أوهام مشروعات السلام العربية - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الأحد 21 سبتمبر 2025 9:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

أوهام مشروعات السلام العربية

نشر فى : الأحد 21 سبتمبر 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الأحد 21 سبتمبر 2025 - 7:25 م

‎خطر إسرائيل على أمن الدول العربية لم يعد مجرد أطروحات فى خطاب جماعات القوميين العرب، ولكنه واقع ماثل وتجربة يومية فى غزة والضفة الغربية، وسوريا ولبنان واليمن. ومع ذلك لا يبدو أنه يؤخذ على محمل الجد لا على المستوى العربى الشامل أو على مستوى كل دولة عربية على حدة. وهو يؤخذ على محمل الجد عندما تحتاط الحكومات العربية ضده بالفعل وليس بمجرد القول. بالانتقال من خطاب هذه الحكومات الحافل بعبارات التنديد والاستنكار لما تقوم به إسرائيل إلى خطاب يعكس الفعل ويمهد له. والفعل الوحيد المتوقع فى مثل هذه الظروف أن تستعد لمواجهة هذا الخطر عندما يقترب من حدودها، سواء بجهودها الجماعية، أو حتى وهذا أضعف الإيمان بترتيبات تحالف مع من يمكن أن يقف حقيقة إلى جانبها.

‎ولا يمكن أن يكون هذا الفعل محتملا لا فى الحاضر ولا فى المستقبل إذا ما استمرت الشعوب والحكومات العربية أسرى للأوهام التى استندت إليها مبادرات إقامة علاقات سلمية متعددة المجالات مع إسرائيل. هذه المبادرات التى بدأها الرئيس السادات فى مصر مع زيارة القدس فى ١٧ نوفمبر ١٩٧٧ ثم توقيع ما سمى بمعاهدة سلام معها فى واشنطن فى مارس ١٩٧٩، وتبعته بعد ذلك منظمة التحرير الفلسطينية فى سبتمبر ١٩٩٣ ثم الأردن فى العام التالى، ثم تسارعت هذه المسيرة فى ٢٠٢٠ بالإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بينما دخلت دول عربية أخرى فى اتصالات وعلاقات غير رسمية مع إسرائيل. هذه العلاقات الرسمية وغير الرسمية لم تتوقف حتى الآن على الرغم من بشاعة جريمة الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية واحتلالها مجددا لأراض عربية فى سوريا ولبنان وتواصل اعتداءاتها على هذين البلدين وامتداده مؤخرا إلى الدوحة عاصمة قطر.

‎التفسير الوحيد لاستمرار هذه العلاقات رغم كل ما جرى هو استمرار الاعتقاد بأن العدوانية الإسرائيلية هى عرض مؤقت وأن الحكومة الإسرائيلية لابد أن تعود إلى صوابها وتستأنف علاقات مسالمة مع الدول العربية، وهذا هو الوهم الرئيسى الذى ينبغى التخلى عنه إذا ما قدر للعرب أن يفيقوا من آثار النكبة الثالثة. ويستند هذا الوهم الرئيسى إلى عدد من الأوهام الفرعية التى تغذيه وتجتذب له قطاعات مهمة من الرأى العام العربى. ويستعرض هذا المقال عددا من هذه الأوهام، ويدعو للتفكير فى بدائل أخرى لمواجهة الخطر الإسرائيلى الراهن والمقبل.

 

‎أول الأوهام: السلام مع إسرائيل ممكن عندما يزول الحاجز النفسى الذى شكل عقبة أمامه

‎كان أول من ردد هذا الوهم هو الرئيس الراحل أنور السادات صاحب الخطوة الأولى فى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولتبديد هذا الوهم قام بزيارته إلى القدس، ودخل مع حكومتها فى مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاق كامب ديفيد أولا فى سبتمبر ١٩٧٨، ثم وبعد مفاوضات لاحقة شارك فيها الرئيس الأمريكى الراحل جيمى كارتر تم التوصل إلى ماسمى بمعاهدة سلام بين الحكومتين فى مارس ١٩٧٩. والجدير بالذكر أن الذى اعترض على مبادرات الرئيس لم يكونوا من غلاة القوميين العرب، ولكنهم كانوا من قيادات وزارة الخارجية المصرية، تلك الوزارة التى ضمت أفضل خبراء السياسة الخارجية فى مصر، عندما سمع وزيرا للخارجية المصرية بعزم السادات على زيارة القدس قدما على الفور استقالتيهما، وهما المرحوم إسماعيل فهمى وزير الخارجية حتى نوفمبر ١٩٧٧، ومحمد رياض الذى كان وقتها وزير دولة للشئون الخارجية. ثم استقال المرحوم محمد إبراهيم كامل الذى خلف إسماعيل فهمى فى وزارة الخارجية فى سبتمبر ١٩٧٨ أثناء مفاوضات كامب ديفيد بعد أن تحقق بنفسه ما تؤدى إليه هذه المفاوضات. وعلى الرغم من استمرار فريق وزارة الخارجية فى كامب ديفيد القريبة من واشنطن فى متابعة المفاوضات، إلا أن أعضاءه وقد لاحظوا أن النص النهائى الذى قدمه الوفد الأمريكى للمصريين والإسرائيليين يقيد السيادة المصرية، ولا يحقق للفلسطينيين تطلعهم لممارسة حق تقرير المصير، ويمكن أن يسبب عزلة لمصر وسط العالم العربى، فقد أعربوا عن تحفظاتهم هذه للرئيس السادات الذى لم يقتنع بها، ولذلك قاطعوا هم حفل توقيع هذه الاتفاقية فى البيت الأبيض. هؤلاء الدبلوماسيون أصحاب الثقافة والخبرة الواسعتين هم المرحوم د. نبيل العربى، والمرحوم أحمد ماهر والسفير عبد الرءوف الريدى، وأحمد أبو الغيط الذى كان سكرتيرا لوزير الخارجية، وذلك حسب رواية المرحوم دكتور نبيل العربى. ومع اعتراضهم على نص اتفاق كامب ديفيد، ذكر نبيل العربى أن هذا الاتفاق كان مختلفا عن نص معاهدة السلام التى جرى التوقيع عليها بعد ذلك بستة شهور فى واشنطن. فوفقا له لم ينص اتفاق كامب ديفيد على التطبيع مع إسرائيل.

‎السلام مع إسرائيل ليس ممكنا لأن الرأى العام فى إسرائيل لا يعترض على توسع إسرائيل فى الدول العربية، والكنيست الإسرائيلى صوت منذ أسابيع رفضا لإقامة دولة فلسطينية، وإذا كانت هناك مظاهرات معارضة لحكومة نتنياهو فهى تعترض فقط على أن استمرار الحرب فى غزة يعوق أى محاولة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، ولكن المشاركين فيها لا يعترضون على مواصلة الحرب بعدها. صحيح كان يقال إن هناك معسكر سلام فى إسرائيل يقوده حزب العمل الذى كان كل من إسحاق رابين وشيمون بيريز من بين قادته، والأول هو من وقع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، والثانى له كتاب عن علاقات السلام بين إسرائيل والدول العربية. ومع ذلك تشير الدلائل إلى أن أكبر توسع للمستوطنات فى الضفة الغربية تم فى ظل حكومات حزب العمل. وعلى أى الأحوال أصبح وجود حزب العمل وأحزاب اليسار الإسرائيلى القريبة منه هامشيا للغاية على مسرح السياسة الإسرائيلية.

‎أوهام أخرى:

‎ومن الأوهام الأخرى التى لا يتسع هذا المقال لتفصيلها أن الولايات المتحدة وسيط أمين يعتد به فى البحث عن تسوية سياسية منصفة لكل الأطراف فى الشرق الأوسط. يكفى هنا استرجاع وصف الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن بنفسه على أنه صهيونى، وتجنب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن يذكر اسم فلسطين فى أى حديث له عن الحرب الجارية فى الأراضى الفلسطينية، وتمسكه حتى الآن بتحويل غزة إلى منتجع سياحى، فضلا عن اعتراض الإدارة الأمريكية فى مجلس الأمن على أى مشروع قرار يطالب بوقف الحرب فى غزة، ناهيك عن الحجم الهائل من المعونات العسكرية والاقتصادية التى تقدمها الحكومة الأمريكية لإسرائيل. صحيح أن هناك تحولا فى موقف الرأى العام الأمريكى من إسرائيل، ولكن سيقتضى الأمر وقتا طويلا حتى ينتج هذا التحول تغيرا فى مواقف الكونجرس والإدارة الأمريكية.

‎وطبعا هناك الوهم الأكبر وهو أن العرب يمكن أن يعولوا على ما يسمى بالمجتمع الدولى لينوب عنهم فى حل مشاكلهم مع إسرائيل أو أى قوى أخرى مناوئة للمصالح العربية. مالم تشعر أطراف هذا المجتمع الدولى بأن مصالحها مهددة فى الوطن العربى فلن تبذل أى جهد فعال للتعويض عن إخفاق العرب.

‎ما العمل؟

‎أنصار التطبيع يجادلون بأن اتفاقات السلام مكنت مصر من استعادة سيناء، ومكنت الفلسطينيين أن يكون لهم سلطة تمثلهم فى رام الله. لا يود كاتب هذا المقال الدخول فى حوار حول ماذا كان ممكنا فى أكتوبر ١٩٧٣ قبل تعويل الرئيس السادات على هنرى كيسنجر ليقوم بالوساطة مع إسرائيل، وحكمة نصوص اتفاقيتى منع الاشتباك فى ١٩٧٤ و١٩٧٥، ولا تقييم زيارة القدس فى ١٩٧٧، ولكن الواقع ماثل أمامنا من فائض القوة الإسرائيلية فى مواجهة الانقسامات العربية، وهو ما يغرى إسرائيل باستمرار استباحتها لكل الدول العربية التى يواصل بعضها علاقات متنوعة مع إسرائيل كما لو كانت دولة صديقة.

‎التخلى عن هذه الأوهام لا يعنى الاستعداد الفورى لخوض حرب ضد إسرائيل، ولكن هناك فارق هائل بين التعامل مع إسرائيل على أنها دولة كسائر الدول تقيم معها الحكومات العربية العلاقات المعتادة مع الدول الأخرى فى جميع المجالات، أو أن تنظر الحكومات العربية لها على أنها عدو ينبغى التحوط ضد اعتداءاته. هذه النظرة الأخيرة تقتضى قطع العلاقات السلمية معها فى جميع المجالات من دبلوماسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وثقافية، وتقتضى الإعداد لبناء القوة العربية المسلحة بالعلم والتكنولوجيا والاقتصاد المتنوع والنظام السياسى المفتوح للجميع على قدم المساواة، والدخول فى علاقات مع الدول الأخرى كبيرها وصغيرها على أساس تعاونى يعزز من القوة العربية. وليذكر العرب أن نجاحهم فى مواجهة التهديد الإسرائيلى كان مرتبطا بتضامنهم الفعال، كما ظهر ذلك فى مؤازرتهم لمصر عندما تعرضت للعدوان فى أكتوبر ١٩٥٦، أو عندما خاضت مع سوريا حرب أكتوبر فى ١٩٧٣.

‎أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات