«حواديت».. عندما  تتحول الحياة إلى مسرح نابض بالحكايات - خالد محمود - بوابة الشروق
الخميس 4 سبتمبر 2025 12:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

«حواديت».. عندما  تتحول الحياة إلى مسرح نابض بالحكايات

نشر فى : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 8:00 م

على خشبة مركز الإبداع الفنى، وفى قلب وطن يعج بالحكايات، وقف المخرج خالد جلال، كعادته، يلتقط تفاصيل الحياة من زواياها المهملة، ليعيد صياغتها بصريا دراما مسرحية جديدة بعنوان «حواديت» – ذلك العرض الذى يتجاوز كونه مشروع تخرج إلى ملحمة إنسانية مصغّرة، ورحلة مسرحية استثنائية، حيث تنسج القصص الصغيرة من شطيرة المجتمع الكبير. 

يمثل عرض «حواديت» مشروع تخرج الدفعة الثالثة – المجموعة A من ستوديو مركز الإبداع، ويضم حوالى 50 موهبة شابة، توجت بجائزة أفضل عمل جماعى فى الدورة الـ18 من المهرجان القومى للمسرح المصرى.

يفتتح العرض بحضور رمزى لشخصية «شهرزاد»، المعروفة بفن الحكى، التى خلقت للأجيال مساحات الحكى والفضفضة، وفى صورة بصرية موحية بالدخول فى أجواء وعوالم شخصيات متعددة تحيط بها على مدار زمن العرض، وكأن المخرج خالد جلال يقول لنا: «كلنا شهرزاد، وكلنا نمتلك حدوتة تستحق أن تُروى». ومن هنا تبدأ سلسلة من الاسكتشات القصيرة – 15 مشهدا تقريبا – كل واحد منها يعالج قصة مختلفة من واقعنا: عن التنمر، الخيانة، الموت، الترند، الأمل، ، اليأس ، الحب، الغضب والزواج، الفقد وغيرها.

لكن ليست القصص وحدها ما يميز العرض، بل الصدق فى الأداء. كل ممثل شاب وقف ليؤدى مشهدا من روحه، مستدعيا مشاعره الخاصة وكأنه لا يمثل، بل يعيش عبر أسلوب مسرحى متداخل: دراما وكوميديا، متشابك وذى إيحاءات رمزية عميقة.

الديكور الذى صمّمه محمد الغرباوى جاء بسيطا ورمزيا ومدهشا، يتيح للمشاهد أن يركّز على عمق النص والممثل لا على بهرجة المكان.. ديكور مقيد لكنه قوى بصريا، وتكرار موتيفات رمزية تعزز الحكاية.

 أما الموسيقى (أحمد الشرقاوى ورنا عطوفة) فتنقلت بسلاسة بين مشاعر متضادة: من الشجن إلى الفرح، من الغضب إلى العبث، وانتهت بأغنية «العفريت» التى أضفت لمسة مرحة تُبقى الجمهور ضاحكًا وهو يغادر المسرح.

رغم أن العرض جماعى، إلا أن كل فرد من الطاقم ترك بصمته الخاصة، من شيرى أشرف ونادين خالد إلى صلاح الدالى وياسمين عمر، ومرورا بأحمد شاهين، وشهاب العشرى، وإسراء حامد، ونيفين رفعت ويوسف مصطفى.

 برز أداء الممثلين بقوة خاصة فى مشاهد الحب غير المتبادل، أو الطفلة التى تحكى عن الفقد، أو المشهد الساخر الذى يتناول الهوس بالشهرة و«الترند»، حيث اختلطت الضحكة بالدمعة، والتهكم بالوجع، ومشهد المغالاة فى متطلبات الزواج بسخريته وواقعيته.. تألق الجميع كأنهم جيلٌ وُلد ليحمل مشعل المسرح المصرى الجديد.

«حواديت» ليس فقط تمرين تخرج، بل مانيفستو مسرحى يُعيد تعريف وظيفة المسرح فى زمن الازدحام التكنولوجى والسطحية الإعلامية. إنه صرخة تقول إن الفن لا يزال قادرًا على ملامسة القلب، متى كان صادقا وعميقا.

فى هذا العرض، يجعلنا خالد جلال شهودا على لحظات تمزق وسخرية وحب، بل وأمل أيضا. الحكايات التى تبدو بسيطة هى فى الحقيقة انعكاس دقيق لانكسارات مجتمع يبحث عن ذاته. بعمقه الإنسانى وقدرته على استدعاء الذكريات والوجدان.

مع «حواديت» نحن أمام  تجربة وجدانية تثبت أن المسرح لا يزال حيا، نابضا، ومؤثرا، بفضل فنانين يؤمنون بقوته، ومخرج يمتلك عينا ثاقبة ترى الإنسان خلف كل قصة.

المسرحية تظهر كيف أن المسرح يمكن أن يكون مقاومة للصمت، وفضاء للبوح والشفاء الجماعى، ويبقى العمل خطاب ملهِم يعيد للمسرح حيويته كمنصة لإعادة تشكيل الوعى، بصدق وليس بصخب.

إذا سنحت لك الفرصة أن تحضر «حواديت»، فافعل، وإن لم تستطع، فابحث عنها. لأن المسرح الذى يروى القصص الصادقة لا يمكن تركه.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات