حظر الكتب والخوف منها ليس حلًا - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حظر الكتب والخوف منها ليس حلًا

نشر فى : الجمعة 4 فبراير 2022 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 4 فبراير 2022 - 9:30 م

 

نشرت صحيفة ذا نيويورك تايمز مقالا للكاتب فيت ثان نجوين (نشر بتاريخ 29 يناير 2022) يعارض فيه من يحاولون حظر بعض الكتب من المكتبات العامة والمناهج الدراسية اعتقادا أن تلك الكتب من شأنها تشويه أفكار أبنائهم، إلا أن الكاتب يرى أن الرغبة فى حظر الكتب قد ينبع من أسباب لا تقتصر فقط على الخوف من الأفكار الجديدة أو الغريبة، ويشير إلى أن هذا المنع لا يمكنه أن ينشئ مجتمعا قادرا على التفكير والنقد... نعرض منه ما يلى:
اشتعلت معركة على الكتب فى الولايات المتحدة، حيث يطالب بعض السياسيين وأولياء الأمور بإزالة بعض الكتب من المكتبات والمناهج الدراسية. فى أواخر الشهر الماضى، أصدر مجلس إدارة مدرسة فى ولاية تينيسى قرارا بحظر الرواية المصورة للفنان الأمريكى آرت شبيجلمان بعنوان «Maus»، والحائزة على جائزة بولتزر للفنون، من المناهج الدراسية ــ وهى رواية تصور المحارق النازية. وأوقف عمدة فى ولاية مسيسيبى تمويله لمكتبات المدينة، البالغ قدره 110 آلاف دولار، حتى تزيل من على رفوفها الكتب التى تتناول المثلية الجنسية. أولئك الذين يسعون إلى حظر الكتب يجادلون بأن هذه القصص والأفكار يمكن أن تكون خطيرة على عقول الشباب...
يمكن أن تكون الكتب بالفعل خطيرة. ولكن الكتب أيضا بإمكانها تغيير الأفكار وتغيير العالم. أولئك الذين يسعون إلى حظر الكتب مخطئون بغض النظر عن مدى خطورة الكتب. لا يمكن فصل الكتب عن الأفكار، وهذا هو جوهر الصراع؛ الصراع حول ما يُسمح للطفل والقارئ والمجتمع بالتفكير فيه ومعرفته والتساؤل عنه. يمكن للكتاب أن يفتح الأبواب ويجعل قارئه يخوض تجارب جديدة، أو يعرف هويات مختلفة، ويشكل مستقبلا باهرا.
تم حظر كتاب «Beloved» لتونى موريسون من قبل وهو مهدد مرة أخرى بالحظر بعدما اشتكت أم بأن الكتاب تسبب فى كوابيس لابنها. من المؤكد أن رواية «الحبيب» هى رواية مزعجة؛ تتناول قتل الأطفال والاغتصاب والتعذيب. لكن يبدو من الواضح أن المحاولات الأخيرة لقمع هذه التحفة من الأدب الأمريكى لا تتعلق بتصويرها الجرافيكى للفظائع، بقدر ما تتعلق بإصرار الكتاب على ضرورة مواجهة وحشية العبودية.
إليك الأمر؛ إذا عارضنا حظر بعض الكتب، فعلينا أن نعارض حظر أى كتاب. إذا لم يكن مجتمعنا قويا بما يكفى لتحمل ثقل الأفكار المختلفة أو التى تتحدى ما نشأنا عليه ــ وحتى الأفكار البغيضة أو الإشكالية، فهذا يعنى أن هناك شيئا خاطئا فى مجتمعنا يجب إصلاحه. حظر الكتب هو طريق مختصر إلى النهايات البائسة.
فى كتابه «فهرنهايت 451»، وهو كتاب آخر مستهدف من قبل الراغبين فى منع الكتب، تناول راى برادبرى كيف أن حرق الكتب يهدف إلى منع الناس من التفكير، مما يسهل من عملية حكمهم والسيطرة عليهم، أو اقتيادهم إلى شن حروب. وبمجرد قبول المجتمع فكرة حرق الكتب، فإنه يميل سريعا إلى إدراك الحاجة إلى حرق من يحبون الكتب.
يبدو أن أولئك الذين ينادون بحظر الكتب يريدون تقييد التعاطف فقط لفئة محدودة من الأفراد أو المجموعات التى ينتمون إليها. فأولئك الذين يريدون حظر كتاب «New Kid» للكاتب جيرى كرافت على سبيل المثال، والفائز بميدالية نيوبيرى لعام 2020، لا يريدون أن يتعاطف أطفالهم مع السود. الفكرة ببساطة هى إذا كان من الممكن أن نكره ونخشى أولئك الذين لم نلتق بهم من قبل، فمن الممكن أيضا أن نحب أولئك الذين لم نلتق بهم من قبل. كلا الخيارين، الكراهية والحب، لهما عواقب سياسية، ولهذا السبب يسعى البعض إلى توسيع نطاق وصولنا إلى الكتب والبعض الآخر يسعى للحد منه.
هذه المعضلات ليست سياسية فقط، فهى أيضا شخصية وحميمية. الآن، بصفتى أبا لقارئ يبلغ من العمر 8 سنوات، يجب أن أفكر فى الكتب التى أحملها إلى منزلنا. يحب ابنى «مغامرات تان تان» للكاتب هيرجى، والتى عرفته عليها لأننى أحببتها عندما كنت طفلا. لم ألحظ مواقف هيرجى العنصرية والاستعمارية حينما قرأتها وأنا صغير، وحتى لو كنت قد لاحظت، لم يكن لدى أى شخص يمكننى التحدث معه عما لاحظته. ولكن ابنى يفعل؛ نحن نستمتع بمغامرات الصبى وكلبه الأبيض، لكن بينما نقرأ، أشير إلى عنصرية الكتاب ضد معظم الشخصيات غير البيضاء، ولا سيما تصويره الفظيع للأفارقة السود. هل الأفضل لابنى ألا يرى هذه الصور أم الأفضل أن يراها؟
أنا أميل إلى الرأى الثانى، وأحاول أن أصمم نموذجا لما يجب أن تفعله مكتباتنا ومدارسنا. أتأكد من أن ابنى يمكنه الوصول إلى العديد من القصص الأخرى عن الشعوب التى أساء هيرجى تمثيلها، وأن نتناقش حولها. هذه النقاشات ليست دائما سهلة، وربما يكون هذا هو السبب الحقيقى وراء رغبة بعض الناس فى حظر الكتب التى تثير قضايا معقدة؛ حيث يشعر البالغون بالانزعاج والتوتر، وليس الأطفال. من خلال حظر الكتب، نحظر أيضا الحوارات الصعبة والخلافات؛ وهى بالمناسبة حوارات وخلافات فى قدرة الطفل التعامل معها، وهى ضرورية لتعزيز القيم الديمقراطية... أنا فيتنامى أمريكى، وأخبرت ابنى أنه ولد فى الولايات المتحدة بسبب التاريخ المعقد من الاستعمار الفرنسى والحرب الأمريكية التى جلبت أجداده ووالديه إلى الولايات المتحدة. ربما التحدث عن هذه الأشياء مع أطفالنا ستجعلنا فى الأخير نواجه حروبا أقل، وعنصرية أقل، واستغلالا أقل.
لا ينبغى أن يكون تعاملنا مع الكتب على أنها مفيدة مثل السبانخ والكرنب، اللتين يدفعهما ابنى إلى جانب الطبق. قال لى أحد القراء ذات يوم «أحب قراءة القصص القصيرة، إنها مثل رقائق البطاطس، لا أستطيع التوقف عند واحدة». هذا هو الموقف الذى يجب أن يكون تجاه الكتب؛ يجب أن يطوق القراء إليها كحلوى لذيذة وغير صحية، مثل رقائق البطاطس بنكهة الفلفل الحار التى يحصل عليها ابنى بعد أن يأكل الجزر والخيار. هكذا يمكن للكتب أن تتنافس مع ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعى، فهنا تكون الكتب مثيرة وإدمانية وشائكة وخطيرة. ويجب التنويه إلى أن حظر الكتب لهذه الأسباب يزيد من مبيعاتها.

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

التعليقات