نشرت صحيفة ذى أتلانتك مقالا للكاتب «URI FRIEDMAN » يتناول فيه التطور فى العلاقات الكورية واحتمالات انتهاء الحرب بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ودور الولايات المتحدة فى ذلك بعد تطور علاقتها مع كوريا الشمالية.
يبدو أن حملة دونالد ترامب لإخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية بدأت تؤتى ثمارها: لقد بدأت الحرب الكورية تنتهى ــ ليس مع تحقيق الرئيس الأمريكى انفراجة فى المفاوضات النووية، ولكن مع سلسلة من الإجراءات الإضافية من خارج شبه الجزيرة الكورية.
فعلى خلاف البلدان التى حاربت بعضها البعض فى الخمسينيات وأخيرا أعلنت نهاية الحرب، نجد أن كيم جونغ أون تفاوض حول أسلحته النووية من أجل التوصل إلى معاهدة سلام، حيث قامت سول ــ عاصمة كوريا الجنوبية ــ وبيونج يانج ــ عاصمة كوريا الشمالية ــ بتفكيك مراكز الحراسة، وتحديد مناطق حظر الطيران، ونزع السلاح.
وبالفعل، وبتقدير صحيفة «هانكيوريه» الكورية الجنوبية، فإن كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية قد نفذتا جزءا كبيرا من ضمن عشرين اتفاقية مصالحة توصلتا إليها فى قمتين بين زعماء الدولتين فى أبريل وسبتمبر. ومن بين 13 التزاما تم التعهد بها خلال تلك القمم التى حددت إطارا زمنيا، نجحت الكوريتان فى الوصول إلى خمسة مواعيد نهائية، وهى فى طريقها للوفاء بأربعة أخرى، بعد أن استلمت للتو موافقة مجلس الأمن الدولى لإجراء دراسة ميدانية مشتركة حول ربط سكك حديدهما، فإنهما يتدافعان الآن لتنظيم حفل تدشين المشروع قبل نهاية العام.
***
ويضيف الكاتب من الصعب المبالغة فى تقدير ما يقع فى هذه التطورات حيث إن حل أحد أخطر النزاعات فى العالم وأكثرها استمرارا، والتحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ومصير أكثر الجهود طموحا على الإطلاق لوقف انتشار الأسلحة النووية كلها مرتبطة بمسألة ما إذا كانت مطالب تحقيق السلام ونزع السلاح النووى هى فى نهاية المطاف مكملة أو غير متوافقة مع بعضها البعض.
بالطبع، تتطلب العديد من الإجراءات موافقة الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية التعاون فى مشاريع اقتصادية وسياحية أو الحصول فعليا على موافقة لإنشاء طرق وسكك حديدية بين الكوريتين حتى يتم تخفيف العقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية. فى الوقت الذى يظهر فيه مسئولو إدارة ترامب قلقين حول خفض الضغط على كوريا الشمالية قبل الأوان وتقويض التحالف العسكرى للولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية.
وعندما يكون كيم مون جايان يتمتعان بحرية أكبر ويتحدثان عن أن التقدم الأكبر كان فى سن عدة اتفاقات لوقف الأعمال العدائية العسكرية بين بلديهما. ورغم أن التقدم ــ ما زال متواضعا ومبدئيا ــ إلا أنه أمر رائع للغاية نظرا للوتيرة البطيئة نسبيا فى المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
ووصف مون، وهو سياسى ليبرالى يفضل المشاركة مع كوريا الشمالية، هذه الاتفاقات العسكرية بين الكوريتين خلال زيارة إلى نيويورك فى الخريف الماضى بأنها «شبيهة بإعلان إنهاء الحرب الكورية».
وعلى مدى شهر نوفمبر، قامت كل من كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية بتدمير 10 نقاط حراسة داخل المنطقة الكورية منزوعة السلاح ــ من أجل بناء الثقة. كما علقت الكوريتان بعض التدريبات العسكرية قرب خط ترسيم الحدود العسكرى الذى يفصل بين الدولتين، وقامت بتطهير مئات الألغام الأرضية فى المنطقة، وربطت أحد الطرق كجزء من محاولة للكشف عن رفات الجنود الذين ماتوا خلال الحرب الكورية، وأنشأوا منطقة حظر جوى بالقرب من الحدود. وهم الآن يستكشفون طرقا لتأمين قرية بانمونجوم الحدودية الشهيرة، والسماح للحراس غير المدنيين، والمدنيين، والسائحين الأجانب بالانتقال هناك لأول مرة منذ أكثر من 40 عاما.
***
ويستطرد الكاتب قائلا إن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لم تعودا تهددان بعضهما بعضا بحرب كارثية، كما كانت قبل أشهر فقط، ولم يختبر كيم قنبلة نووية أو صاروخا باليستيا خلال عام واحد. ويشارك المسئولون الأمريكيون والكوريون الشماليون فى التخطيط المطول لعقد اجتماع ثان بين ترامب وكيم.
ولكن لدى كوريا الشمالية عدد كبير من الأسلحة النووية والصواريخ كما كانت يوم التقى الزعيمان فى سنغافورة فى الصيف الماضى. ويشير تدفق مستمر من الأدلة إلى أن كوريا الشمالية مستمرة فى تطوير جوانب برنامجها النووى فى غياب اتفاق تفصيلى لنزع السلاح مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التقدم فى تخفيف حدة التوتر بين الكوريتين، إلا أن كوريا الشمالية لا تزال تشكل تهديدا عسكريا للجنوب أيضا ــ ليس فقط بالصواريخ ذات الرءوس النووية ولكن أيضا بالمدفعية التقليدية.
وبعد ستة أشهر من زعم كوريا الشمالية أنها دمرت موقع تجاربها النووى، لا تزال واشنطن وبيونج يانج تتفاوضان حول ما إذا كان سيتم السماح للمفتشين المستقلين بالتحقق من ذلك.
كما أن الولايات المتحدة لم تقم بعد بالتأكد من العديد من الالتزامات التى كانت قد طالبت بها كوريا الشمالية فى بداية المحادثات، بما فى ذلك جرد شامل لبرنامج الأسلحة النووية فى البلاد، والتفكيك التدريجى لجزء كبير من ترسانتها النووية، والجدول الزمنى لنزع السلاح النووى الكامل.
وأثناء ظهوره أخيرا فى مركز ويلسون فى واشنطن العاصمة، أقر رئيس وزارة التوحيد فى كوريا الجنوبية، تشو ميونغ ــ جيون، بأن عملية المصالحة الكورية تسير بوتيرة أسرع من عملية نزع السلاح النووى فى كوريا الشمالية. لكنه أوضح أن هذا كان متوقعا نظرا لتراث الحرب والمحاولات السابقة للتقارب بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
وأضاف من الطبيعى إعادة توحيد شىء انفصل بشكل مصطنع، حيث إنه خلال السنوات العشر الماضية تم تعليق جميع الاتصالات والتبادلات بين الكوريتين تقريبا. وقال إن الانفراج بين الكوريتين كان مماثلا «للنهر الذى كان راكدا منذ فترة طويلة وهو الآن يتدفق مرة أخرى».
أما بالنسبة للولايات المتحدة وكوريا الشمالية، قال: «من السابق لأوانه أن نتوقع منهم استعادة الثقة بعد 70 عاما من العداء. هناك فجوة كبيرة فى وجهات نظرهم، ويفتقرون إلى التفاهم المتبادل».
وقال تشو إن المسارين يمكن أن يسيران جنبا إلى جنب. حتى عندما قلل من شأن إعلان نهاية الحرب قائلا إنه مجرد بيان «سياسى»، على سبيل المثال، سلط تشو الضوء على قدرته على منح كيم «الشرعية» اللازمة لإقناع كبار المسئولين العسكريين الكوريين الشماليين بأن أمن البلاد فى تحقيق السلام والتنمية الاقتصادية بدلا من الأسلحة النووية والعزلة الدولية.
***
تريد إدارة ترامب أن «تتأكد من أن السلام فى شبه الجزيرة ونزع السلاح النووى فى كوريا الشمالية لا يختلفان عن الزيادة فى العلاقات المتبادلة بين الكوريتين» وتؤكد حكومة كوريا الجنوبية أن تخفيف الضغط على كوريا الشمالية هو أفضل وسيلة لدفع عملية نزع الأسلحة النووية إلى الأمام، فى حين تعتبرها الحكومة الأمريكية الطريقة «الأضمن» للتراجع إلى الوراء.
وأشار بومبيو إلى العقوبات الدولية باعتبارها «الطريقة الأساسية» التى «ستمنحنا القدرة على تحقيق نزع السلاح النووى»، فقد أوضح مون أن الزعماء الأوروبيين قاموا بتخفيف هذه العقوبات باعتبارها شكلا من أشكال التشجيع عندما يتخذ كيم خطوات مهمة تجاه التخلى عن برنامجه النووى. وهددت كوريا الشمالية، التى ألغت فجأة اجتماعا فى نوفمبر مع بومبيو، بعدم تقديم أى تنازلات أخرى بشأن برنامجها النووى، بل واستأنفت بذلك بناء أسلحتها ما لم يتم رفع العقوبات.
***
فى نهاية المطاف، ترى سول أن تجدد القتال العسكرى فى شبه الجزيرة الكورية يشكل تهديدا أكبر لكوريا الجنوبية من الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، كما يقول تشون يونج، مستشار الأمن القومى الكورى الجنوبى السابق، وهو من أشد منتقدى مون. إذا كان المسئولون الأمريكيون يتحدثون محبطين من تعنت كوريا الشمالية بشأن نزع السلاح النووى... وأن ترامب ليس لديه خيار آخر سوى العودة إلى الخيارات العسكرية.
ويضيف جيمس أكتون، وهو خبير فى السياسة النووية، قائلا «يمكنك أن تكون فى نفس الوقت متفائلا حول بناء السلام بين الكوريتين ومتشائما حول نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية. لكن السؤال المهم الآن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تحمل الأولى دون الثانية.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الاصلى: