نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا للكاتبة إيلى ماى أوهاجن تتحدث عن السبب وراء إعادة انتخاب إيفو موراليس رئيسا لبوليفيا للمرة الثالثة. استهلت أوهاجن المقال بقولها إن الرئيس الاشتراكى إيفو موراليس الذى أعيد انتخابه منذ أيام لولاية ثالثة رئيسا لبوليفيا، يعامل منذ فترة طويلة بسخرية من وسائل الإعلام فى الجزء الشمالى من العالم. وعلى غرار ما كان يحدث مع الراحل هوجو شافيز، غالبا ما يصور موراليس فى صورة رجل شعبوى مضحك، تكذب إدانته الحادة للولايات المتحدة، عدم أهليته. وهكذا، لا بد أن تركز تقارير فوزه الساحق، على إعلانه أن هذا الفوز «انتصار لمعاداة الإمبريالية»، وكأن المشاعر المناهضة للولايات المتحدة هو الشىء الوحيد الذى أعطاه موراليس إلى بوليفيا فى السنوات الثمانى التى قضاها فى الحكم.
•••
وأشارت الكاتبة إلى أن شعبية موراليس المستمرة، ترجع على الأرجح لإصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية الاستثنائية، التى ــ وفقا لصحيفة نيويورك تايمز ــ حولت بوليفيا من «حالة السلة الاقتصادية» Basket Case إلى هذا البلد الذى يتلقى الثناء من المتنافسين مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى ــ وهى مفارقة نظرا لأن نجاح البلاد كان نتيجة للإدارة الاشتراكية التى ترفض توصيات صندوق النقد الدولى فى الأساس. ووفقا لتقرير صادر عن مركز البحوث الاقتصادية والسياسية فى واشنطن، «حققت بوليفيا على مدى السنوات الثمانى الماضية، نموا أسرع بكثير مما كانت عليه فى أى فترة خلال العقود الثلاثة والنصف الماضية». وكانت فوائد هذا النمو الذى يشعر به الشعب البوليفى فى ظل موراليس: انخفاض الفقر بنسبة 25٪، وتراجع الفقر المدقع بنسبة 43٪، وزيادة الإنفاق الاجتماعى بأكثر من 45٪، وزيادة الحد الأدنى للأجور الحقيقية بواقع 87.7٪. وربما ليس من المستغرب أن تثنى اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى على بوليفيا لكونها «إحدى البلدان القليلة التى خفضت التفاوت بين الدخول». وفى هذا الصدد، تعتبر إعادة انتخاب موراليس أمرا طبيعيا، فالناس ببساطة يحبون أن يكونوا آمنين اقتصاديا.
وأضافت أوهاجن؛ صحيح أن موراليس صنع أعداء له فى البيت الأبيض، ولكن هذا على الأرجح ليس له علاقة بخطابه، وإنما بحقيقة أنه يدعو باستمرار لمنح الشرعية الدولية لأوراق نبات الكوكا، التى تمضغ كجزء من الثقافة البوليفية، لكن يمكن أيضا تحويلها إلى الكوكايين (عبر عملية كيميائية مثيرة للاشمئزاز حقا). قبل انتخاب موراليس، ذكرت صحيفة التلجراف: «ربما يزيد عدم تجريم نبات الكوكا المعروض منه الذى يتم تحويله إلى الكوكايين، ليوفر لتجار المخدرات المزيد من المادة غير المشروعة المربحة». وفى العامين الماضيين حدث العكس، فى الواقع، حيث انخفضت زراعة الكوكا فى بوليفيا. وتمثل هذه الحقيقة غير المريحة مصدر ذعر كبير لحكومة الولايات المتحدة، التى ضخت مليارات الدولارات فى حربها غير الفعالة تماما، والتى اتخذت الصورة العسكرية إلى حد كبير على المخدرات فى أمريكا اللاتينية. وترى الكاتبة أن موراليس قد ألمح من قبل، أن الولايات المتحدة تستخدم ذريعة الحرب على المخدرات من أجل التدخل فى سياسة المنطقة. وعلى الرغم من ذلك تعتبر الفترة السابقة لحكم موراليس مثالية. فقد تعرضت الحكومة البوليفية فى وقت سابق هذا العام إلى انتقادات من جماعات حقوق الإنسان من أجل الحد من عمالة الأطفال الأقل من عشر سنوات. ولكن معظم وكالات الأنباء تتجاهل ذكر أن الحكومة تستجيب لحملة من نقابة الأطفال، التى ترى فى تغيير التشريع خطوة أولى لحماية 850 ألف طفل عامل فى بوليفيا من الاستغلال الذى يأتى مع العمل سرا. وعلى الرغم من أن بوليفيا حققت خطوات هائلة فى الحد من الفقر، لا يزال أكثر من مليون من مواطنيها يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا، وهو إرث من الفقر المدقع فى بوليفيا، من قبل تولى موراليس منصبه.
وأكدت الكاتبة على ضرورة أن يجعل موراليس خفض عدد الأطفال العاملين أولوية خلال ولايته الثالثة. فسيشكل عدم تحقيق ذلك فشلا خطيرا لمشروعه التقدمى من حيث الإصلاحات الاجتماعية، وينبغى أن يستجيب موراليس للنداءات الأخيرة التى أطلقها المحامى العام لبوليفيا رولاندو فيلينا، لإضفاء الشرعية على الزواج المدنى وتمهيد الطريق للتكافؤ فى الزواج. كما ينبغى أن يحذو حذو رئيس أوروجواى، خوسيه موخيكا، وتحرير الإجهاض تماما، ووهو ما سيكون خطوة أولى جيدة لمعالجة ارتفاع معدلات وفيات الأمهات فى البلاد. ويجب أيضا على موراليس معالجة انتقادات زعماء السكان الأصليين الذين يتهمونه بعدم الوفاء بالتزاماته بحماية السكان الأصليين والبيئة.
•••
وفى نهاية المقال أشارت أوهاجن إلى أن ما فعله موراليس فى بوليفيا بالفعل كان رائعا أيا كان ما سيفعله فى ولايته الثالثة. حيث ضحد الفكرة التقليدية التى تقول إن السياسات اليسارية تضر بالنمو الاقتصادى، وأن المنتمين للطبقة العاملة لا يمكنهم إدارة اقتصادات ناجحة، كما فعل كل هذا فى مواجهة ضغوط سياسية هائلة من صندوق النقد الدولى ومجتمع الأعمال الدولى وحكومة الولايات المتحدة. ولا شك أن نجاح موراليس، يحتوى على دروس سياسية مهمة يمكن التوصل إليها والتعلم منها.