السفير شكرى فؤاد: الدبلوماسية والوطنية والثقافة - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السفير شكرى فؤاد: الدبلوماسية والوطنية والثقافة

نشر فى : الخميس 3 فبراير 2022 - 8:40 م | آخر تحديث : الخميس 3 فبراير 2022 - 8:40 م
غيب الموت منذ أيام قليلة واحدا من أبرز أعلام الدبلوماسية المصرية والعربية على امتداد تاريخهما الطويل، وهو السفير الراحل شكرى فؤاد. إلا أن أوجه تميز وشهرة السفير شكرى فؤاد لا تكمن فقط فى كونه واحدا من أهم سفراء مصر ودبلوماسييها فى القرن العشرين وأول عقدين من القرن الحادى والعشرين؛ حيث إن الغالبية من وزراء خارجية مصر الذين تولوا مسئولية مؤسسة الدبلوماسية المصرية بعد بلوغ السفير الراحل سن التقاعد قد حرصوا على الاستعانة به كمستشار لهم حول موضوعات مهمة وكثيرة ومتنوعة لسنوات طويلة بعد تقاعده الرسمى، وحرصوا على الاستماع إلى آرائه ونصائحه التى كانت دائما محل ثقتهم وتقديرهم واحترامهم.
وخلال سنوات عمله الدبلوماسى، كان له دور مهم، مع السفير عبدالرءوف الريدى، فى النصف الثانى من عقد السبعينيات من القرن العشرين، فى تأسيس إدارة التخطيط السياسى بوزارة الخارجية المصرية، فى عهد وزير الخارجية الراحل إسماعيل فهمى، كما كان له دور كبير فى مطلع عقد التسعينيات من نفس القرن فى إدخال وزارة الخارجية إلى العصر الإلكترونى والرقمى مما حقق نقلة نوعية غير مسبوقة فى أساليب عمل الوزارة، وذلك فى عهد وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى. وما بين التاريخين، تألق السفير شكرى فؤاد رحمه الله كأحد نجوم العمل الدبلوماسى المصرى فى ساحة المنظمات الدولية متعددة الأطراف، خاصة عندما تولى منصب مندوب مصر المناوب لدى الأمم المتحدة فى جنيف فى نهاية عقد السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات من القرن السابق.
فالسفير شكرى فؤاد رحمه الله يمكن اعتباره نموذجا ومثلا أعلى للآلاف ممن تتلمذوا على يديه، سواء داخل جدران مؤسسة الدبلوماسية المصرية أو خارجها، على مدار عقود طويلة استمرت حتى تاريخ انتقاله إلى جوار ربه، ولم يكن قدوة فقط فى الجوانب الموضوعية والعلمية التى تفوق فيها جميعا، بل فى جوانب أخرى لا تقل أهمية، مثل الخلق الرفيع والكريم الذى تميز به، مثله مثل الكثيرين من القادمين من صعيد مصر العظيم، والتواضع الجم الذى لازمه رحمه الله طوال حياته، تجاه الصغير والكبير فى السن والمنصب على حد سواء، بالرغم من إمكانياته وقدراته الاستثنائية وما وصل إليه من مناصب رفيعة، وحالة التناغم النادر تواجدها لدى البشر فى زماننا الراهن، بين القناعات الشخصية والأقوال والأفعال، بلا ازدواجية وبلا تصنع وبلا زيف.
وقد كان السفير شكرى فؤاد رحمه الله نموذجا للوطنية الحقة، فقد انتمى لتلك الفئة من البشر التى تعطى لأوطانها وأممها وشعوبها بدون انتظار أو توقع لأى مقابل، وأيضا بلا مزايدة أو ضجيج أو ادعاءات خاوية من أى مضمون، فلم يسع أبدا إلى أى تربح من تلك الوطنية العميقة بداخله والصادقة فى كل تفاصيلها والتى تجلت دائما فى سلوكه وأفعاله، بل على العكس من ذلك، كان يعمل فى صمت من منطلق قناعاته الوطنية، ويخدم وطنه وشعبه فى كل موقع شغله وكل منصب تولاه بكل تفانٍ وإخلاص، وكان يجسد عن حق مفهوم «الوحدة الوطنية» الذى يتردد على لسان الكثيرين ولكن البعض يردده بدون أن لا يدرك حقيقة معانيه ودلالاته.
إلا أن السفير شكرى فؤاد كان أيضا مثقفا رفيع المستوى استوعب ثقافة وطنه وثقافات العالم من حوله بتعمق فى الفهم وقدرة متميزة وفريدة على صياغة القناعات الفكرية الخاصة به، ولذا كان من الطبيعى أن يعكس ذلك ويجسده فى عمله الدبلوماسى. فكان من رواد ما يسمى بـ «دبلوماسية الثقافة» فى الحالة المصرية، كما كان من النتائج المنطقية المترتبة على ذلك هو إيمانه العميق بثراء مصر من حيث صلابة وقوة مصادر قوتها الناعمة، وسعيه الدءوب لتحويل هذه القوة، على تنوع مجالاتها، إلى خطة عمل للترويج لمصر وتعظيم أدوات سياستها الخارجية وتوظيف تلك القوة الناعمة بما يخدم المصالح الوطنية المصرية، على الأصعدة الإقليمية، عربيا وأفريقيا، وعلى مستوى بلدان الجنوب بشكل عام، وعلى الصعيد العالمى الإنسانى الرحب.
فقد رأى السفير الراحل أن مصادر قوة مصر الناعمة تتضمن فى المقدمة من مكوناتها ريادتها على ساحة الدبلوماسية الدينية العالمية، سواء الإسلامية والمسيحية، ومن أمثلة ذلك أن السفير شكرى فؤاد عندما كان يعمل مستشارا بسفارة مصر فى غانا، وهو المصرى الصعيدى القبطى، وأدرك أن المسلمين من مواطنى غانا يحتاجون إلى كتب إسلامية تعلمهم صحيح الدين لجأ إلى الأزهر الشريف وبذل الكثير من المساعى للحصول على كميات كبيرة من الكتب فى مختلف العلوم الدينية لكبار علماء الأزهر وكان يقوم بتوزيعها بنفسه على مسلمى غانا لكسبهم إلى الرؤية الوسطية للإسلام التى عرف تاريخيا بها الأزهر الشريف.
ولكن القوة الناعمة تشمل أيضا الإنتاج الأدبى والفنى والثقافى المصرى بمختلف فروعه وأنواعه، فقد اعتبر السفير الراحل شكرى فؤاد على سبيل المثال السينما والمسرح المصريين مجالين واضحين لريادة مصر الثقافية، ليس فقط على الصعيد العربى، بل على الأصعدة الأفريقية والمتوسطية والعالمية، وتجسد توظيف ذلك إلى ناتج ملموس خلال فترة عمله كسفير لمصر فى يوغوسلافيا السابقة. وبالإضافة إلى ذلك كانت له علاقات صداقة وطيدة جمعته بالكثيرين من رموز الأدب المصرى المعاصر الذين دعاهم فى كل موقع خارجى عمل فيه ليساهموا فى الترويج لمصر وريادتها الثقافية، كما قدم الدعم اللازم عبر الوسائل الدبلوماسية المتاحة للمفكرين والأدباء المصريين المقيمين فى الخارج من منطلق اعتبارهم سفراء دائمين للفكر والثقافة المصرية فى بقية أنحاء العالم، وكجزء أصيل من قوة مصر الناعمة، كما أنه أدرك مبكرا رحمه الله الصلة الوثيقة بين الترويج الثقافى وتزايد معدلات تدفق السياحة على مصر، ووظف تلك الحقيقة لتحويل الثقافة إلى مصدر إضافى للدخل القومى ومصدر دعم للاقتصاد الوطنى.
بسبب كل ما سبق قوله، يستحق السفير شكرى فؤاد رحمه الله أن نتذكره ونعمل من أجل تخليد ذكراه كشخصية كسفير متميز وكدبلوماسى بارع وكوطنى حقيقى مخلص لبلده وشعبه وكمثقف على أعلى درجة من النضج الفكرى وكإنسان يضفى المحبة والبهجة على كل من حوله وأينما حل.
وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات