«وعى إسلامى مختلف».. مركزية الإنسان المعاصر - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«وعى إسلامى مختلف».. مركزية الإنسان المعاصر

نشر فى : الأحد 3 يوليه 2016 - 10:50 ص | آخر تحديث : الأحد 3 يوليه 2016 - 10:50 ص
ما أكثر شيء تعوزه رسالة الإسلام فى عالمنا المعاصر؟ هناك إجابات متعددة: ربما أن الرسالة لا تجد المسلم الحق، فمسلم هذه الأيام مأسوفا على إيمانه الذى تباعد عن صحيح الدين ومبادئه وثوابته! أو ربما تعوز الرسالة وحدة المسلمين الذين لو اجتمعوا على قلب رجل واحد لنشروا الإسلام فى ربوع المعمورة وانتصر الدين على أعدائه أخيرا، أو ربما ما تعوزه الرسالة هو الديكتاتور العادل، ذلك الحاكم المتغلب بالشوكة الذى سينتصر على الآخرين ويفرض سطوته وقوته ثم يتبع مبادئ الدين ويطبق الشريعة فتعود العزة للمسلمين بعد سنوات من التدهور الحضارى!

الحقيقة أن الإجابات السابقة ليست دقيقة ولن تجد سبيلا لا للتطبيق ولا للنجاح، ستبقى شعارات يتباكى عليها المسلمون بلا نتيجة تذكر سوى المزيد من النحيب! ما تحتاجه الرسالة الإسلامية أن تكون أكثر إنسانية! تلك الرسالة النقية كما نزلت على الرسول وطبقت لم تعد هى نفسها الرسالة الموجودة الآن حتى لو بدت كذلك! فالرسالة ليست فقط أن تقول بالشهادتين أو تقم الصلاة أو تؤتى الزكاة أو تصوم رمضان أو تحج البيت، لكن الرسالة هى المدلول الاجتماعى والثقافى والسياسى الذى اكتسبته من التوسعين الرأسى والأفقى فتحول الدين إلى كائن اجتماعى يتعايش ويتغير بحسب المكان وبحسب الزمان! ما تحتاجه الرسالة الإسلامية المعاصرة إذن، هى أن تصبح أكثر قربا للإنسان!

ما الذى يعنيه ذلك؟

مخاطبة الطبيعة البشرية: وهو ما يعنى أن يضع كل «عالم» أو «متدين» أو «تابع للرسالة» فى ذهنه أنه وحتى تتحقق «عالمية» الرسالة، فإن زمن الفتوحات والغزوات قد انتهى! وبالتالى فمفردات تلك الفترة لابد أن تختفى! تذكر فى كل حرف وفى كل كلمة تكتبها أو تقولها عن الدين أنك تخاطب «البشر»، فلو لم تأخذ فى الاعتبار مفاهيمهم وخصوصياتهم واحتياجاتهم النفسية والبشرية (المعاصرة لا تلك التى سادت قبل قرون مضت)، فأنت لن تخاطب إلا نفسك أو مجموعة التابعين لك! إن أكبر مشاكل الخطاب الإسلامى المعاصر (على الأقل كما نعرفه فى معظم البلدان العربية ذات الأغلبيات السنية)، أنه يضع صورة مثالية غير موجودة فى عالمنا المعاصر! يدعو الناس إلى القداسة، إلى تصور عصر الرسول والعمل بجهد على تحقيقه رغم استحالة ذلك عمليا. تحولت الغالبية العظمى من خطب المنابر إلا من رحم ربى إلى الإلحاح على استدعاء خبرات تاريخية من قرون مضت لا علاقة لها بعالمنا المعاصر ولا بالطبيعة البشرية الحالية، ولكن أين نحن الآن؟ يعرف القارئ للتاريخ الإسلامى بعد وفاة الرسول أن معظم تاريخ الخلافة الإسلامية كان تاريخ حروب ونزاعات وسيطرة على البشر لصالح الحاكم الذى أصبح هو محور الدين وبوصلته، لكن أين نحن البشر الناقص الذى يعيش تحت كل تلك الضغوط المادية والتطورات التكنولوجية؟ يجب أن تكون نقطة البدء هى «نحن» لا «هم»! ليس انكارا لما مضى ولكن تفهما لما هو موجود وآت! لأننا نحن هنا فى حاجة إلى تفهم عصرنا وطبيعتنا البشرية لا عصرهم وطبيعتهم البشرية! لذلك فإن تفهم معانى الألم والقهر والحقد والغيرة والتنافس والفشل وغيرها من تعقيدات البشرية الحالية هو من أهم عوامل أنسنة الرسالة.

***

مخاطبة غير المسلمين: ما نحتاج أن نغيره فى الوعى المعاصر للمسلمين هو دفعهم لتفهم أن هناك مليارات غيرنا يعيشون معنا، وأن لهم جميعا تصورات مختلفة عن الإسلام، ليس من ضمنها غالبا ماذا قالت الرسالة ولكن ماذا يقول ويفعل المسلمون المعاصرون؟ ماذا تتوقع وأنت تدعو المسلمين إلى عدم تحية غير المسلمين فى أعيادهم؟ وأنت تدعو المسلمين إلى التضييق عليهم فى الطرقات؟ وأنت ترفض وتحرض من حين لآخر على بناء دور عبادتهم؟ وأنت تخترع الإشاعة تلو الأخرى عن عاداتهم وعقيدتهم؟ أنت تظهر العداء والتحجر والتطرف والانعزالية للآخر فتقضى على كل معانى الإنسانية وتحول دينك ليس فقط إلى رسالة محلية محدودة ولكن إلى صندوق مظلم ومحير ومنفر للآخرين! الأغرب أن من يردد العبارات الفائتة هو نفسه من يتخيل أنه «أقام الحجة» على غير المسلم، وفى الواقع هو لم يقم الحجة سوى على نفسه ولم يترك لغير المسلم فرصة للتفكير الإيجابى بخصوص الإسلام! لابد للمعنيين بالخطاب الدينى الإسلامى أن يحلوا التناقض بين الحديث عن وسطية الإسلام وسماحته وعالميته، وبين تلك الأطروحات العنيفة فاقدة الإنسانية والود والرحمة مع الآخر.

مخاطبة غير المتدينين: هناك الكثير من المسلمين الذين ابتعدوا عن الدين الإسلامى لأسباب يطول شرحها، هؤلاء لابد من مخاطبتهم بطريقة مختلفة عن تلك الطريقة التقليدية التى تدفعهم إلى المزيد من النفور من الدين ومنطقه وعلمائه وتطبيقاته! نعم ليس مطلوبا من هؤلاء أن يعودوا إلى الدين، المطلوب هو أن يعود إليهم الدين! الغالبية العظمى من المسلمين هم مسلمون بالوراثة (الحقيقة أن هذا ينطبق على باقى الأديان ولكنى معنى هنا بالإسلام)، أى أنهم لم يتوافر لهم حرية الاختيار ابتداء! بتعبير مجازى فقد اختارهم الإسلام ولم يختروه هم! فإذا ما قرروا الابتعاد عن الدين، شكا أو ارتباكا أو نفورا، فهذه ليست فقط حريتهم ولكنه أيضا حقهم! المطلوب من الدين (ككائن اجتماعى) أن يعود هو إليهم، أن يبذل جهدا لإعادتهم إليه مرة أخرى، فإن عادوا ثانية ففى هذا نجاح «لرسالة الدين» وإن صمموا على موقفهم، ففى ذلك تأكيد على «إنسانية» الدين!

توفير بيئة آمنة للشك والارتباك والإلحاد: أكبر فشل للمتحدثين باسم الدين أن يفرضوا وجود الدين بمنطق القوة والسيطرة والمغالبة والمفاخرة عن طريق إشاعة الخوف من تركه وتصدير الرعب لمخالفيه. هذا فشل لأن معنى الدين وفلسفته هنا انتفى تماما! لست معنى هنا بالخلاف بين العلماء ولا بحجة كل فريق حول موضوع قتل المرتد، أنا معنى بنتيجة واحدة، أن يكون الإيمان بالدين عن قناعة وحرية واختيار، وأن يكون قرار تركه هو بنفس الحرية كذلك. هؤلاء الذين يفتون بقتل المرتد فضلا عن أنهم يحولون الدين إلى أداة قتل وإزهاق للأرواح وهدر للدماء، فإنهم أيضا يجعلون الدين وكأنه مصيدة! شبكة خادعة لجذب الفريسة والنصب عليها بمعسول الكلام حتى تقع فى المصيدة وهنا ليس لديها خيار إلا التسليم أو القتل!

لابد من توفير بيئة آمنة لمن يشك! إعطاء مزيد من الوقت لمن يرتبك! وتوفير السلامة الجسدية والنفسية لمن قرر الترك! من لا يأمن فى شكه لن يأمن فى إيمانه، ومن لا يأمن فى إلحاده سينافق المجتمع المذعور وكهنة الدين ووقتها سيكون الدين وسيلة قهر وتغييب وسيطرة لا أكثر ولا أقل! لن يضر الله شيئا أن يتوقف أحدهم (إحداهن) عن الصلاة أو الصيام فترة من الوقت لأنها شكت أو ارتبكت أو حتى تركت الدين، ولكن سيضر الجميع أن يضغط الدين على المرتدين أو الشاكْين أو المرتبكين فيمارسون طقوسا لا يشعرون بها لمجرد حفظ النظام العام!

***

جدال بشرى لا مقدس: هنا مربط الفرس، على من يتحدث فى الدين أو حوله أو باسمه، وأخذ فى الاعتبار كل العوامل السابقة، أن يتحدث باعتباره بشرا! أن تتحدث إلى أحدهم فى مسألة جدلية، فيلجأ إلى الطريقة الأسهل، يتلو آية من القرآن أو حديث من الأحاديث ويختبئ وراءه ليخرسك ويجعلك تبدو وكأنك تحاور الإله لا تحاوره هو! أسلوب دفع المقدس على مائدة الحوار، وخاصة لو كان جدالا حول موضوع ملتبس أو مربك، لا يساعد فى إقامة أى حوار! حياد بيئة الجدال والنقاش وخاصة مع المرتبكين والشاكين والملحدين والمختلفين بشكل عام هو أمر مهم ولا تنازل عنه إذا ما أردنا أن نعيد للدين مكانته وفهمه فى مجتمعاتنا المعاصرة! دعك من آلات النصب التى انتشرت فى التسعينيات تحت مسمى المناظرات الدينية بين «الشيخ» و«القسيس»، والتى طبعا تنتهى بانتصار الشيخ وترديد القسيس للشهادتين! هذا نصب! المطلوب هو حوارات آمنة حرة ومحايدة السياق بين بشر لا بين قديسين! المطلوب أن تقتنع النفس أو العقل أو كلاهما! من قال لك إنه يشك فى الأديان ولكن مازال الموضوع يشغله، خاطبه كبشر وحاول التدليل على قناعاتك بما هو بشرى معاصر فإما اقتنع صاحبنا وإما لا، فهو حر فى كل الأحوال!
العودة إلى الإنسان كمحور للرسالة والدعوة الدينية هو أمر لا فكاك منه لتجديد الخطاب من ناحية وتحديث الوعى المعاصر للمسلمين من ناحية أخرى!
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر