كانوا يرددون هم نصف الحاضر وكل المستقبل حتى أصبح هذا التعبير، من كثرة ترديدهم له فى خطاباتهم وندواتهم، خاويا كما هو المفهوم نفسه للشباب. هذه منطقة شابة جدا حتى عندما تنادى الشباب إلى الساحات كانوا يقولون لا نريد أن نكون نصف، نحن الكل، لأننا سئمنا وتعبنا وأنهكتنا البطالة وقلة الحيلة وكثرة المفاهيم الباهتة والعادات المتهالكة والفساد الذى تفشى كالطاعون.. عندما سئلوا عن الفساد فى بلدانهم اتفقوا جميعا أنه المرض الأكثر انتشارا فى نخر الدولة نفسها وأنه دون مواجهته فلا أمل ولا مستقبل.
يقفون فى طوابير العاطلين لسنوات.. يتسكعون على أرصفة الأحياء وينتقلون من رصيف إلى آخر ومن مقهى إلى مقهى يوفر خدمة الإنترنت المجانية. يسيرون جماعات وهم حابسون الغضب ويكررون السؤال لأصحاب النظارات البيضاء، إلى متى ستبقون تديرون الأمور كما فعلتم لسنين وإلى متى ستفتحون نوافذكم وأبوابكم الموصدة للشباب رغم كثرة حديثكم عن تشجيع الشباب وإدماجهم فى العملية التنموية لبلدانهم.
•••
قبل أن يتخرجوا فى الجامعات يبقى همهم الوحيد متى ستأتى الوظيفة بعد عام، عامين أو أكثر. لا يزالون هم الأكثر عرضة للهزات لأنه لا أحد ينظر إليهم سوى عندما يكونون موضوعا إعلاميا بحتا وأمام عدسات كاميرات التلفزيون أو عندما توصد الأبواب فى وجوههم فيولون صوب البحر وما هى سوى بضع ساعات فيلتهمهم أو تدركهم مراكب المراقبة فيعتقلوا خلف الأسلاك فى معسكرات للمتسللين المخالفين لقوانين الحدود !!!!
كثيرون يطرقون أبواب العمل حاملين شهاداتهم العلمية المنمقة وأخرى من المؤسسات التى تطوعوا للعمل بها وهم فى بحثهم الطويل مدركين أن الفساد قد استشرى هنا قبل أى مكان آخر فالوظيفة طبعا تأتى حسب المعرفة والثقة لا حسب الكفاءة والخبرة والعلم هى الكلمة الأكثر انتشارا فى معاجمنا أنها «الواسطة» حتى صار السؤال يتكرر «هل لديك واسطة ؟؟ أو هل تعرف أحد هناك؟؟ « أو حتى من أية عائلة أنت فهذا الأخير هو مفتاح الأعمال حتى لقليلى الخبرة والمعرفة والعلم..
انكسرت فرحتهم فى لحظاتها الأولى ولا تكتمل ابتساماتهم وهم مبهورون بحفلات التخرج التى هى الغاية والهدف فبعد ذلك يتحول الشاب أو الشابة الخريجة إلى مجرد صورة أخرى تضاف إلى ألبومات الصور المزدحمة فى حسابهم على الإنستجرام …
•••
لا يتوقف الفساد عند الحصول على عمل وواسطاته بل إنه فى كل زاوية وركن حتى ذكرت المؤشرات الحديثة لاستطلاعات الرأى فى معظم الدول العربية أن الشباب العربى على قناعة بأن الفساد قد زاد فى بلدانهم حتى فى تلك التى يقال بأن الربيع العربى قد مر بها أو زارها ولو من بعيد أو على عجل..
انطفأت شموع الأمل سريعا، فكلما تفاءل الشباب ببصيص قد يشير إلى أن التغيير قادم فهذه الدولة قد وضعت جهازا لمكافحة الفساد وراحت تتلقى الاتصالات من المواطنين الحريصين على مصلحة ومستقبل الوطن الشاب جدا إلا أن هذه الأجهزة وفى أحسن التصورات بالنسبة لها أصبحت مجرد آلة حاسبة لعدد حالات الفساد ومؤشر إلى أنها ارتفعت عن العام السابق أو بقيت كما هى عليه، فلا وسيلة للمتابعة والمحاسبة إلا إذا فاحت رائحة حالة من الفساد حتى أزكمت الأنوف فما يكون العقاب فى العادة؟؟ الفصل من العمل لا تقديم إلى العدالة ولا محاكمات رغم كثرتها فى دولنا هذه الأيام حيث باسم دولة العدالة والمؤسسات تتم محاكمة المئات إن لم يكن الألوف، خاصة من الشباب ويودعون السجون، فيما الفاسدون يتمتعون بكامل حريتهم وينعمون بهواء وعطاء الوطن اللامحدود!!!!
كان الفساد عند بعض الموظفين، ما لبث أن أصبح أكثر انتشارا عند كبار الموظفين ثم وبسرعة البرق أصبح هو السمة العامة للوزراء والمسئولين والحكام أيضا فصاحب المليون عينه على الملايين وهكذا.. إنه المرض الذى راح ينخر فى أسس مجتمعاتنا الحديثة وهو حديث المجالس بقوة فلا يمكن أن يجتمع عربيان دون أن يكون حديث الفساد بعضا من ملح ومحليات موائدهم.. هذا الذى قال عنه ذاك الحاكم البسيط إن لم يسرق أو يفسد الوزير فاعزلوه لأنه بذلك يفسد الأجواء على الوزراء الآخرين!!!
•••
بعد كل ذلك يستغرب البعض إن كان عدد الشباب بين التنظيمات الإرهابية والمسلحة والمتطرفة هو الأكثر ويعيدون تكرار السؤال بشديد من البراءة «يا ترى لماذا يتجه كل هذا الكم من شبابنا لحمل السلاح لتغيير الأوضاع أو تحويلها بالدم وليس بالعلم؟؟» إنه اليأس الذى حولهم جميعا إلى أدوات سهلة إما لتجار المخدرات أو للمتاجرين بالدين وحور العيون!!!!!