كتب ديفيد بروكس مقالا بجريدة نيويورك تايمز بعنوان «مشاعر القيادة»، تحدث فيه عن التوجه لتعيين الاستشاريين المحترفين فى كافة المجالات وليس فقط فى مجال السياسة، جاء فيه: على مدى التاريخ الأمريكى، كان لمعظم الرؤساء عدد قليل من الموظفين التابعين لهم شخصيا. وقد خاضوا مياه السياسة كما الهواة، اعتمادا على الخبرة، والحدث والمناقشات مع الأصدقاء. ثم بدأ المرشحون والرؤساء فى تعيين المحترفين لمساعدتهم على الوصول للرأى العام. وبحلول الزمن الذى بدأ فيه ثيودور وايت سلسلة «صناعة الرئيس» عام 1960، ظهر على الملأ الخبراء الاستراتيجيون، الذين كانوا مختفين من قبل. وقد سحبت الإدارات المتعاقبة السلطة، من الهيئات الحكومية المركزية، وركزت المزيد من السلطة فى أيدى المحترفين الذين يسيطرون على الرسائل السياسية الصادرة عن البيت الأبيض. يرى الكاتب أن هذا التوجه لا يقتصر على السياسة وحدها. فقد صرنا مجتمعا استشاريًا؛ سواء كنت تدير مشروعا استثماريا أو تعد نفسك للحصول على وظيفة أو التقدم لكلية، الناس اصبحت تعتمد على خبرة مقدمى المشورة المحترفين. وقد غير صعود الخبراء الاستراتيجيين المحترفين المناخ الذهنى للعصر، خاصة فى مجال السياسة. يتم تعيين مستشارين فنيين من الدهاة وبتأثيرهم يتلاشى التمييز بين الحملات الانتخابية والحكم. والأهم من ذلك، أن بعض القدرات التى كانت محورية فى عملية صنع قرارات الهواة ــ الخبرة والحدس والمودة والمشاعر الأخلاقية والخيال والصدق ــ تراجعت أمام تلك المؤهلات التى نقرنها بالتكتيك والاستراتيجية المهنية: تحليل الرأى العام، والتحكم فى الرسائل، وإدارة وسائل الإعلام، وإدراك الوقف الذاتى. وأضاف بروكس، بعض الخبراء الاستراتيجيون مسئولون عن التصورات السياسية للرئيس. ولكن تحت نفوذهم، طغت حسابات إدارة التحالفات على جوهر القضايا. ففيما يتعلق ببعض قضايا الحقوق المدنية تنقسم آراء هؤلاء الخبراء بين مؤيد ومعارض، وكثيرا ما تنتهى الجلسات الإستراتيجية بين الطرفين دون التوصل إلى نتيجة تذكر.
•••
وفى نهاية المقال أشار الكاتب إلى ذلك النوع من الزعماء الذى يتمتع بدفء القلب ويسلك مسلكا إنسانيا؛ مثلما كتب إدموند بيرك ذات مرة: «يجب أن يمتلك المشرع قلبا مليئا بالإحساس. عليه أن يحب الناس ويحترمهم، وأن يخشى نفسه». وكان بيرك يؤكد أن القيادة نشاط عاطفي. فهى تبدأ بالامتنان الحار تجاه ما ورثته ورغبة حارة فى إدارته جيدا. وتكون مدفوعة بتصور أخلاقى حماسى، يعبر عن رؤية جيدة للمجتمع لا يمكن أن تتحقق فى حياة واحدة. وهى تتعلم من المشاعر المتمرسة، حب لأسلوب حياة أناس معينين والرغبة فى إعطاء الجميع فرصة للعيش عند أعلى المستويات. ويبدو أن هناك فى كل حكومة، عمليات شد وجذب بين أولئك الهواة الذين يريدون التعبير عن النزعة الإنسانية وبين أولئك الآلات الحاسبة الذين يؤكدون على انضباط الرسالة، ومنع التسريبات وأقصى قدر من السيطرة. فى معظم المكاتب، هناك خوف من التشوش الطبيعى، وتخوف من عدم اليقين، وعدم الثقة فى الأفكار التى ليست علمية. وقد منحت لتلك الآلات الحاسبة سيطرة أكثر من اللازمة. وتم بتر مشاعر القيادة، التى ينبغى أن تدفع الأمور.