جاء حفل رويال ألبرت هول بلندن ليضعنا ليس فقط أمام حالة خاصة من دفء الإبداع لصوت أنغام فى رحلة العودة والشفاء، ولكن أيضا للحظة إلهام كبرى عشناها مع عصا المايسترو والقائد الذى خلق أجواءً موسيقية ساحرة لتكتمل الصورة.
ففى مشهد موسيقى تتداخل فيه الخبرات وتتفاوت فيه القدرات، يبرز اسم المايسترو هانى فرحات كأحد الأعمدة الراسخة التى نقلت تجربة الأوركسترا العربية من المحلية إلى العالمية، وارتقت بها إلى مصاف العروض الكبرى فى أهم المسارح الدولية.
لم يكن فرحات مجرد قائد أوركسترا، بل صانع لحظة موسيقية متكاملة، تجمع بين الحرفية الأكاديمية، والذائقة الشرقية، والوعى بما يتطلبه الجمهور الحديث فى زمن السرعة والتقنية.
منذ بداياته، أظهر هانى فرحات حسا موسيقيا استثنائيا، إذ مزج بين الدراسة الأكاديمية والانفتاح على مدارس عالمية متنوعة فى قيادة الفرق السيمفونية، مما أكسبه مرونة نادرة فى التفاعل مع مختلف أنواع الموسيقى والغناء، خاصة فى تقديم الأغنية العربية بصيغة أوركسترالية تحترم جمالية اللحن الشرقى، وتعزف على أوتار العالمية.
قاده هذا النهج إلى التعاون مع كبار المطربين والمطربات فى العالم العربى، ومن بينهم عمرو دياب، وأنغام، وأصالة، وراشد الماجد، وحسين الجسمى، وماجد المهندس، ومحمد عبده، حيث شكل معهم ثنائيات فنية ناجحة، تمخضت عنها حفلات خالدة على مسارح شهيرة مثل: دار الأوبرا المصرية، ومسرح دبى أوبرا، وبوليفارد رياض سيتى، ودار أوبرا سيدنى، وأرينا باريس، ومؤخرا «رويال ألبرت هول» فى لندن، وغيرها من المسارح التى لطالما ارتفعت فيها الراية الموسيقية العربية بفضل قيادته والأداء الحى.
وقاد هانى فرحات الأوركسترا المتروبوليتانية الأسترالية فى دار أوبرا سيدنى ضمن سلسلة Marvels of Saudi Orchestra التى تنظمها هيئة الموسيقى السعودية، برفقة الأوركسترا الوطنية السعودية.
هذا الحدث تُرجم إليه رمزية كبرى، فهو أول مايسترو عربى يُدير أوركسترا بهذا الحجم فى هذا المسرح الشهير، ما يعكس خطوة مهمة فى طرح الموسيقى العربية على الساحة الدولية، كما قاد هانى فرحات أوركسترا باريس الفيلهارمونية ضمن فعاليات إكسبو 2030.
حفل باريس شهد مشاركة موسيقيين من عدة دول، وكان له حضور جماهيرى واسع، مما عزّز صورة الموسيقى العربية باعتبارها مادة فنية قادرة على منافسة الإنتاجات الموسيقية العالمية.
ما يميز فرحات، ويمنحه ثقة الفنانين والجمهور على السواء، هو إيمانه التام بأن المايسترو ليس مجرد ملوّح بالعصا، بل هو جسر بين المطرب والجمهور، وبين اللحن والتوزيع، وبين النص والشعور، ولذلك، نلاحظ حرصه على دراسة كل أغنية وتفاصيلها الدقيقة قبل العرض، ومشاركته الفعّالة فى عملية اختيار التوزيع والتقنيات الصوتية بما يخدم الصوت والرسالة.
وقد تلقّى فرحات إشادات واسعة من نجوم الغناء أنفسهم، حيث صرّحت الفنانة أنغام فى أكثر من لقاء أن «هانى فرحات هو الراحة النفسية فوق المسرح»، بينما وصفه راشد الماجد بأنه «المايسترو الذى يعرف متى يمنح المطرب جناحين ليحلق»، وقال عنه حسين الجسمى «هو القائد الذى يتنفس معنا الموسيقى».
كذلك، أشار بعض النقاد الموسيقيين الأوروبيين خلال مشاركته فى مهرجانات عالمية إلى «الدقة اللافتة فى تناغم التوزيع، وسلاسة الانتقالات الموسيقية التى يقودها فرحات».
وكان لفرحات حضور طاغٍ لدى الجمهور الغربى الذى استقبله فى باريس ولندن بحفاوةٍ كبيرة، خاصةً عند تقديمه توليفات أوركسترالية تمزج الموسيقى العربية الأصيلة بالروح العالمية، ما جعله بمثابة سفير فنى للموسيقى الشرقية المعاصرة.
ختامًا، لا يمكن الحديث عن نهضة الموسيقى الحية فى الحفلات الكبرى دون أن نذكر هانى فرحات، هو ليس فقط مايسترو يقود أوركسترا، بل هو مدرسة متكاملة فى الرؤية والتنفيذ، أحد أهم رموز العصر الذهبى للموسيقى العربية الحديثة، وعنوان لحضور عربى راقٍ فى الفضاءات العالمية.