هيمنة الآلة ومصير العمالة البشرية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هيمنة الآلة ومصير العمالة البشرية

نشر فى : الأحد 3 سبتمبر 2017 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 3 سبتمبر 2017 - 9:00 م
نشرت مجلة «Current Affairs» مقالا للكاتبة «بريانا رينيكس» المحررة بالمجلة وعضو فى كلية الحقوق بجامعة هارفارد تتناول فيه ظاهرة التحول نحو الآلة فى مجالات عدة، وما قد يحدثه من تغييرات فى حياة البشر وما قد تمثله من تهديد على فرص الأيدى العاملة البشرية بموجب إحلال الآلة محل الإنسان.
استهلت الكاتبة مقالها بالحديث عن الزخم الهائل والتطور المتسارع فى الثورة العلمية؛ ففى ظل التقدم التكنولوجى والعلمى، ظهرت الكثير من الدراسات الحديثة التى توصلت نتائجها إلى إمكانية الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والروبوتات والاعتماد عليها بشكل رئيسى فى إنجاز الكثير من الوظائف وعليه فقد شعر العمال أصحاب الوظائف بالخطر المحدق بمستقبلهم المهنى خاصة مع استغناء أرباب الأعمال عن الكثير منهم لأنهم أصبحوا عمالة زائدة يمكن الاستغناء عنها، لكن التطور التكنولوجى لم يقف عند هذا الحد، إنما وصل إلى إمكانية الاستغناء تماما عن البشر وإحلالهم بالإنسان الآلى.
فالإنسان الآلى يمكنه الانخراط فى جميع مجالات الحياة والقيام بالكثير من الوظائف البشرية، بما يهدد قطاعا كبيرا من العمالة بخسارة وظائفهم وتحولهم لعاطلين، حيث تشير الدراسات إلى أن 47% من مجالات العمل فى الولايات المتحدة يمكنها الاعتماد على الروبوت والاستغناء عن العنصر البشرى.
وهناك جدل كبير بين المؤيدين والمعارضين للتحول نحو الآلة والاستغناء عن العمالة البشرية، حيث خاض العمال والمعارضون لتلك الفكرة حربا ضد الآلة من أجل بقاءهم واستمرارهم فى العمل، بل طالبوا بإلغاء استعمال الآلات والعودة نحو الطرق البدائية للعمل، وأكد هذا التيار على وجود مهارات ومجالات بشرية بحتة لا يمكن للآلة القيام بها أو الاستغناء عن البشر فيها، كما أن تحول العمال نحو البطالة والاستغناء عنهم لصالح الروبوت يضر بالتنمية البشرية لأن العمل ضرورة وقيمة سامية وفضيلة لا يمكن حرمان الإنسان منها فهو أحد الانجازات التى يشعر الانسان معها بأهميته ودوره فى الكون، واستندوا إلى بعض الآراء مثل «البابا فرنسيس» الذى يرفض الاستغناء عن البشر وحرمانهم من العمل لما فى ذلك من إضرار بالبشرية حيث يُحرم المجتمع من جهود وخبرات ومهارات أفراده ولن يسهموا فى تنمية مجتمعاتهم لأن طاقاتهم تصبح معطلة.
لكن المؤيدين للاعتماد على الروبوت لهم وازع إنسانى أخلاقى مفاده عدم إنهاك الإنسان فى العمل، وحرمانه من فرص الراحة والاسترخاء وتنمية الذات بسبب السعى الدائم وراء الرزق والثروة ــ وهو ليس الهدف الحقيقى للعمل ــ لأن العمل لابد أن يكون له قيمة مضافة للمجتمع تحقق تنميته وتطوره، ويستندون فى ذلك إلى وازع أخلاقى حيث يرفضون استغلال الروح البشرية فى ساعات العمل الطويلة، فالإنسان أولى بذلك الوقت يستغله فى الاسترخاء والاستمتاع بحياته، وهو ما لا يعنى انعدام التدخل البشرى وترك الأمر برمته للآلات؛ إنما يتدخل البشر فى أضيق الأمور من أجل الإشراف ومتابعة سير العمل والتركيز على الأعمال التى تعتمد على المهارات الأكثر إبداعا. بالإضافة إلى حماية الانسان من المخاطر التى تهدد حياته أثناء قيامه ببعض الأعمال الشاقة والخطيرة والتى يوكلها أرباب العمل لأكثر فئات المجتمع فقرا وضعفا بالمجتمع لأنهم الأكثر احتياجا للعمل وأكثر خضوعا لأرباب الأعمال المستغلين لهم مقابل منحهم قوت يومهم.
***
تضيف الكاتبة بروز تيار ثالث يمزج بين الاعتماد على الروبوت والبشر معا لتحقيق أقصى استفادة من مميزات كل منهما: بحيث يُعتمد على البشر فى الأعمال المجدية ذات القيمة والتى تحتاج للفكر والإبداع بدلا من الأعمال الاستغلالية المهينة المجحفة المهددة للروح البشرية بسبب معاييرها غير الإنسانية وعدم توافر حماية للروح والكرامة الإنسانية، فتترك للآلات والروبوت كى يؤدوها، ومن ثم يتاح للإنسان الوقت لخدمة مجتمعه والمساهمة فى تطويره بدلا من أن تضيع حياته هباء سعيا وراء كسب الأموال وتوفير القوت اليومى، من خلال تطبيق اقتصاد مثالى يوفر للبشر متطلبات الحياة لا يمص دماءهم. 
كما أن المزج بين الاعتماد على البشر والروبوت يحقق مصلحة لكل من العمال وأرباب العمل، حيث لا يتضرر البشر أثناء أدائهم لعملهم، وفى المقابل يستفيد رب العمل من الروبوت الذى يتمتع بالكفاءة فى أداء عمله دون فساد بما يزيد من الأرباح التى يحققها.
وتجدر الإشارة إلى وجود عدة مجالات حقق فيها الروبوت كفاءة ومهارة عند أدائها بشكل أفضل من البشر أنفسهم، مثل رعاية المرضى والمسنين وذوى الاحتياجات الخاصة، حيث يكون الروبوت مسخرا لخدمتم متواجد دائما بجوارهم فى وقت الحاجة، كما أنه يمكن الاعتماد عليه فى بعض الأعمال التمريضية تجنبا للإصابة بالعدوى بين البشر، لكن مع وجود إشراف بشرى للتدخل عند الحاجة.
وكذلك الحال فى مجال الإنتاج الزراعى والغذائى، نجد أن الروبوت أكثر قدرة على الإنتاج بكفاءة، مع ضمان مستوى نظافة المنتجات التى لم تمتد لها أيدى البشر، وبالتالى يصبح الإنتاج الزراعى صحيا.
***
لكن التحول نحو الآلية والاعتماد كليا على الروبوت فى كل المجالات قد يؤدى إلى أثر سلبى على قدرة البشر على التفكير واتخاذ القرارات المهمة، ولا يقدرون على إدارة شئون مجتمعاتهم وبلادهم بسبب تواكلهم على الروبوت الذى يقوم بكل شىء دون أى دور لهم، بما ينتهى إلى أزمة فى سياسية وعجز عن إدارة شئون الدول.
وينتهى المقال بتوصية مفادها أنه لا يمكننا الاستغناء تماما عن دور العنصر البشرى فى الحياة، لذلك فلابد من وضع قيود عند الاعتماد على الآلات والروبوت، حتى لا تخرج عن الإطار الأخلاقى الحاكم لها، لمنع التطرف فى استخدامها وتحول الأمر إلى فساد نتيجة لاستغلالها فيما يضر بالبشر بدلا من تسخيرها من أجل الحياة وخدمة البشر، ولابد من تعويض البشر الذين حُرموا من فرص عملهم بسب إحلال الروبوت محلهم من خلال توفير فرص عمل بديلة لهم على المستوى المحلى يتم تمويلها من الضرائب المرتفعة التى تُجبى من كل من يتوسع فى الاعتماد على الروبوت.

النص الأصلى

 

التعليقات