نشر مركز الأبحاث «The Germal Marshall Fund of the United States» مقالا للكاتبة Sydney Simon تناولت فيه محاولات روسيا للتدخل فى الانتخابات الأمريكية القادمة، وكيف للولايات المتحدة أن تواجه مثل هذا التدخل بالاستفادة من تجارب دول أوروبا... ونعرض منه ما يلى:
«فى الوقت الحالى، تستعد أجهزة الأمن الروسية ووكلاؤها لتكرار تدخلهم فى انتخابات 2020.. الوقت يداهمنا لإيقافهم» هذا الإنذار الحاد الذى وجهته «فيونا هيل»، المسئولة السابقة فى مجلس الأمن القومى، خلال جلسات المساءلة فى الكونجرس الأمريكى، بمثابة تذكير بالتهديد الذى تمثله المعلومات المغلوطة والتدخل الأجنبى للديمقراطية الأمريكية.
كان هجوم روسيا على الديمقراطية الأمريكية فى عام 2016 غير مسبوق، لكن قواعد اللعبة التى تمارسها روسيا ليست هى الأولى من نوعها. حيث استخدم الكرملين حرب المعلومات لمهاجمة دول فى أوروبا قبل وبعد ترشيح دونالد ترامب وهيلارى كلينتون للبيت الأبيض.. واستفاد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، واحتجاجات الستر الصفراء فى فرنسا، وصعود السياسة اليمينية المتطرفة فى ألمانيا، وصراع الاستقلال الكتالونى فى إسبانيا، وبلا شك ساعد ذلك فى تضخيم الخلاف وتقسيم المجتمعات لصالح روسيا.
إن تدخل روسيا المستمر فى الشئون الأمريكية هو مجرد قطعة صغيرة على رقعة شطرنج كبيرة. لأن أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية للكرملين هو تشويه وتقويض وإحراج ما يعتبره نظاما دوليا ليبراليا يهدف إلى إبقاء روسيا غير مستقرة. ويمكن من خلال استمرار تدفق المعلومات المغلوطة وتشكيل واقع مربك التأثير على ما يحدث فى العالم.
لا تزال الحكومة الأمريكية متخبطة بشأن كيفية بناء ترسانة فعالة للحماية من التضليل والتأثيرات الأجنبية الأخرى. يجب عليها أن تتعلم من خبرات دول أخرى وتبحث عن الشراكات. لقد واجهت العديد من الدول الأوروبية نفس المشكلة وتتبنى مناهج إبداعية لحلها على المستوى الوطنى ومستوى الاتحاد الأوروبى.
هناك العديد من الأمثلة المختلفة التى يمكن ذكرها، فإن نظرة على دول البلطيق والسويد والاتحاد الأوروبى بشكل عام تمثل مجموعة متنوعة من الأمثلة لدول كان لها تجارب حالية وتاريخية مختلفة مع التدخل الروسى.
نموذج البلطيق: مشاركة المواطن
إن إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، التى تقع على الجهة الشرقية لحلف الناتو، تدرك تمام الإدراك مدى خطورة حرب المعلومات التى تواجهها فى الحياة اليومية. فطوال الحرب الباردة وحتى يومنا هذا، كانت تكتيكات التضليل الروسية ــ بما فى ذلك استخدام السرد التاريخى المشوه و«المتصيدون» ــ هدفها إرسال رسالة محددة بشكل ممنهج... دول البلطيق الصغيرة هذه لديها دروس للولايات المتحدة.
فالأهم من ذلك، قام مواطنو دول البلطيق بأدوار نشطة فى إيجاد معلومات مضللة وفضح زيفها. فأنشأت إستونيا وحدة للدفاع الإلكترونى، وهى وحدة مكونة من جيش من المتطوعين المتخصصين فى تكنولوجيا المعلومات لديهم قدرة على الاستجابة السريعة. يتمثل دور الوحدة فى «حماية التكنولوجيا فى إستونيا، بما فى ذلك حماية البنية التحتية للمعلومات ودعم أهداف الدفاع الوطنى». بعد احتجاجات الميدان الأوروبى فى أوكرانيا فى عام 2014 ــ عندما مارس الكرملين نفوذه الهائل الذى مهد الطريق لضم شبه جزيرة القرم ــ بدأت مجموعة لامركزية من المتطوعين تعرف باسم «جان البلطيق» فى مواجهة المعلومات المغلوطة وكشفها على وسائل التواصل الاجتماعى وكذلك فى أقسام التعليقات فى المقالات الإخبارية على الإنترنت، وفضح المتصيدين الذين ينشرونها.
منهج السويد الشامل لمواجهة التدخلات الروسية
على الرغم من أن السويد ليست قريبة من روسيا مثل دول البلطيق، فإنها تقع فى جزء مهم ــ من الناحية الجغرافية السياسية ــ فى أوروبا، والأهم من ذلك أنها ليست عضوا فى الناتو. لقد كانت هدفا لعمليات التضليل الروسية الهادفة إلى تقويض ديمقراطيتها وإفساد أى احتمالات للانضمام إلى الناتو فى المستقبل.
تتخذ السويد منهجا متعدد الأوجه لمواجهة مشكلة التضليل الروسى، بما فى ذلك إعادة تحديد طريقة تصنيف التهديدات وطريقة حشد وسائل الإعلام لمواجهتها. وأكدت استراتيجية الأمن القومى لعام 2017 على ضرورة تحديد وتحييد حملات الدعاية. بالإضافة إلى الوكالة السويدية المدنية للطوارئ (MSB)، المكلفة بحماية المواطنين من عمليات التضليل والتأثير، وأعلنت الحكومة العام الماضى عن خطط لإنشاء جهاز جديد لـ«الدفاع النفسى» فى البلاد. وصرحت الحكومة بأن الغرض من وراء إنشاء هذا الجهاز هو «المساهمة فى بناء المهارات الدفاعية للسكان خلال وقت السلم، والمقاومة فى أثناء الحرب، وضمان توصيل المعلومات العامة بسرعة وفاعلية حتى فى ظل الظروف التخريبية، وكذلك تحديد وتحليل ومواجهة العمليات المؤثرة».
تتعامل السويد أيضا مع وسائل الإعلام باعتبارها سلاحا مهما يمكن الاستفادة منه. فقبل انتخابات عام 2018، تعاونت هيئة الابتكار السويدية مع شركات الإعلام المحلية لإنشاء منصة رقمية مصممة لمنع انتشار المعلومات الخاطئة على الإنترنت من خلال التحقق التلقائى للمعلومات. كما عمل وزير الرقمنة مع Facebook على إنشاء «خط ساخن» يمكن من خلاله أن تقوم الوكالة السويدية المدنية للطوارئ وأية أحزاب سياسية الإبلاغ مباشرة عن المشكلات التى تطرأ فى أثناء الحملة.
هذا مثال حيوى ومهم لكيفية تبادل المعلومات. فبالنظر إلى الطبيعة العالمية وغير المقيدة لوسائل التواصل الاجتماعى، يمكن مشاركة المعلومات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والمنصات بشكل أفضل، وهم ما يساعد فى تعزيز الحوار المفتوح الذى تشتد الحاجة إليه بين القطاعين العام والخاص، والقضاء على المعلومات المضللة بكفاءة أكبر.
نهج بروكسل المؤسسى
أظهر الاتحاد الأوروبى ــ وهى هيئة غارقة فى البيروقراطية والسياسة الداخلية ــ قيادته. ففى العام الماضى، أطلق خطة العمل الخاصة به لمكافحة المعلومات المضللة، وزاد من التمويل لإيجاد المعلومات المضللة وفضحها فى الوقت المناسب من خلال «نظام الإنذار السريع».
إن فرقة عمل EastStratCom التابعة لدائرة العمل الخارجى الأوروبية، والتى أنشئت فى عام 2015، مكلفة بالرد على حملات التضليل الروسية. من هذا كله يمكن للحكومة الفيدرالية الأمريكية والكونجرس الاستفادة من هذا الجهد لكشف وفضح الأخبار المزيفة على منصات يسهل على الجمهور الوصول إليها. كما تلعب وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث المستقلة والمؤسسات الأكاديمية والمؤسسات والشركات الخاصة دورا حاسما من خلال القيام بذلك يوميا. فمشهد التضليل الروسى المعقد يستدعى استجابة حكومية، كما توضح تجربة الاتحاد الأوروبى.
ماذا بعد؟
فى وقت تواجه فيه العلاقات عبر المحيط الأطلسى أزمات متماثلة وقاسية، يمكن أن يكون العمل الجماعى حول تبادل المعلومات بمثابة فرصة لإيجاد أرضية مشتركة حيث تتطلع الولايات المتحدة إلى ذلك عام 2020 وما بعده. فمن جانب، مع استمرار الدعوات إلى محو الأمية الإعلامية بشكل أفضل، ينبغى لأمريكا أن تستفيد من دول البلطيق، حيث قام المواطنون العاديون بأدوار بارعة فى إيجاد المعلومات المضللة وفضحها. ومن جانب آخر، قام الاتحاد الأوروبى بجمع التكتيكات الروسية والمعلومات الخاطئة وتصنيفها وفضحها على المنصات الإلكترونية المتاحة للجمهور.
كانت الولايات المتحدة بطيئة فى إدراك الضرر الناجم عن المعلومات المغلوطة وعليها أن تعترف بمدى قدرة هذه المعلومات المضللة على زعزعة الثقة فى الديمقراطية. إن إدراك الحكومة والقطاعات المختلفة لهذه المشكلة كقضية جديدة من القضايا الأمنية يمكن أن يكون خطوة جريئة فى الاتجاه الصحيح تمهيدا للسيطرة والقضاء عليها.
الولايات المتحدة ــ وغيرها من الديمقراطيات ــ ليست بالضرورة مصممة لمواجهة أجهزة المعلومات التى تديرها أى دولة لإضعاف خصومها، لكنهم جميعا يشتركون فى مكافحة التدخل الأجنبى والحفاظ على المؤسسات الديمقراطية. ومع اقتراب انتخابات عام 2020، يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من تجارب شركائها فى مواجهة التدخل الروسى. وفى النهاية يمكن للديمقراطيات ــ التى تعمل معا ــ أن تحد من فرص نجاح خصومهم.
إعداد / ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلي