك عدد من صوتوا للرئيس أمر مفهوم فى أدبيات علم السياسية، التى تتوقع انخفاض نسبة المشاركة عندما تغيب المنافسة الجادة، وعندما تكون نتيجة الانتخابات معروفة سلفا، وعندما لا تكون هناك حملة انتخابية نشطة من جانب المرشحين، وعندما تتردى الأحوال الاقتصادية بحيث لا يرى الناخبون أو قسم منهم أنها لن تتأثر بنتيجة الانتخابات. وتنطبق العوامل الأربع على هذه الانتخابات. لم يكن هناك منافس قوى فى مواجهة الرئيس السيسى، ولم يكن هناك شك فى نجاحه فى جولة أولى ووحيدة، واكتفى الرئيس بالمقابلة مع ساندرا نشأت ولم يشارك فى جولات أو مؤتمرات انتخابية على عكس كل الرؤساء السابقين بمن فيهم جمال عبدالناصر عندما كانوا يسعون لمدة رئاسية جديدة. واعتبر الرئيس السيسى أن ما قام به من أعمال يكفيه عن أى دعاية انتخابية. وفضلا على ذلك هو صرح مرارا بأنه فضل الدواء المر للإصلاح الاقتصادى على تأجيله لكسب الشعبية.
الأمر الثانى: الذى أود أن يسترعى اهتمام الرئيس هو نسبة الأصوات الباطلة، والتى وصلت إلى 6% ممن صوتوا، أو أكثر من مليون مواطن. بل يضيف لهم من صوتوا للمرشح المنافس وهم نصف هذا العدد. من أبطلوا أصواتهم فعلوا ذلك عن عمد. ومن صوتوا لمرشح لا يعرفون عنه الكثير هم فى الغالب غير راضين عما آلت إليه أحوالهم. أتمنى أن يتأمل الرئيس فى دلالة هذه الأرقام، وألا يصدق من يدعى أن أكثر من مليون مواطن فعلوا ذلك عن جهل، أو أن مئات الآلاف الذين صوتوا للمرشح المنافس مالوا إلى برنامجه الانتخابى، والذى لا يختلف فى حقيقة الأمر عما يدعو له الرئيس.
الأمر الثالث: هو نسب المشاركة فى صعيد مصر، وما أذكره هو مجرد انطباع أولى ولكنه جدير بالتحقق والتمحيص. ما قرأته من مؤشرات أولية يوحى بأن نسب المشاركة كانت أقل بكثير فى صعيد مصر مقارنة بمحافظات الوجه البحرى والمحافظات الحضرية. فلماذا هذا الفارق؟ هل مازال مواطنو مصر فى جنوب الوادى ووسطه يشعرون بأنهم مواطنون مهمشون، لا ينالهم من اهتمام الدولة إلا القليل مقارنة بسكان الدلتا والمحافظات الحضرية.
الأمر الرابع: ولست متأكدا أن بيانات الهيئة القومية للانتخابات يمكن أن تساعد فى تجليه، وهو نسبة مشاركة الشباب. تقارير صحفية ذكرت أن أغلب من شوهدوا فى لجان الاقتراع كانوا من النساء والمتقدمين سنا، وأن الشباب غابوا فى كثير من اللجان. انطباعى الشخصى من واقع اتصالى الوثيق بطلبتى فى جامعتين هو أن روح الإحباط تسودهم. فرص حصولهم على عمل مناسب ودخل لائق بعد سنوات الدراسة الطويلة هى فرص محدودة. كما أن أوضاع الحريات العامة فى مصر هى أدنى بكثير مما يستحقه الوطن بل وأقل مما كان عليه الحال فى ظل حكم حسنى مبارك الذى ثاروا عليه مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
ماذا أتوقع فى اللقاء الثانى للرئيس مع ساندرا نشأت؟
أعجبت مثل كثيرين باللقاء التلفزيونى للمخرجة ساندرا نشأت مع الرئيس. الرئيس فى هذا اللقاء كان مستريحا وتلقائيا وصريحا يطرح أفكاره بوضوح. وهو أمر طيب على أى حال حتى ولو كنت واحدا من الذين كانوا يريدون للرئيس أن تكون له لقاءات مباشرة مع المواطنين يشرح فيها لماذا يسعى لمدة رئاسية ثانية، ويستمع لهم مباشرة كما يستمعون له. ومن المهم للمواطنين مثلى أن يعرفوا كيف يفكر الرئيس. وقد كشف اللقاء الكثير من جوانب تفكير الرئيس. طبعا كنت أتمنى أن تكون هناك أسئلة أكثر خصوصا حول كيف يتخذ الرئيس قراراته، ومن يستمع لهم من المستشارين، وهل يثق فى المستشارين المدنيين مثل ثقته فى رجال القوات المسلحة.
واسترعى اهتمامى فكرتان طرحهما الرئيس فى هذا اللقاء وفى مناسبات أخرى. أولاهما اعتقاد الرئيس بأنه مسئول أولا أمام الله بل نفى فى مناسبة أخرى أن يكون مسئولا أمام الشعب. ولاشك أن ذلك لقى ترحيبا من المواطنين، فهم يسعدهم أن يعتبر الرئيس ما يقوم به له بعد أخلاقى أو حتى دينى فى بلد يعلى من شأن الدين فى الحياة العامة والحياة الخاصة. ولكن الحساب عن الشق الدينى من المسئولية هو واجب أمام الله يوم القيامة، ولكن ماذا عن الشق الثانى من المسئولية السياسية والدستورية أمام الشعب؟ كيف يجرى تفعيله؟ إن الخلفاء الراشدين لم ينحوا شق المسئولية أمام المحكومين. ألم يقل أبو بكر الصديق «لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى»؟ فكيف يتصور الرئيس هذا الشق الثانى من المسئولية؟ هل يمكن أمام إعلام حر ومستقل، فى لقاءات تلفزيونية مثل تلك التى يخضع لها الرؤساء الفرنسيون، أو أمام مجلس نيابى قوى به معارضة جادة تسائل الرئيس على نحو غير مباشر من خلال من ينفذون سياساته؟
الفكرة الثانية التى أثارت قلقى هى اعتقاد الرئيس أن الشعب المصرى ليس جاهزا لممارسة الديمقراطية. وهو ما قاله من قبله كل من الدكتور أحمد نظيف آخر رئيس وزراء لمبارك، والمرحوم عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية أثناء ثورة يناير. هل الشعب المصرى أقل استعدادا للديمقراطية من شعوب الهند وإندونيسيا وباكستان والسنغال وغانا، وكلها شعوب تنتمى لما يعرف بالعالم الثالث، وليست فى أوروبا التى تستحق الديمقراطية مثلما قال الرئيس خلال زيارته الأخيرة لفرنسا. وهل الديمقراطية انتخابات فقط أم إعلام حر ومستقل وحرية تنظيم وسيادة القانون واحترام الدستور؟ ولو كان الرئيس يتمنى أن يخوض الانتخابات الرئاسية أمام عدد من المرشحين الأقوياء، فلماذا لم يسهل الأمر على مرشحين مثل سامى عنان وأحمد شفيق ومحمد أنور السادات، وهو كان سيكسب هذه الانتخابات بكل تأكيد فى مواجهة أى منهم. ولماذا أودعت أجهزته فى السجن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، وهو رئيس حزب شرعى معارض لم يحمل السلاح ولم يدع له؟
كنت أتمنى أن تطرح ساندرا نشأت المخرجة القديرة هذه الأسئلة على الرئيس عبدالفتاح السيسى، وربما تضيف إليها سؤالا أخيرا: ألن تكون بادرة طيبة يا سيادة الرئيس أن تظهر احترامك للآراء المخالفة بأن تصدر أمرا بإطلاق سراح سامى عنان وعبدالمنعم أبو الفتوح وهشام جنينة وغيرهم ممن هم فى غياهب السجون بلا محاكمة ودون أن تتوافر دلائل جدية على دعوتهم للعنف؟