وعجلت إليك رب لترضى - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 3 مارس 2025 11:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

وعجلت إليك رب لترضى

نشر فى : الإثنين 3 مارس 2025 - 5:20 م | آخر تحديث : الإثنين 3 مارس 2025 - 5:20 م

 يختتم، ربنا، تبارك وتعالى، الآية الرابعة والثمانين من سورة «طه»، على لسان نبيه وكليمه موسى، عليه السلام، بقوله تعالى: «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ».

فحرصًا منه على تلبية نداء بارئه، كان النبى الكليم يقود قومه، فى رهط من سبعين رجلًا، اختارهم لميقات ربه فى جبل الطور، حتى يدرك موعود الله، بشقيه المكانى والزمانى. حيث ضرب، المولى عز وجل، له ميقاتًا زمانيًا عدته أربعين يومًا، وميقاتًا مكانيًا موقعه جبل الطور فى سيناء. غير أن سيدنا، موسى، وبعدما تملكه الشوق لملاقاة خالقه، جل شأنه، استبق قومه إلى الميقات المكانى، تاركًا أخاه، هارون، خليفة له فيهم. فسأله ربه، وهو به عليم، عن سبب عجلته عن قومه. فجاءت إجابة، موسى، متضمنة اعتذارًا توضيحيًا لربه، مفاده: «هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِى»، أى-على مقربة منى، وسيلحقون بى بعد زمن قليل. كما شملت تفسيرًا من كليم الله لتعجله لقاء ربه؛ يتمثل فى شوقه إلى ذاته العلية، وحرصه على استجداء مرضاته، جل فى علاه. إذ قال: «وعجلت إليك رب لترضى». ومن تلك الواقعة، تفوح إشراقات إيمانية بالغة الدلالة. لعل أبرزها:

أولًا: ضرورة تعلق المؤمن بربه، وابتغاء مرضاته: وفى هذا، يقول الإمام، الزمخشرى، صاحب الكشاف: «فإن قلت: وَما أَعْجَلَكَ، سؤال عن سبب العجلة»، فكان الذى ينطبق عليه من الجواب أن يقال: «استجداء رضاك أو الشوق إلى كلامك». قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة، شيئين: أحدهما، إنكار العجلة فى نفسها. وثانيهما، السؤال عن سببها الحامل عليها، فكان أهم الأمرين إلى موسى، بسط العذر، وتمهيد العلة فى نفس ما أنكر عليه. فاعتل بأنه لم يوجد منى إلا تقدم يسير، مثله لا يعتد به فى العادة، ولا يحتفل به، وليس بينى وبين من سبقته إلا مسافة قريبة، يتقدم بمثلها الوفد رئيسهم ومقدمهم. ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب، فقال: «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى». ويقول، ابن عباس: كان الله عالمًا، ولكن قال: «وما أعجلك عن قومك»، رحمة لموسى، وإكرامًا له بهذا القول، وتسكينًا لقلبه، ورقة عليه. أما قوله: «وعجلت إليك رب لترضى»، أى عجلت إلى الموضع، الذى أمرتنى بالمسير إليه لترضى عنى. فحين تكون النفس متطلعة لرضا ربها؛ تسابق فى كل طريق يوصلها لمرضاته.

ثانيا: الرهبة من سؤال الله: وفى هذا تذهب طائفة من العلماء إلى أن جواب موسى، عليه السلام، لم يكن مطابقًا لسؤال ربه. إذ كان ينبغى عليه القول: أعجلنى عن قومى كذا وكذا. ولا يقول: «إن قومى قريبو عهد بى ومكان. لكنهم ارتأوا أن، موسى، احتار فى الجواب، بعدما هاب معاتبة الحق، تبارك وتعالى، له». ومن ثم، لم يجد جوابًا يخاطب به مولاه. والمقصود أن معاتبة الله، عز وجل، لموسى، وسؤاله إياه، أوقعا فى نفسه الرهبة والخوف، فكان جوابه غير مطابق للسؤال. وإذا صح هذا التأويل، الذى اهتدى إليه بعض أهل العلم، فجدير بنا التساؤل: «إذا كان هذا شأن النبى الكريم، الذى لم يقترف ذنبًا، وقد أصابه ما أصابه من الذهول، لما عاتبه ربه، الذى اختصه بكلامه؛ فكيف بمن يلقى الله، تقدست أسماؤه، وقد حاصرته خطاياه، بعدما تجاوز حدوده، وانتهك حرماته؟!».

ثالثًا: «ليست العجلة دومًا مذمومة، وذلك تأسيسًا على هذه الآية الكريمة، واستنادًا إلى أحاديث نبوية شتى. كحديث حاتم الأصم، الذى أخرجه، الترمذى»، بسند ضعيف: «العجلة من الشيطان إلا فى خمسة»؛ فإنها من سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إطعام الطعام، تجهيز الميت، تزويج البكر، قضاء الدين، والتوبة من الذنب». ثم حديث، سهل بن سعد، بسند ضعيف أيضًا: «الأناة من الله، والعجلة من الشيطان». وأما الاستثناء، فروى، أبوداود، من حديث، سعد بن أبى وقاص: «التؤدة فى كل شىء إلا فى عمل الآخرة». وروى، المزى، فى «التهذيب» فى ترجمة، محمد بن موسى بن نفيع، عن مشيخة من قومه، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «الأناة فى كل شىء إلا فى ثلاث: إذا صيح فى خيل الله، وإذا نودى بالصلاة، وإذا كانت الجنازة»، الحديث مرسل. وأخرج، الترمذى، من حديث، على: «ثلاثة لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤًا». وسنده حسن. وهكذا تكون العجلة محمودة، إذا جاءت ضمن سياق المسارعة فى الخيرات. فطلب، رضوان الله تعالى، من أعظم المقاصد وأجَل المطالب. ولا توجد عطية أصلًا بعد هكذا رضوان. وكلما كانت بغية المرء نيل رضوان ربه، كان من أعظم الساعين فى أسباب التوفيق. فوالله إنك لن تخرج من دارك تطلب أمرًا أعظم من رضوان الله. فكلما غلب على ظنك فى عمل أن فيه رضوان الله، فلا تتردد فى السعى إليه، عاجلًا كان أم آجلًا.

•  •  •

يتلاقى ما فعله نبى الله موسى، مع باب المسارعة فى الخيرات، التى حض عليها الحق، تجلت حكمته، فى غير موضع قرآنى. ففى الآية الثالثة والثلاثين بعد المائة من سورة آل عمران: يقول تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ». وفى الآية الثامنة والأربعين من سورة المائدة: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ». وفى الآية التسعين من سورة الأنبياء: «نَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ». وفى الآية الحادية والستين من سورة المؤمنون: «أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ». وفى الآية الثانية والثلاثين من سورة فاطر: «وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ». وفى الآية الحادية والعشرين من سورة الحديد: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». وفى الآية السادسة والعشرين من سورة المطففين: «وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ».

فى تفسير تلك الآيات الكريمات، يقول الإمام، ابن كثير، رحمه الله: «ندبهم ربهم إلى المبادرة لفعل الخيرات، والمسارعة إلى نيل القربات». أما السعدى، فقال: «والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات». حيث إن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أفضل الأحوال، والمبادرة إليها. ومن سبق فى الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق فى الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة. والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل، من صلاة، صيام، زكاة، حج، عمرة، جهاد، ونفع مقتصر على صاحبه، أو متعدٍ لمسلمين آخرين. كمثل الخيرات، التى يتخطى نفعها فاعلها، ليشمل غيره، على غرار، إدخال السرور على المسلمين، ومساعدة المحتاجين».

لقد كان المصطفى، صلى الله عليه وسلم، يحث أمته على المبادرة إلى فعل الخيرات، فقال: «بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». رواه مسلم. وهنا يأمر المعصوم، صلى الله عليه وسلم، المؤمنين بالمسابقة إلى الخيرات، والمسارعة بالأعمال الصالحة، قبل مجىء الفتن، التى تكثر فى آخر الزمان، أو قبل الانشغال عن الأعمال الصالحة بالشواغل والفتن، التى تحبط العمل وتثبط العامل. وفى حديث آخر رواه، الترمذى، يقول، صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمالِ سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هَرَمًا مُفنِدًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدجالَ فشرُّ غائبٍ يُنتظَرُ، أو الساعةُ؛ فالساعةُ أدهَى وأمرُّ». وفى ختام حديث الإمام، أحمد، بمسنده، عن مصاحبة الشيخين أبى بكر وعمر للنبى، صلى الله عليه وسلم، وتسابقهما فى الطاعات، يقول الفاروق عن الصدَيق: «واللهِ ما استبَقتُه إلى خيرٍ قَطُّ، إلا وسبَقنى إليه».

حرى بكل مسلم أن يغتنم شهر رمضان المبارك، فيشمر عن ساعد الجد، الاجتهاد والمسارعة فى طاعة ربه وابتغاء مرضاته. فلعل القبول يحالفه، فيحظى بمغفرته، وينعم بعطائه الجزيل فى دنياه وأخراه.

التعليقات