التدخل الإسرائيلى فى غرب إفريقيا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التدخل الإسرائيلى فى غرب إفريقيا

نشر فى : الخميس 3 أكتوبر 2019 - 8:20 م | آخر تحديث : الخميس 3 أكتوبر 2019 - 8:20 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للباحث «ممدوح مبروك» جاء تحت عنوان «الغزو الإسرائيلى لغرب إفريقيا» ونعرض منه ما يلى:
انطلاقا من تعاظُم النفوذ الإيرانى والتركى فى منطقة غرب إفريقيا، تحرص إسرائيل على تعظيم نفوذها فى تلك المنطقة التى باتت تمثِل عمقا استراتيجيا وقوة استهلاكية ضخمة لا يُستهان بها، فضلا عن حرصها على تحسين الصورة الإسرائيلية السيئة وصرف الأنظار عن الجرائم التى ارتكبتها وترتكبها ضد الشعب الفلسطينى، مُعتمدة فى ذلك على سياسة الدبلوماسية الفاعِلة والحضور السياسى والاقتصادى المؤثِر.
تمتلك القارة السمراء من المُميزات ما يجعلها مطمعا لدولة استعمارية كإسرائيل؛ فمن ناحية تشكِل الكتلة الأرضية لأفريقيا كتلة أكبر من أراضى كلٍ من: الولايات المتحدة، وشرق أوروبا، والهند، والصين مجتمعة؛ ومن المتوقَع أن يتضاعف سكان أفريقيا البالغ عددهم مليار نسمة حاليا، وذلك بحلول العام 2050. ومن ناحية أخرى، تشير التركيبة العمرية لسكان إفريقيا إلى أن نصفهم دون الخامسة والعشرين من العمر، ما يجعلهم قوة عمل مهولة ومؤثِرة اقتصاديا إذا أُحسن استثمارهم وعدم تركهم فريسة التنظيمات المتطرفة.

أولا: دوافع التدخل الإسرائيلى فى غرب إفريقيا

• تشويه المُقاومة الفلسطينية وربطها بالإرهاب
استغلَت إسرائيل أزمة ظهور الجماعات الجهادية فى غرب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة مثل: جماعة بوكو حرام، وجماعة أنصار الدين، وجماعة المُرابطين، وغيرها، لمصلحتها من خلال تشويه المُقاومة الفلسطينية، ووصفها بالوجه الآخر لتلك الجماعات، معتمدة فى ذلك على هشاشة وعى النُخب السياسية الإفريقية لأبعاد الصراع العربى ــ الإسرائيلى بفعل تأثير الإعلام الغربى الموجَّه لمصلحة المشروع الإسرائيلى. هنا تجدر الإشارة إلى أن جميع المسئولين الإسرائيليين الذين زاروا إفريقيا، لعبوا على هذا الوتر، أبرزهم وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق «أفيجدور ليبرمان» ــ خلال زيارته العاصمة النيجيرية «أبوجا» فى العام 2010 ــ عندما وصف حركات المُقاومة الفلسطينية، وبالتحديد حماس بالإرهابية، وحمَلها مسئولية تدهور الأوضاع فى الشرق الأوسط، بهدف الحد من التعاطُف مع القضية الفلسطينية فى هذا التكتل الاقتصادى (نيجيريا) الذى يُمثل المسلمون فيه تقريبا ربع سكان القارة الأفريقية.

• كسب التأييد الإفريقى فى المَحافِل الدولية
السبب وراء ذلك هو ما حدث فى ديسمبر 2016، حينما صوَتت السنغال مع كلٍ من نيوزيلندا، وماليزيا، وفنزويلا، على مشروع قرار فى مجلس الأمن ضد «الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة»، وتم التصديق عليه، وترتَب على ذلك آنذاك سحب السفير الإسرائيلى فى السنغال، وإلغاء زيارة وزير الخارجية السنغالى لإسرائيل التى كان من المقرَر القيام بها فى يناير 2017، فضلا عن إلغاء كل بَرامج المُساعدة للسنغال.
بعد تلك الواقعة، أَدركت إسرائيل أن التعاطف مع القضية الفلسطينية لا يزال قائما فى مواقف الحكومات والأنظمة الرسمية فى إفريقيا، وأيقنت أن الغياب الإسرائيلى عن مجريات الحدث الدبلوماسى والسياسى بهذه المنطقة قد يصب فى مصلحة القضية الفلسطينية.

• تعظيم التبادُل التجارى مع منطقة غرب إفريقيا
اقتصر الاهتمام الإسرائيلى بمنطقة غرب إفريقيا على عددٍ محدود من الدول؛ ووفقا لتقرير صادر عن معهد الصادرات الإسرائيلية فى العام 2015، كشف أن حجم صادرات إسرائيل نحو إفريقيا يبلغ 1.6% فقط، فى حين تصل الواردات من إفريقيا إلى 0.5%، ما يعنى أن استفادة إسرائيل من هذه السوق التى يبلغ حجْم مستهلكيها 340 مليون نسمة، وتمتلك مقدرات اقتصادية هائلة ومتنوعة مثل مَناجم الذهب، والنفط، والأراضى الزراعية، واليورانيوم، والقطن، والكاكاو، والذهب، والثروة الحيوانية، لا تزال ضعيفة.

ثانيا: الاقتصاد: إحدى أدوات الغزو الإسرائيلى لغرب إفريقيا
تعتمد إسرائيل سياسةَ انفتاحٍ جديدة على منطقة غرب إفريقيا، وقد حَصرت أدوات اختراقها فى جوانب التعاون الأمنى، والعسكرى، والاقتصادى، مركِزة على الاقتصاد بوجهٍ خاص بالنسبة إلى الدول التى يصعب فيها تحقيق اختراقٍ على مستوى الشعوب، والتى تكون فى الغالب دولا ذات أغلبية مُسلمة؛ فعلى سبيل المثال، نجد أن التعاوُن الإسرائيلى السنغالى يَعتمد بشكلٍ أساس على ملف الزراعة الذى يُعتبر أحد أهم أركان الاقتصاد السنغالى، بهدف اختراق الوسط الريفى فى بلدٍ يعتنق أكثر من 95% من سكانه الدين الإسلامى، ويُعتبر الوسط الريفى فيه أكثر مُحافظة من سكان المناطق الحضرية. كما أن نسبة 70% من سكانه يعتمدون على الأنشطة المرتبطة بالقطاعَين الزراعى والرعوى.

• الإكواس: التكتل الاقتصادى لدول غرب إفريقيا
تأسَست المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة بـ«الإكواس» فى شهر مايو من العام 1975، وذلك بموجب اتفاقية لاجوس التى وقَعتها 15 دولة من دول المنطقة.
تشتمل الأهداف، التى نصَت عليها معاهدة الإنشاء، على خلق التعاوُن بين الدول الأعضاء وتشجيعه فى جميع المجالات الخدمية والإنتاجية، وبخاصة فى مجالات الصناعة، والزراعة، والطاقة، والنقل والمواصلات، والمُبادلات التجارية؛ وذلك من أجل رفْع المستوى المعيشى والتنموى لشعوب القارة الإفريقية.
على الرغم من أن منظمة «الإكواس» هى ذات طبيعة اقتصادية أساسا، إلا أن رؤساء الدول الأعضاء أدركوا ضرورة أن يكون للقضايا السياسية والأمنية وجودٌ فى اختصاصات هده المنظمة، واتفقوا على وضع ميثاق للدفاع المُشترَك بين بلدانهم فى القمة الرابعة للمنظمة فى العاصمة السنغالية داكار فى العام 1979؛ وهو الميثاق الذى دخلَ حيز التنفيذ فى العام التالى مباشرة، ليكون أول خطوة تُتَخذ من نَوعها فى إطار الأمن الجماعى الأفريقى للتجمعات الإقليمية فى القارة.
تضم المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا فى عضويتها الآن، أربع عشرة دولة وهى: ساحل العاج، بنين، مالى، بوركينا فاسو، السنغال، توجو، غينيا بيساو، النيجر، نيجيريا، ليبيريا، سيراليون، زامبيا، غانا، جزر الرأس الأخضر.

ثالثا: الاختراق الناعم لدُول غرب إفريقيا
عُقدت القمة قبل الأخيرة رقم 51 لـ «الإكواس» فى يونيو2017 فى العاصمة الليبيرية «مونروفيا»، وشاركَ فيها رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» إثر دعوة تلقاها للمُشارَكة، وذلك بهدف توقيع اتفاقيات اقتصادية عدة تتعلق بالزراعة، والمَوارد المائية، والتجارة، والتعليم، والصحة، والأمن، والطاقة، وغيرها؛ وعلى حد قول رئيس الوزراء الإسرائيلى «هذه هى أول مرة يتم فيها توجيه دعوة إلى زعيم دولة خارج القارة الإفريقية».
كما أعلَن نتنياهو أن إسرائيل تعود إلى أفريقيا بشكلٍ كبير، وأنه يسعى من خلال هذه الزيارة إلى حشد مزيدٍ من دعْم أغلبية الدول الأفريقية فى الأُمم المتحدة والمؤسسات الدولية للتصويت لمصلحة الكيان الإسرائيلى.
استغل «نتنياهو» هذه الزيارة بإنهاء الأزمة التى نشبت بين إسرائيل والسنغال فى ديسمبر2016 على خلفية دعْم السنغال للتصويت الذى جرى فى مجلس الأمن ضد المستوطنات الإسرائيلية، وتمثَل حل الأزمة فى إعادة السفير الإسرائيلى إلى العاصمة السنغالية «داكار». كما التزمت السنغال بدعْم ترشيح إسرائيل لتكون دولة مُراقِبة فى منظمة الوحدة الأفريقية. هذا فضلا عن الاتفاق على تجديد المشروعات المُشترَكة التى تم تعليقها فى أعقاب الأزمة، والتعاون الأمنى والزراعى بين البلدَين، كما دعا نتنياهو وزيرَ الخارجية السنغالى لزيارة إسرائيل.
ومن المُفارقات التى خدمت إسرائيل آنذاك، امتناع المغرب عن المُشارَكة فى القمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وذلك على خلفية مُشارَكة رئيس الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من أنه كان من المُفترض أن تُناقِش القمة قضايا واتفاقيات عدة، من بينها مسألة طلب المغرب الانضمام إلى الإكواس كعضو كامل العضوية الذى تقدم به الملك محمد السادس فى فبراير2017. وأشارت وزارة الخارجية المغربية فى بيانٍ لها آنذاك إلى أن «الملك محمد السادس يأمل ألا يأتى حضوره الأول فى قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا فى سياقٍ من التوتر والجدل، ويحرص على تفادى كل خلط أو لبس»؛ هذا فضلا عن قرار بعض الدول الأفريقية تقليص مستوى تمثيلها فى هذه القمة إلى الحد الأدنى، لعدم موافقتها على الدعوة الموجَهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى.

فشل أول قمة إسرائيلية إفريقية
لم تكتفِ إسرائيل بذلك فحسب، بل دعا «نتنياهو» إلى تنظيم أول قمة إسرائيلية ــ إفريقية فى أكتوبر2017 فى توجو، التى آلت إليها الرئاسة الدورية لمنظمة «الإكواس» أثناء القمة قبل الأخيرة للمنظمة التى عُقدت فى ليبيريا، وذلك على غرار القِمم الأخرى كالقمة الفرنسية ــ الأفريقية والقمة الهندية ــ الإفريقية، والقمة الصينية ــ الإفريقية، والقمة التركية ــ الإفريقية التى تسعى من خلالها هذه القوى إلى إحراز نفوذٍ اقتصادى فى أفريقيا، الأمر الذى جعل بعض الصحف تصف هذه القمة بخروج العلاقات الإسرائيلية الأفريقية من السر إلى العَلن.
نتيجة لردود الأفعال المتباينة بعد الإعلان عن انعقاد تلك القمة، تم إلغاؤها بناء على طلب رئيس توغو «فور غناسينجبى»، مع العلم أنه كان مقررا أن يرافق نتنياهو إلى قمة توجو 70 من رجال الأعمال وممثلى الشركات الإسرائيلية الكبرى؛ وفى هذا الصدد قال وقتها «إفرايم نجيسو»؛ رئيس رابطة الأعمال الأفريقية الإسرائيلية فى الكنيست الإسرائيلى «إن إلغاء قمة توجو يُعد خسارة لإسرائيل التى كانت تأمل من خلالها تدشين شراكة استراتيجية مع الأفارقة تقوم على الدبلوماسية ومشروعات الأعمال، كما كان مقرَرا أن تُشارِك فى هذه القمة شخصيات مؤثِرة من مجلس الصداقة الإسرائيلى الأمريكى «إيباك»، وقياديون فى الرابطة اليهودية الأمريكية التى تُعد إحدى جماعات الضغط على السفراء الأفارقة فى الأُمم المتحدة».
فى ضوء ما سبق، يُمكن القول إن تحرُك إسرائيل لتحسين علاقاتها مع الدول الأفريقية، يُعَد جزءا من جهود إسرائيل لكسب الشرعية والدَعم والتأييد لمَواقفها وقراراتها فى الأُمم المتحدة، ولاسيما بعد نجاح الدبلوماسية الفلسطينية فى الأُمم المتحدة فى إجهاض مساعٍ إسرائيلية للحصول على عضوية مُنتخَبة فى مجلس الأمن الدولى. وأَرجع المُراقبون فى تل أبيب سبب فشل التحرُك الإسرائيلى إلى اعتماد الدبلوماسية الفلسطينية على ورقة التصويت الأفريقية، وكشفت مَصادر إخبارية إسرائيلية عن أن بعض الرُعاة الماليين للقمة الإسرائيلية الإفريقية المُلغاة، هُم من الضالعين فى دعْم توريد الأسلحة الإسرائيلية إلى إفريقيا.
النص الأصلى:من هنا

التعليقات