أما وأن الرئيس الأمريكى قد قرر أن يكوِّن جيشا عربيا ليحارب هذه الجماعة أو تلك، وليكرس الوجود العسكرى الأمريكى الاستعمارى فى هذه البقعة من الوطن العربى أو تلك، ليضيف هذا الإنجاز إلى إعلاناته شبه اليومية بحق الولايات المتحدة الأمريكية فى ابتزاز دول النفط الخليجة العربية؛ لإجبارها على مساعدة الاقتصاد الأمريكى، وذلك من خلال شراء السلاح الأمريكى بمئات المليارات من الدولارات، ومن خلال الاستثمار فى ترميم البنية التحتية الأمريكية ومساعدة الشركات الأمريكية المتعثرة للخروج من أزمتها.
أما وأن هذه السياسة التدخلية الابتزازية تتبلور يوما بعد يوم، وتؤكد قبولها ابتسامات المسئولين الخليجيين وهم يجلسون على كراسى البيت الأبيض بقرب الرئيس التاجر ــ فإننا يجب أن نستذكر ونتساءل عن المشروعين العربيين القوميين المشتركين التاليين:
الأول هو مشروع تكوين قوة عسكرية مشتركة، والذى اقترحته الشقيقة جمهورية مصر العربية منذ ثلاث سنوات فى اجتماع للقمة العربية، والذى لاقى ترحيبا من جميع القادة المجتمعين آنذاك.
لقد عقد رؤساء أركان الجيوش العربية اجتماعين خلال شهور ثلاثة من اجتماع القمة، وكوَّنوا اللجان الفنية لدراسة الجوانب التنفيذية للمشروع، ليفاجأوا برفض دولتين خليجيتين المشاركة فى المشروع. هناك قُبر المشروع ودخل طى النسيان.
اليوم تتحمس نفس الدولتين لتكوين القوة العسكرية العربية المشتركة، ولكن تحت هيمنة وقيادة أمريكية، ولأغراض معادية للمصالح العربية القومية العليا، بل وتلتزمان بتمويل المشروع.
هل نحن فى حلم أم علم؟
رفض مشبوه لمشروع عربى مستقل يخدم استقرار وأمن الأمة العربية عبر كل جزء من وطنها الكبير، وقبول مشبوه لمشروع إمبريالى يهدف إلى زيادة الصراعات وتفتيت الأوطان من أجل خدمة المشروع الصهيونى الذى يقف وراء كل قرار أمريكى فى أرض العرب.
***
ما تقترحه أمريكا هو لخدمة المشروع الاستيطانى الإمبريالى الصهيونى، وما اقترحته مصر العربية هو للوقوف فى وجه ذلك المشروع ومن أجل المصالح العربية القومية العليا، فهل للمسئولين فى بعض دول الخليج العربى أن يبينوا لشعوبهم وشعوب الأمة العربية المشدوهين المتسائلين مبررات وأسباب وخفايا هذا الانقلاب الغريب؟
نحن العرب، الذين كنا وما زلنا نؤمن بأهمية التعاضد العربى والمصالح العربية المشتركة والعمل العربى المشترك ضد أعداء هذه الأمة التاريخيين والمتآمرين الجدد، نشعر بأننا نعيش كابوسا يهزُ كل ذرة فى كياننا العروبى الوحدوى. وبعد ذلك نسأل: هل الهدف من هذا الجنون الذى تعيشه هذه الأمة هو إيصالها إلى حالة اليأس والقنوط والاستسلام الكامل؟
أما المشروع الثانى، فهو مشروع التصنيع العسكرى العربى المشترك. لقد قام ذلك المشروع فى فترة الزخم القومى الوحدوى المبهر، ودخل الاحتضار فى فترة التراجع القومى البائس.
والآن، والابتزاز الأمريكى يزداد شدة ووقاحة، هل ستظلُ المليارات العربية رهينة خدمة الصناعة العسكرية الأمريكية بدلا من التوجه نحو صناعة عسكرية عربية؟ كيف يستطيع الكيان الصهيونى، الصغير الحجم، المحدود الإمكانيات، أن تكون لديه صناعة عسكرية بالغة التطور، ولا تستطيع تريليونات البترول والغاز العربى أن توجد صناعة مشتركة لإنهاء الابتزاز الأمريكى من جهة ولتقوية الاستقلال السياسى القومى من جهة أخرى؟
***
لا نعرف إن أبقت الصراعات العربية والحروب العربية فى بقاع متنامية من الوطن العربى أى أموال عربية فائضة لقيام مثل هكذا مشروع. لكن هل البديل لإضاعة الفرصة التاريخية التى وجدت منذ عدة عقود سابقة، هو بقاء الوطن العربى كأكبر مستورد للسلاح فى العالم كله، وعلى الأخص السلاح الأمريكى؟
من هنا، يحق لنا أن نتساءل:
متى ستعود القمم العربية لبحث سبل حماية الأمن العربى بالوسائل العربية المشتركة، تنظيما وصناعة وأهدافا واحدة وتحييدا للتنامى العسكرى الصهيوني؟
مثل هكذا تفكير وتوجه سيعنى الدخول فى ساحات الفعل، وهو ما لا تريد القمم العربية، وأدواتها الكسيحة فى جامعة الدول العربية، الانتقال إليه. فنحن مهووسون بالرفض والاستنكار والصراعات الطائفية وتهويل المخاطر الإقليمية والمحلية بدلا من أى فعل ذاتى يتطلب الإرادة المستقلة والعلم الموضوعى والفعل فى الواقع. يكفى الإنسان قراءة البيان الختامى لاجتماع القمة الأخير ليدرك كم نمارس الكلام دون الفعل اللهم إلاُ إذا كان الفعل بإرادة وهيمنة وتخطيط ومشاركة أمريكا أو هذه الدولة الأوروبية أو تلك.
فى هذا العالم المضطرب يصبح غياب القدرة العسكرية الذاتية لأية أمة كارثة وفجيعة ستحمل وزرها أجيال المستقبل، وسيكون حكم التاريخ قاسيا على بلادات الحاضر.
dramfakhro@gmail.com