نشرت جريدة الرياض السعودية مقالا للكاتب زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ، تناول فيه أن الذكاء الاصطناعى قد يكون الثورة الصناعية الجديدة، لكنه فى الوقت نفسه قد يكوّن فقاعة مالية خطيرة، إذ يُستخدم كأداة لاحتكار رأس المال وتدويره داخل منظومة مغلقة، وهذا يخلق اقتصادا هشا يعتمد على الثقة والتوقعات أكثر من اعتماده على القيمة الإنتاجية الحقيقية؛ مما يهدد بانفجار اقتصادى عالمى إن تراجع الطلب أو فقدت الثقة فى استدامة هذا النمو.. نعرض من المقال ما يلى:
 
يصعد الذكاء الاصطناعى بوصفه الثورة الصناعية الجديدة، لكن خلف هذا الصعود القوى البراق والعناوين الضخمة، ثمة خطر خفى: فقاعة رأسمالية تتكون من تدفقات مالية دائرية شبه مغلقة بنيت على توقعات نمو مستقبلى فى الابتكار أو المنافسة. الابتكار التقنى واضح لا شك فيه، إنما نحن بصدد ابتكار من نوع آخر، ابتكار مالى تحوم حوله الشكوك ولا يعرف أحد عقباه.
إن العلاقة المهمة بين شركة الذكاء الاصطناعى المفتوح ومايكروسوفت، هى المثال الأوضح للتدفق الرأسمالى الدائرى الذى نتحدث عنه. فقد ضخت مايكروسوفت 13 مليار دولار فى الشركة الناشئة، مما أثار فضول المحللين حول هذا الاستثمار الكبير. لكن سرعان ما تبين أن هذا الاستثمار يعود لمايكروسوفت نفسها، حيث تنفق الذكاء الاصطناعى المفتوح مبلغ الاستثمار على خدمات الحوسبة السحابية لمايكروسوفت (آجر). ما كان تمويلا خارجيا مستقلا تبين أنه حلقة مغلقة: مستثمر يمول مختبرا ثم يستعيد أمواله وهو يزوده بالخدمات. تعزز هذه الدائرة المغلقة هيمنة اللاعبين الكبار، وتراجع فرص المنافسة والابتكار فى البنية التحتية السحابية.
مع تكون دائرة مايكروسوفت تكونت دوائر على المنوال نفسه. أعادت الذكاء الاصطناعى المفتوح استخدام النموذج مرة أخرى حيث استثمرت أوراكل 300 مليار مقابل استخدام مراكز البيانات التى ستنشئها ضمن مشروع (ستارجيت). ليست أوراكل وحدها إنما دخلت فى النموذج الجديد شركات ناشئة مثل (كورويف) التى منحت أسهما بقيمة 350 مليون دولار مقابل خدمات مراكز بيانات متخصصة فى الذكاء الاصطناعى. توفر هذه الاستثمارات الدائرية بنية تحتية مكلفة على مستوى الطاقة والموارد البيئية فضلا عن الموارد الأخرى، هدفها دفع النمو فى سباق لخلق الطلب المستقبلى الذى تحوم الشكوك حول جدواه الاقتصادية الفعلية.
من هنا يكمن خطر الفقاعة. إذا ارتفعت القيمة السوقية بناء على الاستثمارات الضخمة لا على توقعات مستقبلية من الطلب الحقيقى، تصبح الفقاعة جاهزة للانفجار متى ما زادت الشكوك حول الطلب المستقبلى. يفترض الجميع أن القائمين على الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة يعرفون شيئا لا نعرفه، إلى أن يتبين العكس. ما إن يتباطأ النمو أو تضعف شهية المستهلكين، يصبح النظام الدائرى مهددا بالسقوط على رءوس حامليه. فإعادة تدوير الاستثمار يخلق اقتصادا ضخما لكنه هش فى جوهره، يعتمد على التزامات متبادلة أكثر من اعتماده على قيمة إنتاجية حقيقية.
مع زيادة حجم الاستثمار والثقة العمياء تتسع دائرة الخطر. لن يطال الخطر وادى السيليكون فحسب، بل الاقتصاد العالمى كله. تبتلع فقاعة البنية التحتية رأس المال والمهارات وتضخم التقييمات من دون زيادة مقابلة فى الإنتاجية. وإذا انفجرت، فستخلف خسائر هائلة فى قطاعات الحوسبة السحابية والطاقة والتوظيف، وستجبر العالم على إعادة تقييم جدوى استثمارات الذكاء الاصطناعى كلها. فهل يتدخل المنظمون لكسر هذه الدائرة الاحتكارية، أم يقفون بانتظار خروج هذه الموجة بانتصار تاريخى بنجاح أداة رأسمالية جديدة؟