ماذا ننتظر أكثر من استشهاد اربعة وسبعين شخصا خلال ساعة فى استاد بورسعيد، كى نتأكد أن بقايا نظام حسنى مبارك وثورتهم المضادة و«دولة طرة» هى صاحبة اليد الطولى داخل أجهزة الحكم فى مصر.
الشواهد والمؤشرات والدلائل تتوالى أمام أعيننا منذ عام كامل، لكن معظمنا لا يريد تصديقها وبعضنا الآخر مشارك بالصمت فى هذه المؤامرة.
كلما اقتربنا خطوة من الاستقرار، وبعد أن انعقد مجلس الشعب المنتخب وأكد أنه سيمارس كل صلاحياته وسيراقب كل شىء.. كلما حدث ذلك رأينا مصيبة أو حريقا كبيرا.
الجميع شاهد اندفاع الجماهير فى استاد بورسعيد لمهاجمة لاعبى وجماهير الأهلى، وشاهدوا جنود الأمن المركزى واقفين وكأنهم فى نزهة خلوية وليسوا فى مكان تقع فيه مذبحة دموية.. شاهدنا قوات الأمن، لا تمنع المهاجمين فقط، بل تفسح ممرا آمنا لهم كى ينطلقوا لارتكاب جريمتهم.
المسألة باختصار كالتالى: اما ان قوات الأمن قادرة على تأمين مباراة أو أى حدث وبالتالى تسمح بإقامته أو انها عاجزة وتعلن ذلك فنوفر على أنفسنا عناء الفشل المتكرر وسقوط الضحايا فى كل مرة.
أما التبرير التافه والفج بأنها لا تريد ان تشتبك مع الجماهير حتى تستعيد ثقتها فهو وصفة سحرية للقتلة كى يمارسوا مهمتهم بحرية تامة.
منذ مباراة الزمالك والأفريقى التونسى منذ شهور ونهاية بمباراة الأهلى والمصرى قبل ساعات ــ وما بينهما من سيناريو تكرر فى لقاءات الأهلى وكيما والأهلى والمحلة، ولقاءات متشابهة أخرى ــ يبدو ان هناك إصرارا غريبا على ترك وتشجيع الانفلات حتى نصل إلى هذه المصيبة.
مرة أخرى من السذاجة والعبط والهبل ان نختزل المأساة والمسئولية فى مجموعة من الشباب العاطل أو المتحمس ونصفه بأنه «قليل رباية» أو نعتقد أن السبب هو تهاون حرس الملعب فى تفتيش الجماهير، أو حتى إهمال بضعة جنود. المسئولية سببها انه لم يعد لدينا دولة تمارس مهامها الطبيعية أو أن بعض المسئولين فيها يريدون باختصار معاقبة الشعب على القيام بثورته.
بعد النهاية المأساوية للمباراة آمنت تماما بنظرية المؤامرة، فلا يمكن ألا نربط بين العمليات المنظمة للسطو على البنوك وشركات الصرافة من شرم الشيخ إلى أسوان مرورا بالقاهرة ومكاتب البريد، وبين عمليات قطع الطرق والسكك الحديدية وعمليات الخطف طلبا للفدية.
استبشرنا خيرا ببدايات وزير الداخلية الجديد محمد إبراهيم يوسف ثم فوجئنا وكأن هناك مجموعة أخرى تعرقل عمله.
بالطبع ليس كل ما يحدث مؤامرة، لكن يكفى أن تكون هناك مجموعة منظمة تعمل فقط على الاستفادة من الفوضى غير المنظمة الموجودة فى المجتمع، يكفى أيضا أن يكون لدينا عشرة رجال أعمال أثرياء جدا ومن أنصار جمال مبارك ولجنة السياسات، ومعهم عشرة لواءات شرطة متقاعدين أضيروا من الثورة، لو تحالف هؤلاء العشرون فقط واستغلوا بعض البلطجية والعاطلين واليائسين فإنه يمكنهم تدمير مجتمع بأكمله خصوصا إذا كانت الحكومة عاجزة ومن دون رؤية.
ما حدث فى بورسعيد ليلة الأربعاء، وما يحدث فى أنحاء متفرقة فى مصر منذ أسبوع يكفى لإسقاط حكومة بكاملها.. والأهم أنه يثبت صحة وجهة نظر المطالبين بضرورة سرعة نقل السلطة.
أكثر ما يخشاه المرء أن تكون الفوضى المنظمة التى نعيشها هى انعكاس لانقسام بين كبار أهل الحكم، وأن الضحايا الذين يسقطون يوميا هم وقود تلك الحرب.
لم تعد السلطة تستطيع ــ من الآن ــ اتهام الطرف الثالث.. أما ان تقدم متهمين «كبارا» محددين بالاسم، وإلا فإن من يتهمها بأنها هى نفسها الطرف الثالث، فلن يستطيع أحد أن يلومه.