فى 3 أغسطس الماضى، وخلال افتتاح المدينة الصناعية الغذائية «سايلو فودز» بمدينة السادات، قال الرئيس السيسى: «آن الأوان لزيادة ثمن رغيف الخبز.. مينفعش يكون ثمن 20 رغيفا يساوى سيجارة»، ثم عاود الرئيس الحديث عن الموضوع فى 14 أغسطس قائلا: «الناس استغربت قوى لما اتكلمت فى رغيف العيش، قالت أنت بتتكلم فى الموضوع ده ليه، دى منظومة، خلال الـ 50 سنة اللى فاتوا اتعمل منظومات كتيرة كانت مترتبة على ظروف وأوضاع موجودة فى الوقت ده».
وأضاف الرئيس خلال افتتاح عدد من المشروعات فى مدينة بدر: «الظروف دى مش ممكن تستمر أو نقبل أنها تستمر كده على طول، رغيف العيش لما زاد من قرشين إلى 5 قروش كان بيتكلف 18 قرشا، ولما بقى 5 صاغ دلوقتى بيتكلف 65 قرشا».
لكن الحديث عن رفع سعر الخبز التموينى الذى تقول البيانات الرسمية إنه يكلف ميزانية الدولة نحو 48 مليون جنيه سنويا، توقف قبل أن يتجدد مع بداية العام الجديد على لسان وزير التموين الدكتور على المصيلحى، الذى قال فى تصريحات تلفزيونية إنه يتم حاليا دراسة الرفع التدريجى لسعر الخبز المدعم مع تحديد الفئات الأكثر احتياجا لتعويضها.
الدكتور المصيلحى، كما هى العادة عند الحديث عن منظومة دعم السلع الأساسية، ومن بينها الخبز، قال إن الهدف ليس تقليل الدعم ولكن رفع كفاءته، و«أننا لا نرغب فى التأثير بالسلب على الفئات المحتاجة»، مؤكدا أنه لم يتخذ قرارا حتى الآن فى الخبز، ولن يتخذ القرار فى هذا الشأن قبل الحوار مع البرلمان والجهات ذات الصلة، على الرغم من أن الدراسات فى هذا الشأن موجودة.
لكن هل سيشمل الحوار مع «الجهات ذات الصلة» إعطاء فرصة لسماع أصوات 72 مليون مواطن يستفيدون من فاتورة الدعم؟، وهل وضعت الحكومة فى الحسبان ما إذا كان مثل هذا القرار ملائما عقب سلسلة متواصلة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات وكان آخرها رفع سعر السكر الذى يباع على بطاقة التموين بمقدار جنيهين بدءا من أول يناير الجارى، ليصبح ثمن الكيلو جرام 10.5 جنيه بدلا من 8.5 جنيه؟
وهل هناك فرصة لسماع آراء خبراء آخرين، من غير أولئك الذين يستسهلون رفع الأسعار عوضا عن التفكير فى بدائل ترشد فاتورة الدعم ولا تهدد جيوب الفقراء بمزيد من الأعباء؟.. أعتقد أن الدولة إن كانت تنتوى رفع الدعم عن الخبز فعليها فتح النوافذ والشبابيك لسماع كل الآراء، حتى يكون الجميع على بينة بأسباب ودوافع رفع الدعم أو تحويله من عينى إلى مادى كما تتحدث الحكومة، جنبا إلى جنب تحذيرات بعض الخبراء من تداعيات مثل هذا القرار على الشارع المصرى من دون تهويل أو تهوين.
منذ تعويم الجنيه فى عام 2016، وحتى الآن مر الاقتصاد المصرى بالعديد من المحطات التى رافق بعضها رفع سعر سلعة أو خدمة، بينها المواد البترولية وأسعار الكهرباء، وتذاكر المترو والقطارات، وحتى رسوم استخراج الوثائق الرسمية، فهل تتحمل جيوب البسطاء المزيد من الأعباء؟
لا أحد ينكر أن الدولة اقتحمت العديد من الملفات التى مثلت تحديات حقيقة، وعوقت مصر عشرات السنين، وفى مقدمتها الإسكان والطرق والصحة، ومدت يدها لإنجاز العديد من المشروعات المهمة، غير أن ملف الدعم يحتاج إلى المزيد من الفحص والتحميص، والنقاش المجتمعى الواسع، خشية أن يتحول إلى سلاح ذى حدين، أحدهما يستهدف تخفيف العبء عن كاهل الدولة، والآخر قد يخرج عن الخط المرسوم، ويكلفنا فاتورة أكبر من قيمة الدعم نفسه، وهى مخاوف مشروعة ويجب عدم التقليل منها.