ظاهرة ترامب.. الكارثة الحضارية لأمريكا - قضايا عالمية - بوابة الشروق
الخميس 8 مايو 2025 2:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ظاهرة ترامب.. الكارثة الحضارية لأمريكا

نشر فى : الأحد 4 مايو 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الأحد 4 مايو 2025 - 6:55 م

نشر موقع 180 مقالًا للكاتب مالك أبوحمدان، تناول فيه تأثير ظاهرة «ترامب» الثقافية والحضارية على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى.. نعرض من المقال ما يلى:
لست مع الرأى القائل بعدم وجود «حضارة أمريكية» محترمة اليوم، وذات شأن فى جوانب إنسانية وثقافية واجتماعية وعلمية بل فلسفية وروحية. للعامل الأمريكى فى عالمنا إسهامات حضارية، عالمية الطابع، سابقة وحالية، وفى أكثر المجالات الإنسانية واقعًا: من التكنولوجيا البشرية ومن الذكاء الاصطناعى، مرورًا بالعلوم الاجتماعية والاقتصادية.. وصولًا حتى إلى فهم وتأويل بعض الظواهر الروحانية وإثبات وجود «الإله» من خلال أدوات العلوم الحديثة. ليس نفى وجود الإسهام الحضارى الأمريكى بالذات، هو الحل المناسب لشعوبنا المقهورة من قبل السياسات الخارجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة.
لكن تمثل ظاهرة الرئيس الحالى للولايات المتحدة، بأغلب تجلياتها، مشهدًا آخر لوحدها. وقد يختصر السؤال التالى النقاش المقصود فى هذا الإطار: هل ترامب هو حقًا رئيس دولة عظمى مثل أمريكا؟ أو بدقة أكبر: هل وصول شخصية مثل ترامب إلى سدة رئاسة دولة كالولايات المتحدة.. هى حالة سليمة حقًا بالنسبة إلى أمريكا وبالمعنى الحضارى - التاريخى تحديدا؟
أو، بطريقة أخرى لكن ضمن السياق عينه: هل أن وصول رجل كدونالد ترامب إلى رأس السلطة التنفيذية فى أمريكا، هو دليل على شىء جوهرى آخر.. غير أن أمريكا تعانى من مشكلة ثقافية وحضارية عميقة؟
لا أعتقد أبدًا أن تمكن رجل كهذا الرجل من قيادة دولة كالولايات المتحدة.. هو خبر جيد بالنسبة إلى هذه الأخيرة. ومن المرجح بالنسبة إليّ أن يكون هذا الوصول هو أحد الأعراض المهمة جدًا لمرض حضارى عميق: ما برح.. يفتك ويتمدد ويتجذر داخل الثقافة والمجتمع والنخب الأمريكية بشكل عام.
• • •
لنتأمل معا فى تصورنا العام المختصر الراهن، كأشخاص مراقبين، لظاهرة ترامب هذه، لا سيما من زاوية الفرد-القائد. الأنا تحكم الشخصية بشكل كاريكاتورى و(شبه) جنونى.. وسطحي-هزلى معا. الأنانية. الفردانية. التفرد. التسلط. العناد الفردانى (أقله فى الظاهر)، شبه الكوميدى.. حتى مع الفريق المقرب والأعوان الأقربين. باختصار: كل ما يتعارض مع الحد الأدنى من توصيات أهم مدارس الحكمة حول العالم أجمع.
من يعرف المجتمعات الغربية جيدا، يعرف أن هذه صورة لها شعبيتها الواسعة لدى الشباب للأسف: الفرد-الأنا-البطل-الإله.. والسطحى شبه الجاهل. هذا هو النموذج-المثالى المنشود والمقصود عند كثير من شباب اليوم.
قليل من الذكاء الذهنى الفطرى لا الروحى ولا حتى العاطفى وقليل من المال أو من المحيط البورجوازي: ويصبح الشاب أو الشابة مرشحين لمنصب "الإله-الإنسان.. السطحي". من الواضح أننا لسنا ببعيدين هنا عن مسئولية مباشرة لفلسفة فريدريك نيتشه، ولكن أيضا، لفلسفة النفعية أو المنفعة (Utilitarisme) وفلسفة الرأسمالية-الليبرالية (ذات الطابع الفردانى المبالغ فيه على أرض الواقع خصوصا).
لذلك، أن يكون دونالد ترامب شخصًا ذا أنانية مفرطة بل (شبه) مرضية، أو أقله أن يظهر بهذا المظهر.. بل أن يكون أو يظهر بمظهر الفرد المؤله لأناه ولأنانيته: كل ذلك يمثل جانبا مهما ولكنه ليس الأهم. الجانب الآخر الأهم والأخطر: هو أن يكون عدد هائل من الشباب الأمريكى والغربى.. معجبا بمظهر الوحش الأنانى المؤله لنفسه هذا.
هل هذه إشارة إيجابية فى ما يخص التوجه والاتجاه الحضارى الأمريكى (وأيضا الغربى بشكل أعم)؟ لا أعتقد ذلك أبدا. نحن، برأيى، أمام مرض عميق جدا وخطير جدا بالمعنى الإنسانى والروحى والحضارى.. تشى به هذه الظاهرة، بالإضافة إلى ظواهر بدأت تتكاثر يوما بعد يوم.
أضف إلى ذلك: أن الأنا هذه المضخمة.. تظهر بمظهر “الأنا الفارغة” واقعا، وإلى حد كبير. تظهر للأسف بمستوى عال جدا من السطحية الكارثية، ومن الجهل الكارثى، ومن التخلف الأخلاقى والسلوكى والثقافى الكارثى. على سبيل المثال لا الحصر:
أولًا: رئيس يستخدم الكلام السخيف فى الظاهر أقله، والكلام السوقى والسطحى فى أغلب خطاباته.. حتى منها الرسمية! ويناقض نفسه بنفسه بين الخطاب والخطاب، بل وداخل الخطاب عينه! أليس هذا واقعا شاخصا ظاهرا أمامنا اليوم؟
ثانيًا: رئيس دولة عظمى يستخدم كلمات نابية مع رؤساء الدول وقادة الأمم حول العالم، وبين هذه الأخيرة أمم تتطور إنسانيا منذ آلاف السنين.. بينما لا يتجاوز عمر الأمة الأمريكية بضع المئات من السنين (مع كل الاحترام لجميع شعوب وأمم الأرض طبعا). على كل الأمم أن تحترم أمريكا: ولكن، ليس من المقبول أن يهين رئيس واحدة من أهم الديمقراطيات حول العالم.. أن يهين جميع أمم الأرض ومن على منابر رسمية!
ثالثًا: قائد لأمة كبرى يظهر بمظهر الفرد الذى لا يقرأ، ولا يمتلك الحد الأدنى من الثقافة المطلوبة على المستوى الفردى. من العجيب أن يجهل رئيس الولايات المتحدة مثلا أن سقوط الامبراطورية الرومانية قد سبق نشوء الولايات المتحدة الأمريكية.. وفى تصريح رسمي! قد تضطر أحيانا لأن تسأل نفسك أمام ظاهرة كهذه: هل قرأ هذا الرجل كتابا واحدا فى حياته؟ ما هذا الجنون؟ هل هو يمثل.. أم هذه هى حقيقته؟ عجيب!
رابعا: قائد الدولة «القائدة» للعالم يأتى ببرامج اقتصادية من المرجح أنها لم تمر بدراسات جدية وملائمة ومعمقة. بل يصدر قرارات تهدد بإشعال حروب تجارية كونية، وبتفجير الأسواق المالية الأمريكية والغربية.. ثم يتراجع عنها بعد أيام قليلة، ويشتم قادة الدول الأخرى.. هل نحن حقًا أمام ظاهرة سليمة إنسانيًا وثقافيًا وسياسيًا؟
خامسا: رئيس دولة تقول بعض نخبها إنها عظمى.. يقرر أن الحل فى قطاع غزة، الذى يتعرض لأبشع أنواع القصف والقتل والإبادة منذ حوالى السنة والنصف: يقرر أن الحل فيه هو فى تهجير الشعب الفلسطينى. ثم يبدأ ببث عدد من الإيحاءات التجارية غير الملائمة (..). ثم يقرر أن أولوية دولة كبيرة كالولايات المتحدة حقيقة.. هى فى ضرب الشعب اليمنى الفقير بسبب إسناده للشعب الفلسطينى (..). ثم يكرر انتقاده لهيلارى كلينتون بسبب مساهمتها فى دعم وصول الجماعات الإسلامية إلى الحكم فى بعض الدول العربية.. قبل أن يحيى صديقه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وهو راعى أغلب هذه الجماعات.. بما فيها التكفيرية منها!
سادسا: قائد دولة كالولايات المتحدة، يقال إنها راعية كوكب الأرض ومن عليه من الأنام والأنعام: يقوم بإجراءات تهدد الأمن البيئى للعالم بشكل مباشر، غير مكترث بآراء الأمم الأخرى، ولا بالاتفاقات الأممية، ولا برأى الخبراء، ولا بخلاصة الدراسات.. بل هو يكاد لا يظهر الحد الأدنى من المعرفة بتفاصيل الجدل الأكاديمى الدائر حول القضية. تتساءل هنا: هل من معيار لدى هذا الرجل غير الجشع والطمع الماديين بالمعنى الضيق.. حقا؟
•••
على كل حال، يمكنك أن تضيف أيضًا: مساهمة هذا الرجل وفريقه فى ترويج الأفكار الفاشية والعنصرية والمتطرفة حول العالم الغربى.. واللائحة قد تطول بسهولة.
لكننى أعتقد أن الفكرة الجوهرية قد وصلت: فنحن أمام ظاهرة «ترامبية» يجب أن تدفع جميع المراقبين وجميع المفكرين، لا سيما منهم الغربيين والأمريكيين، نحو التساؤل حول مدى خطورة وعمق الكارثة الحضارية-الثقافية التى تعرفها أمريكا اليوم. وعلى بعض النخب اللبنانية والعربية عندنا الكف عن الانبهار بعملاق أمبريالى مادى-رأسمالى-تكنولوجى: يبدو مريضًا حقًا على عدد من المستويات الإنسانية والروحية والأخلاقية والاجتماعية.. وإلى حد بعيد. وإلا: فكيف يمكن لشخص عجيب كهذا الشخص أن يصبح رئيسه وممثله؟ كيف؟

النص الأصلى

قضايا عالمية قضايا عالمية
التعليقات