منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى، وما تبعها من عدوان إسرائيلى على سكان قطاع غزة من المدنيات والمدنيين الأبرياء، أظهرت الولايات المتحدة دعما غير مسبوق لإسرائيل تخطى كل الدعم التاريخى الذى التزم به كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، الجمهورى منهم أو الديمقراطى. وخلال زيارته لإسرائيل، قال وزير الخارجية، تونى بلينكن، «الرسالة التى أحملها إلى إسرائيل هى: «قد تكون قويا بما يكفى للدفاع عن نفسك، ولكن ما دامت أمريكا موجودة، فلن تضطر أبدا إلى ذلك، سنكون دائما بجانبك». وقبل ذلك، كرر الرئيس جو بايدن القول إن «الولايات المتحدة ودولة إسرائيل شريكان لا ينفصلان»، وإن واشنطن «ستواصل التأكد من أن إسرائيل لديها ما تحتاجه للدفاع عن نفسها وشعبها».
فى حين أن تصرفات إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، تعد غير مسبوقة فى الطريقة التى تدعم بها واشنطن هجمات تل أبيب على السكان المدنيين الفلسطينيين، إلى درجة رفض الدعوة لوقف إطلاق النار، يكشف التاريخ الأمريكى أن نهج بايدن لا يختلف جذريا عن السياسة الأمريكية طويلة الأمد تجاه فلسطين وإسرائيل.
• • •
مع بدء فترة حكم بايدن فى 20 يناير 2021، تعهد الرئيس الأمريكى بإعادة المبادئ الحاكمة التى وجّهت الدبلوماسية الأمريكية نحو الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، ويشمل ذلك دعم حل الدولتين، ومعارضة ضم إسرائيل الأراضى وبناء المستوطنات، إلا أنه لم يتراجع عن قرار ترامب بنقل سفارة واشنطن إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ولم يُعد افتتاح قنصلية بلاده بالقدس الشرقية.
ومع بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، دعم بايدن إسرائيل عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، ومعنويا.
عسكريا، تخطى بايدن كل من سبقوه من رؤساء أمريكيين فى دعم حكومة إسرائيل اليمينية بأحدث ما تملكه واشنطن من أسلحة وعتاد. وعلى مدى أكثر من ثلاثة أسابيع، لم يتطرق بايدن لضرورة وقف إطلاق النار أو خفض التصعيد، وبدلا من ذلك اتخذ بايدن خطوات عسكرية فورية لدعم إسرائيل، وأمر بايدن بنشر حاملتى طائرات «جيرالد فورد» و«دوايت آيزنهاور» لشرق البحر المتوسط، فى رسالة دعم عسكرى لإسرائيل ولردع خصومها، ولتهديد أى أطراف تفكر فى التدخل بالمعارك الجارية، هذا إضافة لأكثر من عشرين قطعة بحرية وتعزيز أسراب القوات الجوية فى الشرق الأوسط، وتسليم إسرائيل شحنات طارئة من الأسلحة والذخائر.
سياسيا، كرر بايدن القول إن «الولايات المتحدة ودولة إسرائيل شريكان لا ينفصلان»، وإن واشنطن «ستواصل التأكد من أن إسرائيل لديها ما تحتاجه للدفاع عن نفسها وشعبها»، وأن القضاء على حماس ليس واجبا على إسرائيل، بل ضرورة لا يجب التراجع عنها.
كما شارك بايدن فى اجتماع لمجلس الحرب الإسرائيلى خلال زيارته لها، وقال فيه إنه سعيد لرؤية الحكومة الإسرائيلية موحدة، مع انضمام المعارضة إليها منذ بدء الحرب، وكرر بايدن جملة: «أريدكم أن تعرفوا أنكم لستم وحدكم».
دبلوماسيا، بعث بايدن وأركان إدارته برسائل لعواصم الدول الحليفة بضرورة إدانة ما قامت به حركة حماس، والضغط عليها للإفراج عن الأسرى والمحتجزين لديها، دون الحديث عن معاناة وآلام أكثر من 2.3 مليون نفس بشرية هم سكان قطاع غزة. ولجأت إدارة بايدن إلى حق النقض (الفيتو) يوم 18 أكتوبر الماضى، حين استخدمته السفيرة ليندا توماس جرينفيلد ضد قرار تقوده البرازيل يدعو إلى «هدنة إنسانية تسمح بإدخال المساعدات للمدنيين».
وأخيرا، أظهر بايدن دعما معنويا كبيرا للضحايا الإسرائيليين ولعائلات الأشخاص المحتجزين والأسرى لدى حماس من ناحية، ومن ناحية أخرى منح الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية لتقوم بما تريد به. وكرر الرئيس الأمريكى ادعاءات إسرائيلية عدة مرات، وهو ما اضطر البيت الأبيض بعدها للتراجع وتصحيح ما جاء من أكاذيب على لسان بايدن مثل أكذوبة «قطع رءوس الأطفال».
• • •
لا يمكن فهم دوافع الولايات المتحدة ولا موقف الرئيس بايدن لاتخاذ مثل هذه المواقف المؤيدة لإسرائيل من دون العودة للعامل الدينى الذى يعد حجر الأساس الأهم، فى مصادر الدعم لإسرائيل داخل الولايات المتحدة. فجماعات المسيحيين اليمينيين «البروتستانت الإنجيليين» فى أمريكا، تدفع للتعجيل بسيطرة إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة، إيمانا منها بأن هذا يُسرّع عودة المسيح الثانية.
ويعتقد والتر راسیل مید، الباحث بمعهد هادسون والكاتب بصحيفة وول ستريت جورنال، أن «التأييد الأمريكى البروتستانتى لليهود وإسرائيل وُجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأمريكية الناشئة، وقبل أن تتأسس دولة إسرائيل».
وتتميز البروتستانتية فى الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية، أولاهما هيمنة الاتجاه الأصولى عليها، وثانيها سيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين.
• • •
ربما بدا أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الأكثر قسوة على الشعب الفلسطينى، بوقفها تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ــ أونروا ــ والاستغناء عن مصطلح «الاحتلال»، وإنهاء التمثيل الدبلوماسى الفلسطينى فى واشنطن، وما تبع ذلك من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، والاعتراف بها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، إلا أن تصرفات الرئيس الديمقراطى الذى سبقه قد مهدت لذلك، فقد كافأ باراك أوباما إسرائيل بأكبر حزمة مساعدات عسكرية أمريكية فى تاريخها، عقب توقيعه الاتفاق النووى مع إيران فى 2015، إلا أن ما فعله جو بايدن فى دعم العدوان الإسرائيلى على المدنيات والمدنيين بقطاع غزة، يفوق أى دعم سابق تلقته إسرائيل على مدى تاريخها.