الذكاء الاصطناعى بين الفرص والمخاطر - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 25 سبتمبر 2025 11:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الذكاء الاصطناعى بين الفرص والمخاطر

نشر فى : الخميس 25 سبتمبر 2025 - 9:05 م | آخر تحديث : الخميس 25 سبتمبر 2025 - 9:05 م

نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى للشرق الأوسط مقالا للكاتبة نور عرفة، تناولت فيه التطور المتسارع فى مجال الذكاء الاصطناعى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذى تقوده بشكل أساسى دول مجلس التعاون الخليجى، موضحة أن هذا التطور سيؤدى إلى تفاقم التفاوت الاقتصادى والجيوسياسى بين دول المنطقة. بينما تستثمر دول الخليج بكثافة فى الذكاء الاصطناعى لتقليل اعتمادها على النفط وتنويع اقتصاداتها، فإن الدول الأخرى ذات الدخل المنخفض تواجه تحديات كبيرة بسبب أزماتها الاقتصادية والمالية.. نعرض من المقال ما يلى:
خلال السنوات القليلة الماضية، ازداد اهتمام عددٍ من الحكومات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتقنيات الذكاء الاصطناعى. وتبرز حماسة تلك الحكومات خصوصًا تجاه الإمكانات الاقتصادية للذكاء الاصطناعى، إذ قدّر تقرير حديث أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يساهم بمبلغ 320 مليار دولار فى اقتصادات المنطقة بحلول العام 2030.
وإذا ما أصبح الذكاء الاصطناعى محركًا رئيسًا للنمو والتنمية الاقتصادية فى المستقبل، فمن المرجّح أن تتفاقم أوجه التفاوت الإقليمى، ما سيعمّق الاختلالات القائمة ويُسرّع مسار إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لصالح دول مجلس التعاون الخليجى. وقد تصدّرت هذه الأخيرة، ولا سيما الإمارات والسعودية، المشهد من خلال استثماراتها فى تقنيات الذكاء الاصطناعى وإنشاء البنى التحتية والمنظومات الداعمة لها. وتُعدّ هذه الجهود جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات التنويع الاقتصادى الهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز وتنويع مصادر الإيرادات.
فى العام 2019، اعتمدت الإمارات استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعى 2031، التى تهدف بشكل أساسى إلى ترسيخ موقعها كقوة رائدة عالميًا فى هذا المجال. وتسعى الاستراتيجية إلى تعزيز تنافسية قطاع الذكاء الاصطناعى الإماراتى، وإطلاق حاضنة للابتكار، وتطوير الكفاءات التى ستشغل وظائف المستقبل، وجذب القدرات فى مجال البحث والتطوير، وتعزيز الحوكمة، وغيرها من الأهداف. وفى إطار مساعيها الرامية إلى مأسَسة الذكاء الاصطناعى ودمجه فى مختلف القطاعات الحكومية، عيّنت الإمارات فى العام 2017 أول وزير دولة للذكاء الاصطناعى والاقتصاد الرقمى وتطبيقات العمل عن بُعد. وتبع ذلك فى العام 2024 تعيين 22 رئيسًا تنفيذيًا للذكاء الاصطناعى فى مؤسّسات حكومية رئيسة، منها الشرطة والنقل والكهرباء.
وعلى غرار الإمارات، تسعى السعودية إلى أن تصبح لاعبًا عالميًا فى الابتكار التكنولوجى والذكاء الاصطناعى. ففى العام 2019، أنشأت المملكة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعى (سدايا) من أجل تحقيق الأهداف المرتبطة بالذكاء الاصطناعى فى إطار رؤية السعودية 2030 (وهى خطة المملكة الوطنية لتنويع الاقتصاد)، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير هذه التكنولوجيا. وفى إطار رؤية 2030 والاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعى، تهدف السعودية إلى تعميم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى على امتداد المملكة، وإنشاء منظومة جاذبة للشركات العالمية والناشئة، وتدريب القوى العاملة المحلية على استخدامها. وتشمل القطاعات الرئيسة المستهدفة بتبنّى الذكاء الاصطناعى والاستثمار فيه: الرعاية الصحية، والإدارة العامة، والنقل، والتعليم، والطاقة.
لكن، على الرغم من هذه الجهود لتطوير الذكاء الاصطناعى، ما زالت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنخفضة الدخل تعانى من أوجه قصور حادة ناجمة عن أزمات الدَّين، وقيود الميزانية، والضغوط التضخمية، ومحدودية إمدادات الكهرباء والطاقة، والضعف الهيكلى فى اقتصاداتها، فضلًا عن بيئاتها السياسية غير مستقرة غالبًا. ونتيجةً لهذه العوامل، يصعب عليها بناء منظومات الابتكار والأطر التنظيمية اللازمة، التى تتطلّب بنى تحتية قوية، وقوى عاملة ماهرة، واستثمارات ضخمة.
• • •
فى هذا السياق، قد تؤثر الفجوة الكبيرة فى تبنّى الذكاء الاصطناعى والاستثمار فيه بين دول مجلس التعاون الخليجى من جهة، ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنخفضة والمتوسطة الدخل من جهة أخرى، فى ديناميات الاقتصاد الإقليمى. فعلى الرغم من أن التأثير الاقتصادى البعيد المدى للذكاء الاصطناعى لا يزال غير معروف، إذا أثبتت هذه التقنية قدرتها على إحداث تحول جذرى، من المرجح أن تتسع فجوة التفاوت الاقتصادى فى المنطقة، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على موازين القوى الإقليمية.
ومن المرجّح أن تتسع الفجوة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجى وغيرها من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبر قناتين أساسيتين، مع أن هذه الديناميات معقدة وليست سلبية بالكامل للدول المنخفضة الدخل. تتمثل القناة الأولى فى حركة رأس المال، إذ من المرجح أن تستقطب دول مجلس التعاون الخليجى، ولا سيما السعودية والإمارات، المزيد من الاستثمارات لتمويل تراكم رأس المال وتعزيز التقدم التكنولوجى، نظرًا إلى امتلاكها تقنيات وبنى تحتية متطورة فى مجال الذكاء الاصطناعى. ومع أن هذه الدول تواجه نقصًا فى المهارات وعقبات تنظيمية، تمنحها مواردها المالية الضخمة وبنيتها التحتية الرقمية ميزة حاسمة فى جذب رأس المال، مقارنةً مع جيرانها من الدول المنخفضة الدخل.
وقد يؤدى تركز رأس المال وتقنيات الذكاء الاصطناعى فى دول مجلس التعاون الخليجى، إلى جانب تدفق الاستثمارات المتزايد إليها، إلى نمو الذكاء الاصطناعى ضمن حدود جغرافية معينة. ومن شأن ذلك أن يوسع الفجوة الاقتصادية بين دول الخليج وبقية دول المنطقة. فى المقابل، قد تتمكّن الدول المنخفضة الدخل من تحسين الخدمات الحكومية والرعاية الصحية، وزيادة الإنتاجية الزراعية عبر اعتماد أنظمة ذكاء اصطناعى مطورة فى الخارج، لكن حجم التحول الاقتصادى المرجو سيبقى متواضعًا مقارنةً مع المكاسب المحتملة لدول الخليج.
أما القناة الثانية التى قد تتسبب بتفاقم عدم المساواة الإقليمية فهى فقدان الوظائف، إذ تُستبدل القوى العاملة البشرية بشكل متزايد بتقنيات الذكاء الاصطناعى والأتمتة فى مختلف القطاعات. وتُظهر التقديرات أن نصف الأنشطة العمالية تقريبًا تواجه خطر الأتمتة فى مصر (48.7 فى المائة)، وكذلك فى دول غنية مثل الإمارات (47 فى المائة)، مع احتمال أن يحل الذكاء الاصطناعى محل الوظائف الروتينية التى يؤديها العمال ذوو المهارات المتدنية والمتوسطة. ومن المرجّح أن تختلف تأثيرات هذا التحوّل التكنولوجى بين دول المنطقة، بحسب قدرة كلٍّ منها على إدارة المرحلة الانتقالية. فالدول الأغنى، مثل دول مجلس التعاون الخليجى، تمتلك الموارد المالية لتدريب مواطنيها وبناء قوى عاملة أكثر قدرةً على إنتاج القيمة المضافة، وأكثر اعتمادًا على مخزون معرفى متقدم.
فى المقابل، تمتلك الدول المنخفضة الدخل فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موارد أقل بكثير لإعادة تدريب قواها العاملة، خصوصًا فى ظل أزمات الدَّين والأزمات المالية الحادة، ما يعرضها لخطر أكبر بكثير يتمثل فى خسارة الوظائف وارتفاع معدلات البطالة. صحيح أن الذكاء الاصطناعى قادر على توليد وظائف فى هذه الدول ضمن سلسلة القيمة الخاصة به، مثل تنظيف البيانات وتصنيفها والإشراف على المحتوى، غير أن هذه الأنشطة قد لا تولد سوى وظائف منخفضة القيمة فى تلك الدول، من دون أن تساهم فى إحداث تحوّل اقتصادى طويل الأمد أو بناء قدرات تكنولوجية مستدامة.

النص الأصلى:

التعليقات