يوم الخميس الماضى اجتمع مجلس وزراء الخارجية العرب فى دورته العادية بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، لمدة عشر ساعات.
العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وسوريا وجنوب لبنان، واحتمال إعلان إسرائيل ضم الضفة الغربية، كان المحور الأساسى للاجتماع، وإن كانت هناك ملفات وقضايا عربية أخرى، خصوصا الصراع فى السودان، الذى تسبب النقاش بشأنه فى تطويل هذا الاجتماع.
صدر بيان ختامى بالموافقة على مشروع قرار مقدم من مصر والسعودية، وتضمن الثوابت العربية فى شأن القضية الفلسطينية وأهمها التمسك بحل الدولتين والإدانة الشديدة لأى طرح يهدد سيادة الدول العربية ووحدة أراضيها، والتأكيد على ضرورة محورية معالجة جذور الصراع والتوترات الإقليمية عبر تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل وشامل.
لكن كان هناك بند فى مشروع القرار يعتبر جديدا هذه المرة وهو: «عدم إمكانية التعويل على ديمومة أى ترتيبات للتعاون والتكامل والتعايش بين دول المنطقة مع إسرائيل، فى ظل استمرار احتلال بعض الأراضى العربية، أو التهديد المبطن باحتلال أو ضم أراضٍ عربية.
ظنى الشخصى أن هذا البند مختلف إلى حد كبير عن كل القرارات والبيانات العربية التى صدرت ضد العدوان الإسرائيلى على فلسطين والمنطقة منذ ٧ أكتوبر قبل الماضى. لأنه للمرة الأولى يكون هناك كلام عربى يقول إن العلاقات مع إسرائيل واتفاقيات السلام والتعاون والتكامل والتعايش معها لن يعول عليها إذا استمر عدوان إسرائيل واحتلالها بعض الأراضى العربية أو التهديد باحتلال وضم أراضٍ أخرى.
ليس خافيا على أحد خطورة ما تفعله إسرائيل من تدمير ممنهج لقطاع غزة، لإجبار أهله على مغادرته، وليس خافيا إعلاناتها المكررة بضم الضفة وتقطيع أوصالها، وليس خافيا تشجيعها ودعمها لبعض دروز وأكراد سوريا على الانسلاخ من الدولة السورية، وليس خافيا استمرار عدوانها على لبنان رغم اتفاق وقف إطلاق النار، وليس خافيا رفضها لأى وقف لإطلاق النار فى غزة، حتى بعد أن وافقت حركات المقاومة على كل الأفكار والمقترحات الإسرائيلية والأمريكية.
وليس خافيا ما أعلنه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، قبل أسابيع بأنه متعاطف وموافق ومتبنٍ لخريطة إسرائيل الكبرى التى تمتد من النيل للفرات.
بعد كل ذلك هل يجوز أن يستمر التعامل العربى بنفس منطق بيانات الإدانة والشجب والاستنكار؟!
وهل يجوز أن تقطع دول فى أمريكا اللاتينية علاقاتها مع إسرائيل وتجمّد تركيا التعاون التجارى، وتتخذ بعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا وإسكتلندا إجراءات ضد إسرائيل، فى حين لا تقدم أية دولة عربية على إجراء عملى ملموس يشعر إسرائيل وأمريكا بأن مصالحهما يمكن أن تتعرض للتهديد إذا استمر العدوان؟
كل ما سبق أظن أنه شكّل الخلفية للتحرك المصرى السعودى بتقديم هذا القرار والبند الجديد فيه، وأظن أن نفس السبب هو الذى دفع الإمارات - التى تترأس الدورة الحالية للجامعة - للإعلان قبل الاجتماع بيوم واحد أن ضم إسرائيل للضفة خط أحمر سيهدد العلاقات بين البلدين.
هذا البند تطور مهم وأظن أنه شهد نقاشات صعبة ومطولة داخل اجتماع وزراء الخارجية العرب، ما بين فريق يقوده العراق والجزائر يتحدث عن ضرورة تشديد اللغة والإجراءات، وفريق آخر يرى ضرورة التدرج فى ذلك.
وكان ملفتا للنظر قول الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبوالغيط أن القرار يتضمن فقرات بالغة الأهمية والمعنى والمغزى.
مرة أخرى، فإن هذا البند فى بيان الجامعة تطور مهم فى اللغة السياسية العربية، لكن السؤال المنطقى هل هذا التطور هو نهاية المطاف، وهل يمكن أن يردع إسرائيل عن عدوانها، وأمريكا عن دعمها لهذا العدوان؟
والسؤال الآخر: لماذا لم تكن هناك لغة واضحة ومباشرة فى صياغة هذا البند حتى تصل الرسالة كاملة للشعوب العربية أولا. وكذلك لأمريكا ولإسرائيل، ولماذا لم تكن لغة الرسالة تقول بوضوح إن استمرار تدمير غزة وضم الضفة وعدم التراجع الكامل عن خريطة إسرائيل الكبرى سيعنى قطع العلاقات مع إسرائيل تماما، بل والاستعداد للمواجهة لأن تنفيذ خريطة إسرائيل الكبرى يعنى إعلان الحرب على الدول العربية؟!
والسؤال الأخير: ما الآليات لتنفيذ هذا البند، وهل له مدى زمنى، أم أنه لرفع العتب؟!
إسرائيل تنفذ مخطط تدمير فلسطين وتصفية قضيتها والتحرش بالدول العربية بإجراءات على الأرض، والتصدى لذلك يكون بإجراءات مضادة، وليس فقط ببيانات، حتى لو كانت قوية.