للشرعية أوجه كثيرة - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

للشرعية أوجه كثيرة

نشر فى : الأحد 1 يونيو 2014 - 12:50 م | آخر تحديث : الأحد 1 يونيو 2014 - 12:50 م

ونحن نستعد للإعلان الرسمى لنتائج الانتخابات الرئاسية ٢٠١٤ فى مصر، سيتجدد الجدل مرة أخرى حول فكرة الشرعية وما إذا كانت للفائز بالانتخابات والذى تشير إليه الاستطلاعات الأولية بأنه المشير عبد الفتاح السيسى، أم أنها للرئيس المخلوع محمد مرسى، سيبدو الجدل بالنسبة للبعض طرفة وعدم واقعية، بينما سيأخذه البعض الآخر على محمل الجدية وسيستخدمه كوسيلة للحشد والممانعة الفترة المقبلة من عمر مصر.

•••

ولأن موضوع الشرعية بدا محيرا منذ اللحظات الأولى لقيام ثورة يناير وانحصر بين فريقين أحدهما يراها أسيرة للصناديق والقوانين ومن فوقهما الدستور، وأخرى لا يعترف بها إلا للشارع والحشود، فإن تحليلا بسيطا لتطور فكرة الشرعية وأوجهها فى مصر والعالم يظهر أن لها أوجه كثيرة على النحو التالى:

• شرعية الصناديق: وهى أضيق أنواع الشرعية ذلك أنها تقتصر على المعنى المؤسسى للشرعية، وتعتمد على الحشود التى تبدى رأيها فى المرشحين فى لحظة زمنية محددة، بحيث يحصل أحدهم على الأغلبية فيمارس صلاحياته الدستورية، وقد أكدت التجربة المصرية فى السنوات الأربع الفائتة أن شرعية الصناديق قاصرة ولا توفر استقرارا اقتصاديا طالما أنها غير مصحوبة بإجراءات للرقابة والمحاسبة والعقاب.

• شرعية الشارع: وهى شكل أوسع من أشكال الشرعية، ذلك أنها تتجاهل الصناديق وتعمل على تشكيل تحدٍّ للسلطة القائمة عن طريق الحشود فى الشارع بأشكالها المختلفة من أول المظاهرات والاعتصامات، وصولا إلى الإضرابات والعصيان المدنى، وقد أظهرت التجربة المصرية أيضا أن هذا النوع من الشرعية هو الأكثر كلفة والأكثر حساسية بالنسبة للسلطة، وقد كلف مصر دما غاليا مازالت لم تسدد فواتيره بعد.

• شرعية الأمر الواقع: وهى شكل أقوى من أشكال الشرعية، ذلك أن صاحب السلطة يتخذ من فرض الأمر الواقع على الناس شرعية وغطاء لحكمه، وقد أظهرت التجربة أن شرعية الأمر الواقع قادرة على فرض قدر من الاستقرار قصير وربما متوسط الأجل، لكنها ضعيفة للغاية على الأجل الطويل حيث إنها تعتمد غالبا على القمع والرؤى الأمنية الضيقة فتخلق كبتا واسعا ينفجر فى اللحظة المناسبة مخلفا وراءه خسائر جمة.

• شرعية أكل العيش: وهو شكل مطور من أشكال شرعية الأمر الواقع، يخلط بين استخدام معادلة الأمر الواقع وبين إطعام أفواه الجماهير محققا الحد الأدنى من مطالبها الأساسية المتمثل فى توفير لقمة العيش والحد الأدنى من الاستقرار، هى شرعية غير منجزة، ولكنها شرعية الحد الأدنى التى «تطعم الفم لتستحى العين»، تخلط بين القوة الخشنة والناعمة، بين العصا والجزرة، بين استخدام الثواب للخانعين والمستسلمين، وبين استخدام العقاب للمخالفين والمتمردين، تستطيع أن تحقق استقرارا ملحوظا حتى على الأجل الطويل، ولكنها تخلق أجيالا من الموظفين لا من المبدعين ولا المتفوقين، لأنها تخلق ثقافة خانعة ومستسلمة وبالتالى عقول تقليدية غير مطورة، فتبقى البلاد محلك سر!

• شرعية الإنجاز: وهى شكل محسن من أشكال الشرعية يخلط بين شرعية الصناديق وشرعية الإنجاز على الأرض عن طريق خطط تنموية تشاركية فى بيئة ديموقراطية توفر أساليب للرقابة والمحاسبة والأهم أنها تسعى دوما إلى إنفاذ القانون. هذه الشرعية تحقق عدد من الإنجازات التى تدفع الشعوب للعمل الإيجابى والمشاركة الفاعلة فى كل مناحى الحياة، هى شرعية توفق بين شبكات المصالح الضيقة، ومؤسسات الدولة، ومصالح الشعوب، فتخلق معادلة سياسية ربما غير مثالية ولكنها إيجابية دافعة للإنجاز، تحرر الشعوب من الخوف والخنوع والجهل وتدفعهم نحو الإبداع، إنها ببساطة الشرعية التى قد تجدها فى العديد من الدول المتقدمة أصحاب الديموقراطيات الراسخة، أو تلك التى تحولت حديثا إلى الديموقراطية.

• شرعية المصالحة التاريخية: وهى شرعية غير تقليدية ترتبط عادة بالدول التى تمر بمحن وتطورات سياسية عنيفة المزاج والطابع كتلك التى تمر بها مصرنا الحبيبة، هى شرعية تحتاج إلى قائد لا مجرد رئيس، إلى رؤية سياسية عميقة لا رؤية أمنية ضيقة، إلى كاريزما حقيقية مدركة للمخاطر وقادرة على قراءة الأمر الواقع، لا إلى كاريزما مصطنعة ومتجملة، إلى إدراك حقيقى بعمق التاريخ الضارب فى حضارة الدولة، بحقيقة التنوع الثقافى والدينى، بضرورة الدمج والتوافق عبر مزيج من الآليات السياسية والمجتمعية، تسعى إلى التوفيق بين الروايات المختلفة المتداولة لتاريخ الوطن بحيث تخلق رواية أكثر توفيقا وأكثر وسطية، هذا النوع من الشرعيات هو الأبقى للأوطان والشعوب، وهو الأقدر على تحقيق مصالحها وغايتها وأمنها القومى.

•••

إن مصر فى هذه اللحظات لن تغنيها شرعية الصناديق، ولن تجدى معها شرعيتى الأمر الواقع وأكل العيش، ولن تكفيها شرعية الإنجاز بفرض وجودها، مصر الوطن لا مصر النظام أو مصر المصالح الضيقة، تحتاج إلى رؤية سياسية تاريخية عميقة لمشكلاتها، تفهم أن هناك هويتين، هوية إسلامية لديها تصوراتها الخاصة عن جذور البلاد والعباد ولديها تصوراتها الخاصة لقراءة التاريخ وبناء دولة عابرة للقوميات وقائمة على رابطة الدين وتطبيق الشريعة الإسلامية، هوية لم تخلق رؤية محددة بعد ولكنها متأثرة بآلاف الكتب والمجلدات التى تحلم بالعودة إلى دولة الرسول والخلفاء الراشدين، وهوية أخرى قومية، تستمد روافدها من التاريخ الفرعونى الضارب فى جذور البلاد، لا ترفض الدين ولكنها «تقولبه» فى إطار قومى، تقدم قراءة مختلفة لتاريخ المحروسة مدركة لتنوع أكبر من الحقب التاريخية للبلاد، تتطرف أحيانا فى احترامها للدولة القومية الوطنية لدرجة قد تصل بها إلى حد الشوفينية، مصر ستظل أسيرة لهاتين الهويتين، ولن تشهد استقرار على معنى الشرعية ما لم يقدر قائد سياسى على تقديم رؤى وسطية وآليات لدمج الهويتين، وتقديم قراءة وسطية تدمج بين الروايتين، نحو دولة متصالحة مع شعبها وتاريخها وطامحة نحو التنمية والتقدم والاستقرار، فمتى نشهد تلك الشرعية؟ هذا هو السؤال..

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر