نشرت مجلة ذا نيويوركر مقالا تحليليا لجورج باكر يتناول من خلاله ضرورة الاتحاد لمواجهة الدولة الإسلامية فى العراق والشام، والتى تسيطر على خمسة وثلاثين ألف ميل مربع من الأراضى، وهو ما يعادل مساحة الأردن. وتمتد الخلافة، التى نصبت نفسها بنفسها، من المدن التى جرى غزوها حديثا على امتداد الحدود السورية التركية، مرورا بعاصمتها الفعلية الرقة جنوبى سوريا، عبورا إلى الحدود العراقية غير الواضحة داخل الموصل وتكريت والفالوجة، وهبوطا إلى البلدات الزراعية جنوب بغداد وهو ما يساوى ثلث مساحة البلدين على وجه التقريب. وهى تستغل كل حقول النفط والغاز فى سوريا تقريبا، كما استولت على أكبر معمل تكرير فى العراق فى بيجى وعلى أكبر سدوده شمالى الموصل الذى يوفر المياه والكهرباء لجزء كبير من البلاد ويمكن أن يغرق بغداد فى حال تدميره. وتمول داعش عملياتها ببيع النفط والكهرباء، وتفرغ البنوك التى استولت عليها، وتبتز الأموال عبر الخطف و«الضرائب». ويقاتل جيشها الذى على قدر كبير من المهارة بما يساوى مليارات الدولارات من المركبات المدرعة والأسلحة الثقيلة أمريكية وروسية الصنع التى استولى عليها.
•••
أشار الكاتب إلى أنه حتى وقت قريب، فشل هذا السجل المدهش من الغزو فى نيل اهتمام الغرب الكامل. فعلى أقل تقدير، بدت فكرة الخلافة الإسلامية الجديدة بعيدة المنال، وكان هناك تردد أمريكى شديد فى معرفة المزيد. وحتى فى الوقت الراهن، لا يتفق المسئولون بشأن اسمها. وقد وصلت داعش إلى السلطة من خلال الحرب الأهلية فى سوريا التى قرر الرئيس أوباما الابتعاد عنها. وبالنسبة لتجديد الحرب الأمريكية فى العراق، التى يعتبر نتيجتها أحد منجزاته الرئيسية، ليس هناك ما هو أقل جاذبية منها. ولم تكن هناك طريقة واضحة لمواجهة هؤلاء الجهاديين: الضربات الموجهة بالطائرات بدون طيار وهى الأداة المفضلة لدى الإدارة لمواجهة الإرهاب ليست مناسبة للتصدى لآلاف القوات البرية التابعين للدولة الإسلامية. وعلى عكس القاعدة التى طردت داعش بسبب الوحشية المفرطة لم تصنع داعش اسمها بأعمال إرهاب مذهلة تحت أضواء الإعلام العالمى.
•••
وأوضح باكر أن تجاهل داعش أسهل من تدميرها. وما دام أنها كانت تركز على قطع رقاب أسرى الحرب وفرض نسخة متشددة من الشريعة على السكان الخاضعين لها، فقد بدا الخطر الذى تمثله مقصورا على أى شخص يريد تدخين سيجارة، أو امرأة تكشف وجهها فى العلن، أو شخص يعبد الإله الذى اختاره فى مكان ما على امتداد الأرض الواقعة بين نهرى دجلة والفرات. وحتى بعد سقوط الموصل فى شهر يونيو وتطهير المدينة من سكانها المسيحيين القدماء، مازالت داعش يستهين بها تقريبا كل من هو ليس فى طريقها بشكل مباشر. وبعد ذلك، وفى وقت سابق من الشهر الحالى، وقع اعتداؤها على الأقلية الدينية الإيزيدية فى شمال غربى العراق الذى يحمل كل أمارات الإبادة الجماعية. فقد طُرد السكان المحليون إلى الجبال بلا طعام أو ماء، وجرى التفريق بين أفراد الأسر، وأجبر الرجال على الاختيار بين الدخول فى الإسلام أو الإعدام، وأُخذت النساء سبايا. وفعلت داعش الشيء نفسه مع الشيعة العراقيين وغيرهم من الكفار المفترضين، لكن محنة الإيزيديين كانت من الحيوية وتذكيرنا بما حدث فى سربرنيتسا على نحو لا يمكن إنكاره بحيث دفعت واشنطن إلى اتخاذ إجراء ما.
•••
وأشار الكاتب إلى قول الرئيس أوباما فى السابع من أغسطس، أى بعد أربعة أيام من الهجوم: «أمريكا آتية للمساعدة.» وبعد موافقة الحكومة العراقية، أمر بتوجيه ضربات جوية لمواقع داعش المحاصرة لجبل سنجار وتهدد العاصمة الكردية الإقليمية أربيل، حيث يعمل آلاف الأمريكيين. وخلال أسبوع كان معظم من بقوا على قيد الحياة من الإيزيديين فى الجبال قد فروا وانضموا إلى أكثر من مليون عراقى نازحين طُردوا إلى كردستان. وبدأت وكالة الاستخبارات المركزية توصيل السلاح إلى البيشمركة الكردية، وهى القوات البرية الوحيدة فى المنطقة القادرة على مواجهة الدولة الإسلامية، واستعيدت بلدتان شرق الموصل كانت داعش قد استولت عليهما. وبدأت القوات العراقية والكردية عمليات تنسيق، وهو تحالف غير مسبوق، بعد أسابيع فحسب من الوقت الذى بدا فيه الجانبان على وشك قتال بعضهما. وفى بغداد، اتحد سياسيون من جماعات شتى، بدعم من رئيس الوزراء المنصرف نورى المالكى الذى أجبر على التنحى. وكتب السعوديون شيكا بمبلغ خمسة ملايين دولار لتغطية كامل مناشدة الأمم المتحدة الإنسانية. وقد أثارت تركيا ضجة بشأن غلق حدودها أمام تسلل المقاتلين والسلاح إلى أراضى الدولة الإسلامية. ووعدت الدول الأوروبية بتقديم المساعدات للاجئين والسلاح للأكراد.
ويرى باكر أن انضمام عدو مشترك إلى اللاعبين الذين لا يثق بعضهم فى بعض أثناء تكوين تحالف ضد داعش، هو ذلك النوع من التعددية الذى يؤيده الرئيس. وكما تثبت أحداث الشهر الحالى، يتطلب هذا الجهد وجود قيادة أمريكية. وقال أوباما الكثير فى كلمته التى ألقاها فى السابع من أغسطس، لكن من السهل الإحساس بتردده فى أن يُجَر إلى مستنقع العراق والمنطقة. وأشارت السرعة التى أعلن بها انتهاء أزمة الإيزيديين. بينما لا يزال آلاف الأشخاص، بينهم كبار السن الذين لا يقوون على السير، خلف جبل سنجار. إلى الرغبة فى المضى قدما. وفى الوقت نفسه يواجه آلاف الأشخاص من أقلية عراقية أخرى محاصرة التركمان الشيعة. التدمير فى بلدة أميرلى القريبة من كركوك التى تحاصرها داعش. ويقاتل شيوخ القبائل فى الأنبار داعش، وطلبت الحكومة المحلية هناك مساعدة أمريكية ضد الجهاديين. ومخاطر هذا الإجراء جلية، وينبغى أن تكون مخاطر عدم اتخاذ أى إجراء واضحة كذلك.
•••
فى نهاية المقال أكد الكاتب على أن الحركات المسلحة التى تحركها الأيديولوجيا، كحركة داعش، حركات توسعية وكذلك إقصائية. وهناك باستمرار عدو جديد لابد من هزيمته، وتهديد جديد لحلم تنقية العالم. وقد جندت الدولة الإسلامية، التى يجعلها نجاحها جاذبة للجهاديين فى أنحاء العالم، مئات الانتحاريين الذين يمكن أن ينفذوا عمليات فى أنحاء المنطقة. وسوف يعود المئات من مقاتليها حاملى جوازات السفر الأوروبية أو الأمريكية فى نهاية الأمر إلى بلدانهم حاملين مهارات انتصارات ميدان القتال ومهاراته وغطرسته. ومن الصعب تصديق أن طموحات داعش ستظل مقصورة على حدود دجلة والفرات. واختتم مشيرا إلى أن الرئيس وحده هو من يمكنه أن يشرح للجماهير لماذا يتطلب احتواء داعش وهزيمتها اشتباكا عميقا ومطردا وصبورا. فالأمريكان تنتابهم أخطاء حرب العراق وخداعاتها ومآسيها. وتجعل سياستنا الداخلية شديدة السوء وجود جدل أمين بشأن هذه المسألة المستمرة أمرا بالغ الصعوبة. فإلقاء اللوم أسهل بكثير. لكن استيعاب دروس الماضى بشكل كامل ينبغى أن يعنى القدرة على التفكير بوضوح بشأن المضى قدما: البحث عن شركاء، دوليا ومحليا، وعدم التقدم عليهم. ولابد من فهم تعقد السياسة وأهميتها، وتحديد الأرضية المراوغة بين المبالغة فى الفعل وعدم كفاية الفعل.